أمام "مفترق العائلات" في شارع النصر غرب مدينة غزة يتجمع عشرات من البائعين على بسطات متنقلة في أكثر من جهة، في وقت تشهد أيام رأس السنة الميلادية ازدحاماً أكبر في المنطقة التي تضم مطاعم ومخابز كثيرة، علماً أن البعض يقصدها للاكتفاء بشراء كعكات أعياد الميلاد للاحتفال مع أطفاله.
يبحث بعض البائعين عن أرزاقهم المرتبطة بمشروبات النعناع والبرتقال والحلوى واللبان والموز وغيرها من احتياجات المنزل، وكُثر ممن التقتهم "العربي الجديد" أمام البسطات أجابوا عن السؤال بشأن آمالهم بحلول العام الجديد بابتسامات وضحكات، ورد بعضهم بأنهم يرغبون في أن تباع كل المنتجات التي تتواجد على بسطاتهم، ويؤكدون أن آمالهم محصورة باليوم التالي وليس بالعام الجديد.
لايتردد توفيق الحصري (40 سنة) في تمني أن يموت شهيداً، وأن يتبنى أحد أطفاله. كان الحصري نجاراً متخصصاً في صناعة الأثاث المنزلي بالمنطقة الصناعية في عسقولة،، ثم توقف عن العمل مطلع عام 2018، وتحوّل إلى عامل متجول يبيع الأحذية أو الإكسسوارات وغيرها من البضائع. لاحقاً تأزمت ظروفه، وقدم طلباً للحصول على تصريح عمل في الداخل المحتل، لكنه رُفض لأسباب أمنية.
ويقول لـ"العربي الجديد": "الآمال والأمنيات تتواجد في البرامج التلفزيونية والإذاعية، أما تلك التي أريدها فندور حول رزق اليوم، والأمل الأكبر أن أموت بقيمة وطنية ودينية كشهيد، ثم يتكفل شخص بمصاريف أبنائي كي يكبروا ويتعلموا في الجامعة. أرفض أن أجعل أطفالي يرافقونني للعمل على البسطة كما يفعل باعة كثيرون. أريد أن أدعهم يحلمون بمستقبل جيد".
وفيما رفعت الأزمات الأمنية والاقتصادية المتعاقبة معدلات الإحباط الاجتماعي والأزمات النفسية المتكررة، ودفعت شباناً كثيرين إلى تعليق آمالهم على الهجرة رغم علمهم بمحاولة الدول الأوروبية محاربة الظاهرة بكل الوسائل الممكنة، يقول عصام عجور (50 سنة)، الذي يبيع أصناف فواكه على عربة صغيرة، ويسكن في حي الشجاعية، لـ"العربي الجديد": "شعرت بسعادة بعد وصول أحد أبنائي إلى اليونان قبل أيام، بعد تهريبه عبر الحدود التركية، فنجلي البالغ 29 سنة تخرج قبل سبع سنوات من كلية التربية، وظل عاطلاً عن العمل، ويساعدني على عربة بيع الفواكه، لكنني شجعته على خوض مغامرة الهجرة علّ وضعه يتحسن".
يضيف: "آمل أن يذهب ابني الآخر البالغ 26 سنة إلى أوروبا. أعرف أن حياة اللجوء ليست وردية، لكن على الأقل يمكن أن يجتهد الإنسان في العمل، ويحقق ما يصبو إليه، أما في غزة فلا عمل حتى لو تمسك الشخص بهدف العمل. يمكن القول إنني حققت أحد آمالي برحيل أحد أبنائي إلى الخارج، وأتطلع إلى ذهاب ابني الثاني بعد أن يجمع له شقيقه المال كي يهاجر، ويقدم طلب لجوء، وهكذا ربما ينتشلني رحيلهما من الفقر الذي أعيش فيه مع عائلتي التي تضم عشرة أفراد".
من جهته، يأمل الشاب مالك أبو عياد البالغ 30 سنة، ألا يشهد قطاع غزة عدواناً إسرائيلياً جديداً في عام 2023، ويقول لـ"العربي الجديد": "لا أخاف العدوان الإسرائيلي أو الموت، بل من تعطل الحياة أثناء العدوان، ما يجعلني مع العاملين في المشاريع الصغيرة بلا رزق طوال أيامه وبعدها، وقد أنشأت مشروعاً صغيراً لبيع المكسرات، وأطمح إلى أن أستمر في البيع كي أفتح محلاً، ثم أتزوج".
ومع تزايد ازدحام حركة التنقلات بين الأسواق وسط شارع عمر المختار خلال الأسبوع الأخير من العام الحالي، لمعايشة شعور يمكن أن يشبه بالحد الأدنى أجواء الاحتفالات التي يعيشها العالم خارج القطاع، تجلس المسنّة حنان أبو النور البالغة 70 سنة، وإلى جانبها أحفادها الذين يلعبون في ساحة الجندي المجهول، وتتمنى لهم ألا يعيشوا ما عاشته.
وتقول لـ "العربي الجديد": "لا نعرف عيد حب ولا رأس السنة الميلادية ولا عيدي الفطر والأضحى. آمل فقط أن يعيش أحفادي حياة أفضل من تلك التي عشتها. عرفت اللجوء والحرب عام 1956 ونكسة عام 1967 والانتفاضتين الفلسطينيتين، والحروب على غزة والحصار وكل شيء، أريد أن يعيش أحفادي بحرية وحب وأمان، وفي كل عام نبني آمالاً أقل قيمة من تلك التي سبقت، لذا أوقفت آمالي على مصير أحفادي فقط".
يُسرع الطفل يزن علي (8 سنوات)، مع زملائه للعب الكرة قرب مدرسته بعد أن دق جرس انتهاء الدوام، وهو يتمنى في العام الجديد أن يحصل على زي فريق ريال مدريد الإسباني وحذاء رياضي، وأن يتمرن في ملاعب عشبية كي يحترف ويلعب في الدوري الإسباني أو الإنكليزي.