أسبوع التمنيع العالمي: "التدارك الكبير" بعد كورونا

24 ابريل 2023
ثمّة فرصة لإنقاذ ملايين الأطفال من خلال حملات تحصين تعويضية (رضوان تباسوم/ فرانس برس)
+ الخط -

في خلال أزمة كورونا الوبائية، علت أصوات كثيرة مطالبة بعدم إهمال تحصين أطفال العالم باللقاحات الروتينية الأساسية، وسط تراجع الحملات ذات الصلة، إذ إنّ الهيئات المعنية الأممية منها والدولية والمحلية كانت منشغلة بتفشّي كوفيد-19 وبكيفيّة تطويقه وبتطوير لقاحات مضادة له وتحديد العلاجات المحتملة للتخفيف من وطأته.

وبينما كانت عملية تطويق فيروس كورونا الجديد (سارس-كوف-2) تحقّق "نجاحات"، وإن أتت متفاوتة، كان أطفال كثيرون خصوصاً في البلدان والمجتمعات الأكثر عوزاً "يُحرَمون" بطريقة أو بأخرى من جرعات اللقاحات التي تُعَدّ إلزاميّة لسلامتهم في الوقت الراهن وكذلك في المستقبل.

واليوم، بعدما هدأت الجائحة بعض الشيء، صار لزاماً على المعنيين، من أفراد وجهات، التركيز من جديد على عمليات التحصين التي من شأنها الحؤول دون الإصابة بأمراض عديدة لا تقلّ خطورة عن كوفيد-19. ويعود بزخم أسبوع التمنيع (التحصين) العالمي المدرج على روزنامة الأمم المتحدة، والذي يُنظَّم في الأسبوع الأخير من شهر إبريل/ نيسان من كلّ عام.

ويأتي هذا الأسبوع الذي يمتدّ ما بين 24 و30 إبريل 2023 تحت عنوان "التدارك الكبير"، وذلك في محاولة لتعويض ما فات عن قصد أم عن غير قصد. وتتعهّد منظمة الصحة العالمية إلى جانب شركائها الدوليين ببذل كلّ الجهود من أجل تحقيق الغاية من هذه المناسبة، ألا وهي حماية الأفراد ومجتمعاتهم من الأمراض التي من الممكن الوقاية منها بواسطة اللقاحات. فهي تعمل مع البلدان في كلّ أنحاء العالم لزيادة الوعي بقيمة تلك اللقاحات وعمليات التحصين، ولضمان حصول الحكومات على التوجيه والدعم الفنّي اللازمَين من أجل تنفيذ برامج تحصين عالية الجودة.

في هذا الإطار، تسلّط منظمة الصحة العالمية وشركاؤها الضوء على العمل الجماعي اللازم، وتشجّع الناس على تلقّي اللقاحات التي تُعَدّ وسيلة حمايتهم من أمراض عديدة مهما اختلفت أعمارهم.

وتحت عنوان "التدارك الكبير" الذي مُنح للحملة الممتدة لعام واحد، تسعى الوكالة الصحية التابعة للأمم المتحدة مع شركائها إلى دعم البلدان للعودة إلى المسار الطبيعي لتلبية ثلاثة أهداف. الهدف الأوّل يقضي بتحقيق التدارك، من خلال العمل لتعويض ملايين الأطفال الذين لم يحصلوا على لقاحاتهم الروتينية في خلال الجائحة. والهدف الثاني فالعودة إلى مستويات التحصين الأساسي التي كانت مسجَّلة في عام 2019 (قبل ظهور الوباء) على أقلّ تقدير، من خلال تغطية المولودين في عام 2023. أمّا الهدف الثالث فتعزيز نظم التحصين في إطار الرعاية الصحية الأولية.

