استمع إلى الملخص
- **تأثير الأحكام على الوضع الأمني:** الأحكام القضائية الأخيرة تشير إلى تعافي المؤسسة القضائية واستعادتها لهيبتها، ومن المتوقع أن تساهم في ضبط الوضع الأمني المتفلت.
- **التحديات المستقبلية:** القضاء الليبي يواجه عقبات تتعلق بالوضع السياسي والانقسام، بالإضافة إلى قضايا الخطف وأوضاع السجون التي تحتاج إلى اهتمام أكبر.
أصدرت المحاكم في ليبيا أخيراً أحكاماً قضائية عدة ضد متورطين بارتكاب جرائم جنائية، في خطوة اعتبر نشطاء أنها تدل على استعادة هيبة القضاء. وفي يونيو/ حزيران الماضي، أعلن مكتب النائب العام أن حكماً صدر بإعدام مرتكب جريمة قتل في مدينة مصراتة شرق العاصمة طرابلس، وآخر بإعدام مرتكب واقعة قتل في مدينة الزاوية غرب طرابلس.
أيضاً، قضت محكمة جنايات مصراتة بإعدام مرتكب جناية قتل وسجن ثلاثة آخرين تورطوا في القضية نفسها، كما قضت محكمة جنايات طرابلس بسجن سفيرة ليبيا لدى بلجيكا أمل الجراري سبع سنوات بعد إدانتها بالاستيلاء من دون وجه حق على مال عام، وإلحاق ضرر بالمصلحة العامة.
ويعتبر الناشط الحقوقي إبراهيم الناجح، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الأحكام التي صدرت دفعة واحدة وعلى نحو متتالٍ في يونيو الماضي تشير إلى رغبة لدى المؤسسة القضائية بتوجيه رسالة تفيد بأنها في طريق العودة إلى أحكام قبضتها على الأوضاع الحقوقية والجنائية".
ويلفت الى أن "غالبية الأحكام التي صدرت في وقت متقارب ارتبطت بوقائع حدثت قبل سنوات، وكانت أدلة تورط المتهمين فيها واضحة". وتوقع أن "يكون وقعها جيداً في ضبط الوضع الأمني المتفلت، خاصة على صعيد جرائم القتل التي زادت في الفترة الأخيرة. من هنا يمكن القول إن المؤسسة القضائية تتعافى بسرعة وتستعيد هيبتها تدريجياً. وطوال أكثر من سنتين، كثف النائب العام عمله على ملفات الفساد داخل مؤسسات الدولة، ما أدى إلى صدور عشرات الأحكام بسجن مسؤولين متورطين بقضايا تجاوز واختلاسات وصولاً إلى فروع في مؤسسات الدولة بالخارج مثل السفارات".
وخلال النصف الأول من العام الحالي، أصدرت محاكم في غرب ليبيا وشرقها أحكاماً بسجن مسؤولين في مناصب حكومية وإدارات مصارف مختلفة بين 5خمس وعشر سنوات، بعد ثبوت تورطهم بهدر المال العام أو الاستيلاء عليه، وإساءة استخدام الوظائف العامة، وآخرها في حق أكثر من 15 موظفاً في دوائر حكومية ثبت تورطهم بقضايا فساد.
وشمل أشهر الأحكام القضائية التي لقيت متابعة واسعة إصدار محكمة جنايات طرابلس قرار إعدام عنصر في مليشيا "الكانيات" على خلفية تورطه بقتل مواطنين أثناء سيطرة المليشيا على مدينة ترهونة شرق طرابلس. ويعلّق الناجح بأن "هذا الحكم لقي ترحيباً واسعاً في أوساط أهالي ضحايا المقابر الجماعية في ترهونة، علماً أن المحكوم عليه بالإعدام معروف بارتكابه انتهاكات كبيرة في حق سكان ترهونة، وأنه أحد العناصر المسؤولين عن جرائم المقابر الجماعية التي ارتكبت في المدينة في عامي 2019 و2020".
وفي مؤشر إلى عزمه على استعادة قبضته على الوضع الجنائي في ليبيا، طالب القضاء، قبل نحو عامين، الأجهزة الأمنية بفتح ملفات جرائم ارتكبها مجهولون، وإطلاق حملات لملاحقة متهمين فارين. ثم أعلنت أجهزة الأمن اعتقال متورطين بجرائم سابقة، آخرهم سبعة اتهموا بعد توقيفهم في مايو/ أيار الماضي بقتل أشخاص في طرابلس بين عام 2013 والعام الحالي.
ومطلع مايو/ أيار أيضاً، أعلنت مديرية أمن النواحي الأربعة جنوب شرقي طرابلس اعتقال 21 متهماً بالتزامن مع توقيف مديرية الأمن في بنغازي متهماً بقضية قتل حصلت قبل أربع سنوات. ويتفق الناشط المدني جمال دعيب على التأثير المهم للأحكام التي أصدرها القضاء وخطوات ملاحقة المتورطين بجرائم سابقة، لكنه يرى في الوقت نفسه أن "الطريق أمام استعادة القضاء هيبته لا يزال طويلاً، فرغم أهمية معاقبة متورط بجرائم المقابر الجماعية ترهونة، لا يزال القضاء يواجه عقبة ارتباط ملف مقابر ترهونة وملفات جنائية أخرى بالوضع السياسي، الذي يتطلب إنهاء الانقسام كي تستطيع أجهزة الأمن جلب كل المتورطين الذي لا يزالون يحظون بحماية أطراف سياسية".
يضيف في حديثه لـ"العربي الجديد": "كي لا نرفع سقف الآمال أكبر من المتاح، يمكن الدفع بقضايا أقل تعقيداً جنائياً كي ينشط القضاء ويتحرك فيها، مثل تلك الخاصة بالخطف وأوضاع السجون التي لا يزال بعضها خارج سيطرة المؤسسة القضائية. وهذه القضايا مهمة لأن كثيرين حصلوا على أحكام براءة لم يطلق سراحهم لأسباب عدة، كما لا تملك مجموعات مسلحة تسيطر على سجون القدرة على إدارتها وتسيير العمل فيها بخلاف حالها لو خضعت لإدارة الشرطة".