أربعون عاماً على مجزرة إل موزوت في السلفادور... العدالة للضحايا

12 ديسمبر 2021
صلوات على أرواح أعزاء قضوا في المجزرة (مارفين ريسينوس/فرانس برس)
+ الخط -

وسط الشموع والدموع والأسى، تجمّع مئات الأشخاص، في قرية إل موزوت الواقعة شمال شرقي السلفادور، مطالبين بالعدالة لضحاياهم. أتى ذلك بعد أربعين عاماً على مجزرة أودت بحياة نحو ألف شخص من سكان القرية، عدد كبير منهم من الأطفال، في عام 1981 خلال الحرب الأهلية في البلاد.

وسار أقارب الضحايا في موكب وهم يحملون أزهاراً وصور الضحايا وفوانيس وشموعاً مضاءة، حتى وصلوا إلى نصب تذكاري في الساحة الرئيسية للقرية التي تبعد 200 كيلومتر شمال شرقي العاصمة سان سلفادور. ووقف هؤلاء دقيقة صمت، قبل أن تدقّ أجراس الكنيسة تخليداً لذكرى الضحايا.

دوريلا ماركيز (65 عاماً) واحدة من هؤلاء المجتمعين، وكانت قد فقدت والدَيها وشقيقة لها حاملاً وستّة من أبناء إخوتها وخمسة من أزواج وزوجات إخوتها كذلك في المجزرة. تقول لوكالة "فرانس برس": "مرّ أربعون عاماً، لكنّ الوقائع تبدو أنّها حدثت أمس". أضافت: "جروحنا ما زالت حيّة وأملنا هو في العدالة".

من جهته، فقد ساتورنينو أرغيتا كلاروس (71 عاماً) والدته وجميع إخوته وأخواته وأبناء أخيه وصهره في ذلك النهار المشؤوم. يقول لـ"فرانس برس": "نحن لا نسعى إلى الحصول على المال، لكنّنا نريد عدالة أكبر".

وبين التاسع والثالث عشر من ديسمبر/كانون الأول من عام 1981، في خضمّ الحرب الأهلية، قام جنود من كتيبة "أتلاكاتل" التي درّبها الأميركيون، بإحراق المنازل وإعدام السكان في إل موزوت الواقعة في مقاطعة مورازان، للاشتباه في تعاونهم مع "المتمرّدين اليساريين". وتفيد شهادات بأنّ كلّ السكان قُتلوا، وبأنّ النساء تعرّضنَ إلى الاغتصاب أولا، فيما ألقى الجنود أطفالاً في الهواء قبل أن يبقروا بطونهم.

وبحسب بيانات للحكومة السلفادورية صادرة في عام 2017، فقد قُتل 988 شخصاً على أقلّ تقدير، من بينهم 558 طفلاً، في إل موزوت والقرى المجاورة. يُذكر أنّ الحرب الأهلية في السلفادور (1980-1992) أدّت إلى سقوط نحو 75 ألف قتيل وفقدان سبعة آلاف آخرين وتشريد آلاف الأشخاص.

بيانات حكومية

في عام 1993، أكّدت لجنة تابعة للأمم المتحدة مسؤولية مجموعة من العسكريين عن المجزرة. وفي عام 2012، أمرت محكمة الدول الأميركية لحقوق الإنسان الدولة السلفادورية بمنح تعويضات، لكنّ ذلك لم يتحقّق؛ إذ تمّت حماية المسؤولين بقانون عفو كان قد صدر في عام 1993. وعُدّ هذا القانون مخالفاً للدستور في عام 2016، لكنّ الإجراءات التي أُطلقت بقيت بلا نتيجة حتى الآن.

وأعلنت الولايات المتحدة الأميركية التي ساهمت مالياً في الحرب الأهلية، أمس السبت، أنّها سلّمت القضاء في السلفادور وثائقَ بشأن هذه المجزرة رفعت عنها السرية. وقال الدبلوماسي في السفارة الأميركية المكلف المفاوضات، بريندان أوبراين: "قدّمنا وثائق حكومية أميركية رُفعت عنها السرية طلبتها المحكمة المكلّفة التحقيق، وسوف نقدّم المزيد في المستقبل".

