"أنقذوا الأطفال": أطفال فلسطين يتعرضون لانتهاكات مروعة خلال الاعتقال والاحتجاز
وثقت منظمة "أنقذوا الأطفال" غير الحكومية البريطانية، في تقرير مطول، لعديد من الشهادات المروعة التي أدلى بها أطفال فلسطينيون حول اعتقالهم أو احتجازهم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، التي تكرر جرائم اعتقال واحتجاز الأطفال بشكل موسع منذ سنوات.
يقول الطفل خالد (13 سنة، اسم مستعار) عن عملية اعتقاله: "هددني الجندي بقتلي عندما اعتقلني للمرة الثانية. وسألني: "هل تريد أن يكون مصيرك مثل ابن عمك؟ ابن عمي قتل في وقت سابق. ثم توعدني بأن يكون مصيري هو نفس مصير ابن عمي الشهيد، وأنني سأموت قطعاً، لكنه سيرسلني إلى السجن أولاً. أخبرني أنه سيعود ثانية، وأنا أنتظر كل يوم أن يأتي ذلك اليوم".
ويؤكد الطفل الفلسطيني عدم تلقيه أي علاج أساسي على الرغم من إصابته، ويقول: "تعرضت لإصابة في ساقي، وتم وضع جبيرة، وكنت مضطراً إلى الزحف لأتمكن من الحركة، فلم يكن لدي عكاز لمساعدتي على المشي، وظللت أطلب المساعدة من الجنود أثناء النقل، لكن لم يساعدني أحد".
وغالباً ما تعتقل قوات الاحتلال الإسرائيلي الأطفال والمراهقين الفلسطينيين لأشهر أو أكثر وفق ادعاءات مختلفة، وفي كثير من الأحيان، من دون محاكمات، وعندما تجرى محاكمتهم، يكون ذلك أمام محاكم عسكرية، ويواجه بعض هؤلاء الأطفال عقوبات بالسجن المطول.
وتتنافى تلك المحاكمات، إن حدثت، مع كل المعايير الدولية، إذ تحرم الأطفال من أبسط حقوقهم، كما يحصل خلالها كثير من الانتهاكات الجسدية والنفسية والقانونية، بما في ذلك تعريتهم من ملابسهم، وضربهم، وتعصيب أعينهم، وتكبيل أيديهم، والاعتداء الممنهج عليهم أثناء اعتقالهم، وأثناء التحقيق معهم.
أجرت منظمة "أنقذوا الأطفال"، بالتعاون مع مؤسسات شريكة لها، مقابلات مع 228 طفلا وطفلة، كانوا محتجزين خلال السنوات الثلاث الماضية لمدد تراوحت بين شهر و18 شهراً، وكانت أعمارهم أثناء الاعتقال ما بين 12 إلى 17 سنة، وأكدت الشهادات أن معظم الأطفال يتعرضون للاستجواب في أماكن مجهولة من دون مرافق أو مقدم رعاية، وغالباً ما يحرمون من الطعام والماء والنوم، ومن الوصول إلى مستشار قانوني. أما التهم المزعومة فغالباً ما تكون إلقاء الحجارة على جنود الاحتلال، وقد تصل العقوبة إلى عشرين عاماً.
ويشير التقرير إلى أن "ما يقارب نصفهم (42 في المائة) أصيبوا في وقت الاعتقال، بما في ذلك إصابات بطلقات نارية وكسور، كما أبلغ البعض عن عنف له طبيعة جنسية، وبعض الأطفال المحتجزين يُنقلون إلى المحكمة، أو بين مراكز الاحتجاز، في أقفاص صغيرة".
في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد" عبر الهاتف، قال مدير مكتب منظمة "أنقذوا الأطفال" في الأراضي الفلسطينية المحتلة جيسون لي إن "أحد الأمور اللافتة في التقرير المنشور هو أننا نحصل على نفس الشهادات حول التعامل مع الأطفال الفلسطينيين داخل نظام الاعتقال العسكري الإسرائيلي، ويشمل هذا نقص أي نظم حماية من المفترض أن تكون قائمة عند اعتقال الأطفال. يتعرض الأطفال الفلسطينيون لمعاملة غير مقبولة في أي مكان آخر، بما فيه الإساءة الجسدية والنفسية والتنكيل، بالإضافة إلى عدم حصول أغلبيتهم على استشارة قانونية، وهو ما يعد خرقاً لأسس نظام العدالة. للأسف، لا يأتي هذا التقرير بأي جديد، بل يؤكد استمرار ما توصلنا إليه في تقرير سابق عام 2020".
ويلفت جيسون لي إلى أن "منظمة (يونيسف) أصدرت تقريراً في عام 2013 حول نفس الموضوع، وقدمت فيه 38 توصية إلى السلطات الإسرائيلية، لكن لم يجرَ تطبيق أي منها، أو تحقيق أي تقدم في الاستجابة لها. تقريرنا الجديد، والتقارير السابقة التي توثق استمرار نفس النهج، تؤكد مجدداً عدم وجود حماية كافية للأطفال الفلسطينيين، وينبغي العمل من أجل توفير هذه الحماية".
ويتزامن صدور التقرير، اليوم الاثنين، مع تقديم المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، فرانشيسكا ألبانيز، أدلة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، بشأن الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأطفال الفلسطينيين المحتجزين.
