احتاجت فداء الأطبش (35 سنة)، أكثر من شهر للوصول إلى اختصاصية للعلاج النفسي للأطفال في مدينة الناصرة بالداخل الفلسطيني، بعدما عالج أطباء نفسيون ابنتها بلا جدوى بسبب عدم وجود اختصاصيين في العلاج النفسي للأطفال في قطاع غزة.
في مرحلة أولى، وجدت فداء نفسها، حين أرادت معالجة طفلتها "نادين" من تأثير صدمة نفسية، داخل مستشفى حكومي غير ملائم لمعالجة الحالات النفسية والعصبية. وزادت شعورها بالقلق ملاحظتها عدم تخصص أي طبيب نفسي بعلاج الأطفال، واقتصار أسلوب عمل الأطباء على مراقبة ردود فعل الأطفال خلال عملية التعبير النفسي عبر اللعب والتسلية في المتنزهات.
بحثت فداء، التي تعمل مترجمة للغة الإنكليزية في مؤسسة حقوقية بقطاع غزة، كثيراً عن وسائل لتحسين الحالة النفسية لطفلتها، ثم وجدت أنها تحتاج إلى طبيب نفسي. وتشرح لـ"العربي الجديد" قائلة: "سيطرت الصدمات النفسية والقلق الحاد والتبول اللاإرادي وحركات خلال النوم على طفلتي آية التي تبلغ التاسعة من العمر، لأنها كانت ضحية صدمات نفسية نتيجة العدوان الإسرائيلي هذا العام. واحتاجت بالتالي إلى اختصاصيين في تفسير ردود فعلها على صعيد السلوك من أجل تحديد وضعها النفسي وتأثير ما يحصل على نموها".
آلاء عبد الله، والدة الطفل سامي، البالغ من العمر سبعة أعوام، تواجه الوضع ذاته على صعيد مشاكل السلوك، كون ابنها يميل كثيراً إلى الصراخ حين يشعر بالضيق. وتخبر "العربي الجديد" بأن طبيباً في مدينة خان يونس أبلغها بأن ابنها يطبق أسلوباً مختلفاً لمواجهة الخوف الذي نتج عن العدوان الإسرائيلي، إذ يجد أن صوت القصف والطائرات يسبب الخوف في المحيط، ما يجعله يصرخ لإخافة من حوله.
تعتبر آلاء أن الطبيب استطاع تشخيص حالة ابنها، لكنه لم يقدم له أي علاج باستثناء إعطائه شراباً مهدئاً لمساعدته على الاسترخاء والنوم فترة محددة، والذي لم يجلب أي نتيجة. من هنا بدأت في التواصل عبر موقع "فيسبوك" مع اختصاصيين في دول عربية قدموا لها نصائح في شأن السلوك وسط البيئة التي تعيش فيها، فتحسن وضع ابنها جزئياً لكن بطريقة بطيئة، ما جعلها تبحث عن طبيب في مصر بسبب عدم وجود اختصاصيين في غزة.
ومعلوم أن غزة تضم مستشفى واحداً للصحة النفسية، لكنه قديم وغير مجهزة لاستيعاب كل حالات الأمراض النفسية، علماً أن غزة تعتبر، رغم تدخلات مؤسسات المجتمع المدني وبرنامج غزة للصحة النفسية، من المناطق الأكثر حاجة للتدخل النفسي في ظل الحروب التي تتسبب بالأزمات النفسية بنسبة هي الأعلى في العالم، كما يرى الاختصاصي في علم النفس إيهاب فتح الله.
ويوضح فتح الله، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه يرفض معالجة الأطفال بخلاف أطباء واختصاصيين نفسيين يقبلون الإشراف على بعض الحالات من دون أن يستطيعوا تغيير حالات الأطفال بسبب تشخيصهم الخاطئ لها وعدم تحسن الظروف في غزة، ما يجعل الأعراض النفسية تنعكس على سلوكهم ونُموهم في مراحل المراهقة.
ويتابع أنه "في غزة، يرتكز العلاج النفسي للأطفال فقط على السلوك المستند إلى التفريغ النفسي. وينجح ذلك نسبياً مع بعض الأطفال، لكن ذلك لا يضمن عدم استمرار الأعراض، علماً أنه لا يوجد اختصاصي واحد بالطب النفسي والعصبي للأطفال في غزة، رغم أن تقارير وبيانات وزارة الصحة ومؤسسات حقوق الأطفال تؤكد أنهم أكثر عرضةً للصدمات والأزمات النفسية والتوحد أيضاً".
ويوضح أيضاً أن قطاع غزة "يواجه نقصاً في عدد من الاختصاصات الطبية نتيجة غياب الأمان الوظيفي، في حين أن من الضروري وجود أطباء لتوفير العلاج النفسي للأطفال، لأن بيئة قطاع غزة غير سليمة لنموهم وسط الاكتظاظ السكاني والظروف الأمنية والاقتصادية المتدهورة".
من جهتها، تؤكد المرشدة النفسية نعمة أبو نزال أهمية تحسين الحالات النفسية للأطفال من خلال ملاحظة السلوك. وتشير إلى أنها استطاعت ضمن فريق تعمل معه تنفيذ مهمات ناجحة للتدخل النفسي، شملت تلاميذ في مدارس حكومية، وأخرى تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ما ساهم بمعالجة عشرات من الأطفال في الأشهر الثلاثة التي تلت العدوان الإسرائيلي الأخير. لكنها تعترف بأهمية وجود اختصاصيين نفسيين للأطفال، "لأننا لاحظنا أن بعض الحالات تميل إلى العنف باعتباره وسيلتها الوحيدة في التعبير عمّا يدور في ذهنها". وتكشف أنها تطمح إلى تنفيذ دراسة ماجستير تتناول فيها العلاج السلوكي الأطفال عبر تطوير المهارات والمواهب، والتأقلم داخل بيئة تشهد نزاعات مسلحة وحروباً.