"يهددونني بإدخال ابنتي إلى دار الأيتام إذا لم يطالب أحد بعودتها إلى المغرب". بهذه الكلمات تكشف ابتسام الحوزي البالغة من العمر 25 عاماً المعتقلة في سجن الرصافة ببغداد، في رسالة استعطاف بعثتها إلى "التنسيقية الوطنية لعائلات العالقين والمعتقلين في العراق وسورية"، عن جزء من معاناة مئات من أبناء المقاتلين المغاربة في بؤر التوتر. تضيف الحوزي، التي كانت قد وقعت في قبضة القوات الكردية بسورية في عام 2017، حينما كانت تحاول الفرار إثر مقتل زوجها في إحدى المعارك، علماً أنّه تركها حاملاً في أشهرها الأولى: "لا أقدر على فراق ابنتي، ارحموني وأعيدوني معها إلى بلادي... كنا ضحايا أزواجنا المغرّر بهم. نحن ضدّ الفكر المتطرّف وهذا الذي دفعنا إلى الهرب من نظام الويلات والعذاب".
يقول منسق "التنسيقية الوطنية لعائلات العالقين والمعتقلين في العراق وسورية" عبد العزيز البقالي لـ"العربي الجديد" إنّ "حالة الطفلة ريحانة (ابنة ابتسام الحوزي) التي تبلغ من العمر ثلاثة أعوام، مثال صارخ لما يقاسيه أطفال أبرياء من أهوال الاعتقال في سجون العراق ومخيمات سورية، جراء الأسر والإهمال الصحي ونقص التغذية وتراجع كبير في المناعة، مضيفا: "في بيئة غير آمنة ومكان غير مناسب ليكبر فيه الصغار، وفي ظل تهديد السلطات العراقية بإيداعها في دار الأيتام، تواجه الطفلة ريحانة مصيرا مجهولا ما لم تتحرك السلطات المغربية لإعادتها إلى البلاد".
ويلفت البقالي إلى أنّ "الأطفال المغاربة يعيشون في ظروف مأساوية في معتقلات العراق وسورية، ويعانون من جرّاء سوء التغذية ومن شبه انعدام الخدمات الطبية، ومن البرد في فصل الشتاء والحرّ في فصل الصيف، بسبب عيشهم في خيام، بالإضافة إلى عدم توفّر مدارس لتعليمهم". ويؤكد أنّ "الأوضاع في مخيّمَي الهول وروج في سورية كارثية، خصوصاً أوضاع الأطفال والنساء. وثمّة ملفات تدمي القلب تصل إلينا من هناك تتناول حالات إنسانية فريدة. إحدى تلك الحالات تتعلق بطفلَين فقدا والدَيهما ويعيشان في مستشفى تابع للجنة الدولية للصليب الأحمر".
من جهته، يبدي رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان (غير حكومي) محمد بنعيسى أسفه "لاستمرار معاناة الأطفال المغاربة في العراق وسورية، بعد أكثر من أربعة أعوام على اندحار تنظيم داعش الإرهابي"، لافتاً لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "أوضاع هؤلاء تزداد سوءاً عاماً بعد آخر، لا سيّما مع تقدّمهم في العمر. هم يُفصلون عن أمّهاتهم في الرابعة عشرة من عمرهم، ويوضَعون في مراكز اعتقال".
ويبلغ عدد الأطفال المغاربة في مخيّمات سورية نحو 260 طفلاً من بينهم 20 طفلاً يتيماً، وفق "التنسيقية الوطنية لعائلات العالقين والمعتقلين في العراق وسورية"، في حين يكشف تقرير صادر عن مهمّة استطلاعية شكّلها مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي) في 13 يوليو/ تموز 2021، عن وجود 400 قاصر مغربي في مخيّمات سورية، من بينهم 153 فقط تأكد أنّهم مولودون في المغرب، فيما أبصر الباقون النور في مناطق التوتّر.