وكانت الحكومة العسكرية المدنية قد نفت حينذاك وقوع هذه المجزرة، علماً أنّ السياسي الديمقراطي المسيحي الراحل خوسيه نابليون دوارتي كان يرأس الحكومة، وإدارة الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغن كانت تقدّم إلى السلطات مساعدات بقيمة مليون دولار أميركي يومياً في خلال الحرب الأهلية.

أسنان وعظام

وفي خلال عمليات حفر في القرية، عثرت مريم نونيز على عظام أفراد من عائلة زوجها قُتلوا في المجزرة. كذلك عثرت على ملابس ملطّخة بالدماء تعود على الأرجح إلى شقيقة زوجها يسينا التي قُتلت وهي تبلغ من العمر عاماً ونصف عام. وفي المجموع، عُثر على رفات 15 شخصاً، من بينهم ثلاثة أطفال، في المنطقة التي كانت تعيش فيها عائلة زوجها. وتقول مريم، التي كانت تبلغ من العمر 23 عاماً عند وقوع المجزرة، لـ"فرانس برس": "جمعت كلّ أسنان الفتيات وعظامهنّ الصغيرة (...) ووضعت كلّ شيء في كيس".

حدث ذلك على الرغم من أنّ الحياة في قرية إل موزوت كانت هادئة، وكان السكان يزرعون الفاصولياء والذرة وقصب السكر أو يعملون في تربية الماشية. وقد جمعت منظمة "توتيلا ليغال" غير الحكومية شهادات عدّة، من بينها إفادة روفينا أمايا، المرأة الوحيدة التي نجحت في الهرب من المجزرة. وكانت شهادة هذه المرأة التي توفيت في عام 2007، حاسمة في التحقيق في ما يُعَدّ أخطر مجزرة في أميركا اللاتينية منذ نصف قرن.

من جهتها، لم تكن مريم تعيش في إل موزوت، فيما نجا زوجها أورلاندو ماركيز من القتل، لأنّه كان طالباً في العاصمة حينذاك. ومع نهاية الحرب الأهلية في عام 1992، عادت مريم وزوجها ليجدا قرية مهجورة تجول فيها الذئاب.

وكان جنود كتيبة "أتلاكاتل" قد ارتكبوا المجزرة على مدى خمسة أيام، علماً أنّ الحادي عشر من ديسمبر كان أكثرها دموية. وتمكّن 712 آخرون من سكان القرية من النجاة بعدما اختبأوا في محيطها أو لعدم وجودهم في القرية أساساً.

الصورة
ذكرى مجزرة إل موزوت في السلفادور (مارفين ريسينوس/ فرانس برس)
أزهار بيضاء في ذكرى من رحلوا (مارفين ريسينوس/ فرانس برس)

مماطلة رسمية

وتقول ماريا دي لا باز تشيكاس التي كانت تبلغ من العمر 11 عاماً حينذاك لـ"فرانس برس"، إنّها كانت تحاول مع والدها العودة إلى إل موزوت. تضيف أنّ الجنود "لم يسمحوا لنا بالمرور. هكذا نجونا". وتابعت ماريا: "قالوا لنا إنّه يمكننا أن نشكر الله".

في ذلك اليوم، قُتل ستة من إخوة ماريا وأخواتها و17 من أبنائهم. وتشير إلى أنّه "عندما عدنا (إلى القرية) بدأنا بجمع الجماجم والعظام التي احتفظنا بها"، قبل تسليمها إلى الأطباء الشرعيين.

يُذكر أنّه في محاولة لرتق الجرح الذي ما زال مفتوحاً، عمدت السلطات السلفادورية إلى تعبيد شوارع القرية، وشيّدت بيتاً للذاكرة، وأقامت نصباً تذكارياً دفنت حوله رفات الضحايا.

وفي سياق متصل، يقول رئيس جمعية ضحايا إل موزوت ليونيل توبار كلاروس لـ"فرانس برس" إنّه "بعد أربعين عاماً، نريد القول للدولة السلفادورية إنّ الوقت حان للتوقّف عن محاولة إخفاء هذه القضية". وكان كلاروس الذي يبلغ من العمر اليوم 43 عاماً، رضيعاً عند وقوع المجزرة، وفقد 25 من أفراد عائلته. أمّا محامي منظمة "توتيلا ليغال"، أوفيديو غونزاليس، فيؤكد أنّ الحكومة والجيش "يماطلان في الإجراءات".

(فرانس برس)