من البديهي أن يحتاج كبار السن في أي بلد إلى عناية فائقة يزداد حجمها خلال الأزمات حين تكون معاناتهم أكبر، وهذا ما يحصل في أفغانستان بسبب الضائقة المعيشية الصعبة التي تجعلهم يواجهون مشاكل مدوية، علماً أنّ قسماً كبيراً منهم كان يحصل على راتب تقاعد من الحكومة، وهو ما جمّدته حركة طالبان لدى سيطرتها على السلطة في أغسطس/ آب الماضي.
عاش محمد أسلم جوادي البالغ 86 من العمر بحالة جيدة مع أفراد أسرته العشرة في منزل من طين بمنطقة كوتي سنكي، قبل أن تستعيد "طالبان" الحكم في كابول، إذ كان يحصل على راتب تقاعد، وكان ابناه ذبيح الله ومحمد أسلم يعملان ويكسبان المال لجلب ما تحتاج إليه الأسرة. ومع تغيّر الأوضاع، توقف عمل محمد أسلم في تدريس اللغة الإنكليزية التي يحمل إجازتها منذ تخرج من كلية الآداب في جامعة كابول، وبات يلازم المنزل لأنّ عدد طلاب الدورات تضاءل، ولم يعد الموجودون يدفعون الرسوم.
يقول الوالد لـ"العربي الجديد": "كانت الحياة جيدة في كابول. لم يواجه أبنائي أي مشكلة في توفير احتياجات الأسرة، وعشنا في منزل متواضع من دون أن ندفع إيجاراً. وكنت أنفق راتب التقاعد الذي أحصل عليه لجلب أدوية لي ولزوجتي، ومستلزمات حياتنا اليومية. لكنّ الأحوال تغيّرت وتوقف ابني محمد أسلم عن العمل، في حين حصل ابني الثاني ذبيح الله على وظيفة سائق في شركة خاصة براتب 10 آلاف أفغانية (نحو 100 دولار). وأنا اليوم أنتظر قرارات طالبان في شأن راتب التقاعد المخصص لي".
ولا يبدي ذبيح الله قلقه من الوضع المعيشي لأسرته فقط، بل أيضاً من حال والديه الكبيرين في السن، واللذان يحتاجان إلى عناية كبيرة لا يستطيع أن يؤمنها لهما. ويقول لـ"العربي الجديد": "تتمثل المشكلة الأساسية في أن تغيّر الوضع حصل فجأة من دون أن يتوقع أحد أن يؤثر سلباً في شكل كبير على الجميع. وكنت قد اشتريت كميات من الحطب لأسرتي من أجل استخدامها في التدفئة خلال الشتاء الحالي قبل أن تنتزع طالبان الحكم، والآن بات همّي الأول إيجاد وسائل مثالية لتدفئة غرفة والدي اللذين يحتاجان إلى عناية أكبر".
أيضاً، واجهت راضية محمد التي عملت في مستشفى كاكر بمنطقة تشهاراهي سرسبزي، مقابل راتب شهري مقداره 15 ألف أفغانية (نحو 150 دولاراً)، مشكلة طرد المستشفى لها مع عدد من الموظفين بسبب الوضع الاقتصادي، كما أوقف صاحب منزل عملت فيه في الفترة نفسها تشغيلها.
تقول راضية لـ"العربي الجديد" لدى جلوسها مع ابنتها مروة في جوار مسجد حجي يعقوب في منطقة شهر نو، حيث تضعان أمامهما لوحة ورقية مكتوب عليها: "أيها السادة تعاطفوا مع هذه الأرملة": "قتل زوجي الشرطي على يد مقاتلي طالبان خلال مشاركته في مهمة أمنية بولاية بغلان (شمال) قبل 5 أعوام. حينها لم أكن أعمل إذ كان زوجي يرفض ذلك بشدة، ثم اضطررت للعمل في مستشفى ومنزل عائلة في الوقت نفسه. وهكذا كنت أحصل على راتبين وطعام وأثاث من أسرة المواطن الذي عملت في منزله. والآن أنا بلا عمل، وأولادي صغار، وابني الأكبر سناً يبيع أكياساً بلاستيكية في السوق حيث يكسب 50 أفغانية (نحو نصف دولار) يومياً. أما أنا فاكتفي بالجلوس في المكان ذاته من الصباح حتى وقت العصر كي يعطيني الناس بعض الأموال لجلب طعام لأسرتي".
في المقابل، يعتبر وضع قاسم خان واحدي، الذي يعمل مقاولاً، جيداً بعدما استخدم أموالاً جمعها لإرسال أولاده إلى الخارج الذين يعطونه اليوم كلّ ما يحتاجه. لكنّه قلق على الحال السيئ لأقاربه وأقرانه. ويقول لـ"العربي الجديد": "رغم أنّ الأوضاع المعيشية تدهورت، لم تتغير حياتي كثيراً. أعيش في منزل أملكه، وأودعت بعض المال في المصرف، ويرسل لي أبنائي ما أحتاجه، لكنّ جميع أقاربي الشباب باتوا بلا عمل، ووضعهم المعيشي مزرٍ جداً، وأنا لا أستطيع أن أساعدهم جميعاً، لذا يساورني قلق كبير عليهم".
ويعلّق الناشط بلال أحمد أحدي، في حديثه لـ"العربي الجديد" بالقول: "أوضاع جميع الأفغان سيئة جداً، وكبار السن خصوصاً يحتاجون إلى عناية فائقة يوفرها عادة أفراد من أسرهم، لكنهم هذه المرة محرومون بدورهم من كلّ شيء، حتى أنّ كثراً منهم يفتقرون إلى وسائل الدفء وسط البرد القارس في بعض المناطق".
وكان رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة مارتن غريفيث قال، في تصريح أدلى به مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إنّ "أكثر من 24 مليون أفغاني يحتاجون إلى مساعدة منقذة للحياة، بسبب الصراعات والاضطرابات السياسية وفيروس كورونا والصدمات الاقتصادية، وأسوأ موجة جفاف عرفتها البلاد منذ أكثر من جيل". وتابع: "يبلغ البرنامج المستهدف لأفغانستان عام 2022 ثلاثة أضعاف حجمه عام 2021 بسبب الاحتياجات والظروف المختلفة التي يعرفها الجميع جيداً".