قضية صحة عامة

وفي بيان أصدرته منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط، في هذه المناسبة، أفادت بأنّ حملات التحصين ضدّ الحصبة ما بين عامَي 2000 و2021 جنّبت وقوع 10 ملايين وفاة بين الأطفال دون سنّ الخامسة، غير أنّ انقطاع تقديم التحصين الروتيني في أثناء جائحة كورونا أخَّر العالم 30 عاماً في ما يتعلّق بإحراز أيّ تقدّم في مجال تحصين الأطفال. وشرحت أنّه لم يتلقَّ أكثر من 6.5 ملايين طفل لقاحاتهم المضادة للحصبة بين عامَي 2020 و2021، كذلك لم يتلقَّ 4.5 ملايين طفل أيّ لقاحات روتينية.

وذكرت المنظمة أنّ الأطفال الذين لم يتلقّوا أيّ جرعات من اللقاحات الأساسية المطلوبة، تحديداً، يشكّلون مجموعة من الأطفال يُعَدّون شديدي التأثّر (معرّضون للخطر) بالتالي من الممكن أن تتفشّى بينهم بسهولة الحصبة وشلل الأطفال والدفتيريا (الخناق) وغيرها من الأمراض التي من الممكن الوقاية منها من خلال عمليات التحصين.

و‏شرح مدير منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط أحمد المنظري أنّ "التمنيع هو أحد الاستثمارات الأكثر نجاحاً وفعالية لجهة التكلفة في مجال الصحة العامة، لأنّه يقي من الأمراض ويساعد على مكافحة الفاشيات وينقذ الأرواح‎. ونحن نشهد الآن بالفعل الآثار المترتّبة على انقطاع التمنيع الروتيني في أثناء الجائحة وفاشيات الأمراض التي من الممكن الوقاية منها باللقاحات في عدد كبير من بلداننا".

وشدّد المنظري على أنّه "إذا لم نسدّ هذه الفجوة في التمنيع سريعاً، فسوف يموت أطفال كثيرون من جرّاء الإصابة بالحصبة والدفتيريا والتيتانوس والسعال الديكي، وقد يعاود شلل الأطفال الانتشار من جديد". وتأتي هذه الأمراض من ضمن قائمة طويلة من الأمراض التي من الممكن الوقاية منها باللقاحات، والتي من الممكن تجنّبها ومكافحتها بمساعدة اللقاحات.

"الصحة للجميع وبالجميع"

ونوّه المنظري بـ"الجهود الهائلة التي تبذلها الحكومات الوطنية (في إقليم شرق المتوسط) ومنظمات المجتمع المدني والعاملين الصحيين الذين أسهموا في تحقيق هدف الوصول إلى تغطية بجرعات الأساسية من اللقاحات المضادة لكوفيد-19، بنسبة 50 في المائة في إقليمنا". لكنّه أشار إلى أنّ ثمّة "حاجة إلى الاستفادة من هذا النجاح من أجل الانتقال إلى المستوى التالي، وتوفير مزيد من الحماية للأشخاص بجرعات تعزيزية".

أضاف مدير منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط أنّه "في خلال جائحة كورونا، توصّلنا جميعاً إلى فهم أكبر لأهمية توفير الرعاية لمن يقدّمون الرعاية، أي العاملين الصحيين في الخطوط الأمامية، ولذلك تحثّ منظمة الصحة العالمية كلّ الحكومات على اعتماد سياسات لحماية العاملين في مجال الرعاية الصحية وكلّ الفئات القابلة للتأثر، من خلال اللقاحات المضادة لكوفيد-19 وجرعاتها التعزيزية وكلّ اللقاحات الأخرى التي توصي بها".

وأكّد المنظري أنّ "التمنيع تدخّل وقائي مهمّ يجسّد رؤيتنا في ما يخصّ توفير الصحة للجميع وبالجميع، ومساعدة الناس من كلّ الأعمار في العيش حياة أطول وأوفر صحة".