وتشير التقديرات إلى أن الأعداد تتراوح سنوياً بين 500 و1000 طفل رهن الاعتقال العسكري، وتطالب منظمة "أنقذوا الأطفال" في تقريرها الحكومة الإسرائيلية بـ"إنهاء احتجاز الأطفال الفلسطينيين بموجب القانون العسكري، وإنهاء محاكمتهم في محاكم عسكرية".
ويكشف التقرير الجديد أن "تأثير الإساءة الجسدية والعاطفية أثناء الاحتجاز تزايد بشكل كبير، مع عواقب وخيمة تشمل عدم قدرة الأطفال على التعافي"، كما أشار بعض الأطفال إلى أن الإساءة كانت تهدف إلى دفعهم للاعتراف بأمور كاذبة من أجل تجريم آخرين، بمن فيهم أفراد من أسرهم".
ويؤكد التقرير أن أغلب عمليات الاعتقال (65 في المائة) تجرى في ساعات الليل أو ساعات الفجر الأولى، ونصفها تقريباً يكون من منازل الأطفال، كما عانى معظم الأطفال خلال اعتقالهم من مستويات مروعة من الإساءة الجسدية، بما في ذلك الضرب بالأيدي (86 في المائة) والتهديد بالأذى (70 في المائة)، والضرب بالعصي أو السلاح (60 في المائة)، وأخبر بعض الأطفال بتعرضهم للإساءة الجنسية، بما في ذلك لمس أعضائهم التناسلية، في حين أفاد 69 في المائة منهم بتعرضهم للتفتيش وهم عراة، كما أن 60 في المائة من الأطفال تعرضوا للحبس الانفرادي مدداً تتراوح بين يوم واحد و48 يوماً، كما منع قرابة 60 في المائة منهم من التواصل مع أسرهم أثناء احتجازهم.
وتحذر المنظمة من زيادة ملحوظة في نسب المعاناة النفسية بين الأطفال الفلسطينيين الذين يتعرضون للاحتجاز، وأن كثيرين منهم "غير قادرين على العودة إلى حياتهم الطبيعية بشكل كامل بعد إطلاق سراحهم، وارتفع عدد الأطفال الذين يعانون من كوابيس متكررة من 39 في المائة إلى 53 في المائة، كما ارتفعت نسبة الذين يعانون من الأرق أو من صعوبات في النوم من 47 في المائة إلى 73 في المائة، مقارنة مع الأطفال الذين شملهم استطلاع عام 2020.
وفي سياق الخدمات والدعم النفسي، يقول جيسون لي: "الكثير من تقاريرنا تشدد على مخاطر التأثير النفسي للاعتقالات على الأطفال، والتي كثيراً ما تكون عميقة، ويصعب في كثير من الأحيان تشخصيها. نقوم بتقديم خدمات لدعمهم، لكن الاحتياجات أضخم من أن نتمكن وحدنا من تلبيتها. على سبيل المثال، في قطاع غزة، هناك عدد محدود من الطواقم الطبية المختصة والمدربة التي يمكنها تقديم العناية النفسية المناسبة للحالات المتدهورة، وهناك نقص في كثير من الأحيان في المستلزمات الطبية المطلوبة، وليس الأمر مقصوراً على غزة، بل إن الوضع نفسه قائم في الضفة الغربية. حتى لو تخطينا التابوهات الاجتماعية بالحديث عن التأثير النفسي لهذه الأمور على الأطفال، فإن هذه الخدمات غائبة والمختصين غير متوفرين بالدرجة اللازمة، وبما يتماشى مع الحاجة".
وأكد أنه "يمكن للأطفال التعافي، كما أنهم يتحلون في الكثير من الأحيان بالمرونة، لكن من أجل التعافي تنبغي إزالة سبب المعاناة. هناك ضرورة في أن يشعر الأطفال بالأمان، ومن الصعب لأي طفل أن يشعر بأمان عندما يكون محاطاً بالعنف، وفي تقرير سابق، أشرنا إلى أن الأطفال الفلسطينيين يمكن أن يتعرضوا لأنواع عنف مختلفة بمجرد الذهاب إلى المدرسة كمثال. من الصعب أن يشعر أي طفل بالأمان عندما يكون معرضاً للاعتقال في أي وقت، فضلاً عن تعرضهم لعنف المستوطنين وقوات الأمن، والتبعات النفسية والاجتماعية لكل ذلك طويلة الأمد".
وترى "أنقذوا الأطفال" أنه "لا مبرر لضرب وتعرية الأطفال، أو معاملتهم مثل الحيوانات، أو سلبهم مستقبلهم. هذه أزمة حماية طفل لم يعد من الممكن تجاهلها، ويجب أن تكون هناك نهاية لنظام الاعتقال العسكري التعسفي"، ودعت المنظمة الحكومة الإسرائيلية إلى "احترام جميع حقوق الأطفال، واحترام القانون الدولي. لا تنبغي محاكمة الأطفال في محاكم عسكرية، أو أي محكمة تفتقر إلى حقوق المحاكمة العادلة الشاملة، ومعايير القضاء المخصصة للأحداث. ندعو إلى وقف فوري لاعتقال الأطفال أو احتجازهم أو محاكمتهم عسكرياً".