تعود قضية فقدان أدوية الأمراض السرطانية والمستعصية في لبنان إلى الواجهة من جديد، ليرزح معها أكثر من 30 ألف مريض تحت رحمة مصرف لبنان والحكومة اللبنانية وضمائر المسؤولين.
وفي حين سُجّلت قبل أيام وفاة مريضة مصابة بالسرطان أعياها انتظار الحصول على دواء وعلاج مفقودَين، جاء، أمس الجمعة، قرار مجلس الوزراء اللبناني القاضي بتأمين استيراد الدواء للأشهر الأربعة المقبلة، بعد أن كانت شركات الأدوية تنتظر استلام مستحقّاتها المالية لاستيراد الأدوية الملحّة.
ويُحكى في هذا الإطار عن أزمة إنسانيّة ترتقي إلى حدّ المأساة وترافق المرضى في يوميّاتهم، وسط أيّ حلول جذرية ومستدامة. وبالتالي يقتصر الأمر على حلحلة جزئيّة لا تضاهي حجم معاناتهم وآلامهم، ولا تكترث لعلاج طارئ لا يحتمل المماطلة. ويجد المرضى أنفسهم مرغمين على احتساب الأيام والساعات في انتظار موت محتّم، في بلد يعاني واحدة من أسوأ الأزمات المعيشيّة.
وفي اتصال مع "العربي الجديد"، يطمئن وزير الصحة العامة فراس الأبيض مرضى السرطان بأنّ "مصرف لبنان بدأ بتحويل الأموال المطلوبة، وقد أكّدت لي شركات الأدوية هذا الأمر، وسوف تصل شحنات الأدوية تباعاً".
وعقب جلسة الحكومة أمس الجمعة، شكر الأبيض مجلس الوزراء على "إقراره عدداً من البنود الضرورية المتّصلة بالقطاع الصحي، وفي مقدّمتها البند المتعلق بالطلب من مصرف لبنان سداد خمسة وثلاثين مليون دولار أميركي شهرياً للأشهر الأربعة المقبلة، لزوم شراء أدوية الأمراض المستعصية والمزمنة والسرطانية ومستلزمات طبية وحليب ومواد أولية لصناعة الدواء"، مجدّداً التشديد على "عدم وجود نيّة، سواء حالياً أو في المستقبل، لرفع الدعم عن أدوية الأمراض السرطانية".
يضيف الأبيض لـ"العربي الجديد" أنّه "من المهمّ تأمين استمراريّة استيراد الأدوية المدعومة، لكنّ المشكلة تكمن بكيفيّة تأمين التمويل اللازم كلّ فترة، في ظلّ الوضع المالي الصعب، لا سيّما أنّنا لم نتوصّل بعد إلى اتفاقيات مع المؤسسات الدولية لتأمين تمويل طويل الأمد، يُعَدّ حلاً جذرياً".
ويكشف الأبيض أنّ "عدد المستفيدين من أدوية الأمراض السرطانية يفوق ثلاثين ألف مريض"، مشدّداً على أنّه "لن نقف مكتوفي الأيدي، إنّما سوف نعمل لتأمين حلول مستدامة، فيما يبقى الأساس تحقيق التعافي على مستوى لبنان ككلّ".
وكان وزير الصحة العامة قد اجتمع، أوّل من أمس الخميس، مع ممثّلي الجمعيات الداعمة لمرضى السرطان، وشرح الواقع الدوائي والعقبات المالية التي تتجدّد في كلّ فترة وتحول دون وصول الأدوية في الوقت المناسب.
وأسف الأبيض، خلال ذلك اللقاء، على "التأخير الذي حصل على خط وزارة المالية - مصرف لبنان في تنفيذ القرار السابق لمجلس الوزراء، القاضي بتحويل خمسة وثلاثين مليون دولار للدواء من حقوق السحب الخاصة"، مؤكّداً أنّ هذا المبلغ "ليس كافياً، لكنّه يحلّ ثمانين في المائة من الحاجات، إذ إنّ ما يُخصّص من هذا المبلغ لأدوية السرطان يبلغ عشرين مليون دولار، في حين أنّ الحاجة الكاملة لا تزيد عن نحو أربعة وعشرين مليوناً".
نشكر كلّ الذين شاركوا في الاعتصام حضوريّاً أو معنويّاً.
— Barbara Nassar Assoc (@IamBarbaraN) May 21, 2022
نشكر نقابة الصيادلة لدعمهم ومشاركتهم. كما سائر الجمعيات.
كافّة وسائل الإعلام التي نقلت وجعنا وصرختنا.
والشكر الأكبر، لوزير الصحّة @firassabiad الذي عمل جاهداً لنيل موافقة الحكومة على تأمين التمويل.#بدنا_دوا_السرطان pic.twitter.com/OFyqJWnveP
تجدر الإشارة إلى أنّ نقيب صيادلة لبنان جو سلوم كان قد دعا، إلى جانب الجمعيات الداعمة لمرضى السرطان، إلى اعتصام بالتزامن مع انعقاد الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، أمس الجمعة، للمطالبة بتأمين تمويلٍ لشراء أدوية الأمراض السرطانية والمستعصية. وجرى ذلك على طريق القصر الجمهوري في بعبدا إلى الشرق من بيروت، وقد رُفع شعار "بدنا دوا السرطان".
وفي هذا السياق، يناشد رئيس جمعية "بربارة نصّار لدعم مرضى السرطان" في لبنان، هاني نصّار، الحكومة اللبنانية "رصد المبلغ المطلوب لشراء الأدوية السرطانية والمستعصية قبل أن تصير حكومة تصريف أعمال"، محذّراً في تصريح لـ"العربي الجديد" من أنّ 80% من الأدوية السرطانية والمستعصية غير متوفّرة حالياً في لبنان، في حين تُسجّل نحو 12 ألف إصابة جديدة بالسرطان سنوياً".
ويدعو نصّار إلى "الرأفة بمرضى السرطان"، مشدّداً على أنّ ما يحدث "مجزرة تُرتكب في حقّ الشعب اللبناني، والأذى يلاحقنا جميعاً. بالتالي، على الدولة، بصفتها العين الساهرة، أن تؤمّن العلاجات اللازمة، وإلا فإنّها بذلك تُبيد شعبها... وهذا فعلاً ما يحدث".
وكان نصّار قد كشف، في حديث إلى إحدى القنوات التلفزيونية اللبنانية، أنّه "في خلال الأشهر الثلاثة الماضية، لم يُستورد أيّ دواء مخصّص لمرضى السرطان والأمراض المستعصية".