وبمناسبة أسبوع التمنيع العالمي، جدّدت منظمة الصحة العالمية دعوتها الأفراد إلى تلقّي التحصين اللازم من خلال اللقاحات الأساسية والروتينية، والحكومات الوطنية إلى إعادة تأكيد التزامها بتحصين الأطفال الذين فاتتهم جرعات من لقاحاتهم، وذلك بطريقة مستدامة ومنهجية من خلال اعتماد السياسات الضرورية والاستفادة من الموارد.

"إعادة بناء المناعة"

في سياق متصل، بدأت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) حملة عالمية تهدف إلى الوصول إلى ملايين الأطفال الذين خسروا لقاحاتهم الروتينية في خلال جائحة كورونا. بالنسبة إلى المنظمة، فإنّ من تبعات ذلك عودة أمراض كانت تحت السيطرة سابقاً، من قبيل الحصبة وشلل الأطفال والدفتيريا. لذا شدّدت "يونيسف" على أنّ الأوان قد آن لاستدراك هؤلاء الأطفال وتزويدهم باللقاحات التي خسروها و"إعادة بناء المناعة" من أجل حمايتهم وحماية أسرهم ومجتمعاتهم المحلية.

وإذ لفتت منظمة يونيسف إلى أنّ "أكبر تراجع مستمرّ في معدّلات تغطية لقاحات الطفولة منذ جيل من الزمن" سُجّل في خلال الأزمة الوبائية العالمية الأخيرة، أعادت هذا التراجع إلى عدم قدرة برامج التحصين الروتيني على الوصول إلى أطفال كثيرين نتيجة تعطّل الخدمات الصحية وإغلاق عيادات كثيرة وتوقّف توريد وتصدير إمدادات طبية كثيرة، منها ما هو متعلّق باللقاحات. كذلك بيّنت أنّ عائلات كثيرة اضطرت في خلال الأزمة إلى ملازمة منازلها مع عدم قدرتها على التنقّل بسهولة، في حين أنّ الأولويات المتعلقة بالأموال المتوفرة والعاملين الصحيين وُجّهت نحو الاستجابة لجائحة كورونا.

وأوضحت الوكالة المعنية بشؤون الأطفال التابعة للأمم المتحدة أنّ "حملات التحصين الاستدراكي" على نطاق واسع تُعَدّ "حلاً مباشراً" لحماية الأطفال الذين حُرموا من جرعات من لقاحاتهم في خلال الأزمة الوبائية. أضافت أنّ هذه الحملات تمثّل "خطوة أولى مهمّة لمساعدة المجتمعات المحلية وأنظمتها الصحية على التعافي من صدمة الجائحة"، إذ من شأن اللقاحات أن تحمي الجميع من تفشّي أمراض قادرة على اختراق الحدود بين الدول وإثقال كاهل الأنظمة الصحية فيها وشلّ الاقتصادات والمجتمعات، مثلما جرى في خلال الأزمة الأخيرة.


 

وقد أطلقت منظمة يونيسف، بالتزامن مع اليوم الأوّل من أسبوع التمنيع العالمي، تقريرها "حالة أطفال العالم لعام 2023 - لكلّ طفل لقاحات"، مؤكدة فيه "نحن نمرّ في لحظة حاسمة". وشرحت أنّ المعنيين بدأوا يدركون أنّ الأمراض التي يمكن منعها باللقاحات تظهر من جديد في أنحاء عدّة من العالم، بعدما كافحت "بلا كلل" للسيطرة عليها على مدى عقود من الزمن.

بالنسبة إلى "يونيسف"، إذا لم نتصرّف الآن، فقد لا يتمكّن ملايين الأطفال الأشدّ ضعفاً من الوصول إلى مركز صحي لتلقّي لقاحاتهم، أو قد لا تتمكّن حملات التحصين من الوصول إليهم. وتابعت: "للأسف، من الممكن أن يتخلّفوا (الأطفال) عن الركب وأن يواجهوا خطراً أكبر من تلك الأمراض". لكنّها في الوقت نفسه شدّدت على أنّ "الأوان لم يفت بعد"، مشيرة إلى أنّ ثمّة "فرصة للاستجابة وإنقاذ أرواح الملايين".