ويوضح التقرير البرلماني، فإنّ الأطفال المغاربة العالقين في مناطق التوتّر كسورية والعراق مقسّمون بحسب أربع حالات. تتعلق الحالة الأولى بالأطفال الذين سافروا مع آبائهم وتوفّوا معاً أو توفي أحد الطرفَين، ليجدوا أنفسهم عالقين في بؤر التوتّر، فيما تتعلق الحالة الثانية بالأطفال الذين سافر بهم آباؤهم المغاربة أو مزدوجو الجنسية وظلت الأمّ المغربية حيث تقطن إمّا في المغرب أو في البلد الأجنبي. والحالة الثالثة تتعلق بالأطفال الذين سافرت بهم أمّهاتهم إلى بؤر التوتّر تاركات الآباء وحدهم مطالبين باسترجاعهم، أمّا الحالة الرابعة فهي تتعلق بالأطفال الذين وُلدوا في سورية من أب مغربي أو أمّ مغربية فيما ثاني الوالدَين من جنسية أجنبية.
وفي الوقت الذي تُعَدّ فيه عودة المقاتلين المغاربة وأسرهم متعثّرة بسبب قلق عبّر عنه المغرب في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 إزاء "عودة المقاتلين ضمن التنظيمات الإرهابية في بؤر التوتّر (سورية والعراق وليبيا)"، يشير البقالي إلى أنّ "عودة الشقيقَين عثمان وفاطمة بشكل قانوني إلى أرض الوطن في 22 يوليو/ تموز الماضي برفقة جدّهما من تركيا، شكّلت بارقة أمل بالنسبة إلى مئات الأطفال المغاربة العالقين في سورية والعراق". ويشرح البقالي أنّ "تلك العودة جاءت بعد معاناة استمرّت عامَين بذل في خلالهما الجدّ الغالي والنفيس، وواجه عراقيل كثيرة حتى يُسمَح له بالمغادرة على الرغم من امتلاكه كلّ الوثائق والضمانات. كذلك هو توجّه باستعطاف إلى الملك محمد السادس، لتثمر جهوده في الأخير عودة علّقت عليها عشرات من الأسر آمالاً عريضة بإنهاء المعاناة المستمرة. لكنّه بعد أكثر من ثلاثة أشهر على تلك العودة، يمكن القول إنّ تحقيق تلك الآمال ما زال بعيد المنال".
وبحسب ما أدلى به وزير الدولة السابق المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان مصطفى الرميد، أمام أعضاء المهمة الاستطلاعية البرلمانية، فإنّ السلطات المغربية واجهت صعوبات جمّة لضبط لائحة المغاربة المحتجزين في شمالي سورية، أوّلاً بسبب خضوع مخيمات الاحتجاز إلى سلطة جماعات مسلحة غير دولية، وثانياً "لغياب الوثائق المثبتة قانونياً"، خصوصاً أنّ "زيجات غير موثّقة أُنجزت بين أشخاص ينتمون إلى دول مختلفة، وقد نتج عنها أطفال وُلدوا في مناطق النزاع، وأحياناً من زواج مختلط".
وفي ظلّ وضع معقّد لأطفال ذنبهم الوحيد أنّهم وُلدوا في فوضى "داعش"، يدعو البقالي إلى "تضافر جهود جميع المتدخّلين، خصوصاً الأطراف السياسية والمدنية، من أجل حلّ ملف المغاربة العالقين في مناطق النزاعات منذ سنوات، ودمج الأطفال العائدين في المنظومة التربوية والتعليمية، وتسهيل الحصول على الوثائق الرسمية اللازمة"، مشيراً إلى أنّ "المغرب يتوفّر على كلّ الإمكانات والخبرة الكافية والكفيلة بإعادة تأهيل ودمج العائدين في المجتمع". من جهته، يرى بنعيسى أنّ "من شأن إهمال معاناة مئات من الأطفال وتركهم لمصيرهم عرضة إلى ظروف صعبة، أن يؤدّي إلى نتائج وخيمة قد يدفع العالم ثمنها غالياً"، مؤكداً "ضرورة تحرّك مكوّنات المجتمع الدولي ومن بينها المغرب من أجل إنهاء المأساة المستمرّة منذ سنوات".