أمير الفهري.. نابغة تونسي بلغ العالمية سفيراً للفرنكوفونية وللشباب المبدع

24 اغسطس 2022
أمير الفهري يقرأ مقتطفات من "حكايات مير" (فيسبوك)
+ الخط -

 

قبل تسعة عشر عاماً، تحديداً في الثامن والعشرين من أغسطس/ آب 2003، وُلد "النابغة التونسي" أمير الفهري من أب تونسي وأمّ عراقية من إقليم كردستان. والشاب الذي ألّف أربعة كتب قبل بلوغه الرابعة عشرة من عمره، عيّنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سفيراً للفرنكوفونية وهو في الخامسة عشرة ليكون أصغر السفراء، قبل أنّ يحمل كذلك لقب سفير المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألسكو) للشباب المبدع وهو في السابعة عشرة.

والفهري الذي يجيد سبع لغات هي العربية والإنكليزية والصينية والألمانية والكردية والفرنسية واللاتينية، كان قد بدأ دراسته الجامعية في الطبّ بفرنسا وهو في السادسة عشرة من عمره. فهو حاز شهادة البكالوريا قبل أقرانه بنحو عامَين، ويشرح الأمر لـ"العربي الجديد" قائلاً إنّه بحكم تميّزه وتفوّقه في الدراسة، سمحت وزارة التربية بترفيعه من الصف الثالث إلى الخامس ثمّ من السابع إلى التاسع بقرارَين استثنائيَّين، علماً أنّه نجح بتفوّق في شهادة البكالوريا. لكنّ الفهري لا يخفي أنّ مساره المدرسي "لم يكن سهلاً، إذ واجهتني صعوبات عدّة. ثمّة مدرّسون اعترضوا على تخطّي الصفَّين، وشعرت بالرفض على الرغم من أنّ ذلك أتى بموافقة وزير التربية بسبب تفوّقي".

لكنّ تميُّز الفهري جعله عرضة للتنمّر في المدرسة، بسبب اختلافه عن أقرانه وزملائه. وهذا ما دفعه إلى تأليف رواية تُرجمت من اللغة الفرنسية إلى العربية تحت عنوان "بين النمور - أيام صعبة عاشها تلميذ" (Harcèlement - Les journées mouvementées d’un écolier). ويحكي الفهري فيها عن يوميّات تلميذ في الثانية عشرة من عمره يُدعى أليكس "انهار" في نهاية الأمر بفعل الضغوط والمضايقات التي تعرّض لها. وفي روايته هذه، تناول الفهري القضيّة التي يُسلّط الضوء أخيراً عليها إذ تؤرّق كثيرين من المتخصّصين في علم النفس والاجتماع والتربية والصحة العامة لما لها من تبعات على الأطفال الذين يقعون ضحايا متنمّرين من أقرانهم. يُذكر أنّ الفهري رُشّح لجائزة نوبل للآداب عن مؤلّفه المذكور.

وقد برع الفهري في الكتابة وشجّعته أسرته ومحيطه عليها، ونهل من مختلف المعارف واطّلع على ثقافات عديدة بحكم تنقّله في داخل البلد الواحد أو من بلد إلى آخر نظراً إلى أسفار أسرته المستمرّة. يُذكر أنّ الأسرة انتقلت إلى فرنسا وهو في الثانية عشرة من عمره، علماً أنّه بدأ بالتأليف في سنّ السابعة فكانت سلسلة "حكايات مير" (Les Contes de Meer) بالفرنسية. يخبر الفهري أنّه شعر حينها في رغبة كبيرة في الكتابة "لكنّني لم أكن قادراً على تسويق ما أكتبه. فالكتابة سهلة لكنّ نشرها صعب". يُذكر أنّ "حكايات مير" التي كتبها الفهري باللغة الفرنسية كما هي حال مؤلفاته الأخرى، راحت تُنشَر ابتداءً من عام 2016 وجعلته يحصد 25 جائزة دولية خاصة بالأدب.

آداب وفنون
التحديثات الحية

وحول براعته في الأدب والعلوم على الرغم من أنّه توجّه إلى دراسة الطب، يقول الفهري "أحبّ كلّ ما هو كتابة وأدب، ولم أكن أنوي التخصّص في الطبّ. لكنّني تفوّقت في مناظرة بفرنسا ترشّح لها 20 ألف طالب، وقد اختاروا عدداً محدوداً من المقبولين، 300 فقط، وكنت من بينهم".

ويوضح الفهري أنّه "بمجرّد الشروع في دراسة الطب، برعت فيها. وفي الحقيقة، لاحظت أنّ ثمّة تكاملاً بين المجالَين لأنّ الطب يتطلب اكتساب ثقة المرضى واختيار الكلمات المناسبة للتواصل معهم"، وأشار إلى أنّه كانت له زيارة أخيراً إلى مستشفى الأطفال "البشير حمزة" في تونس بدعوة من وزير الصحة (علي مرابط) وكانت تجربة مهمّة".

ويُعَدّ الفهري من بين أبرز الناشطين في المجتمع المدني، وقد عُرف بدفاعه عن قضايا عدّة، من بينها التوعية بمخاطر الهجرة غير النظامية وحماية البيئة ونشر السلم في العالم، بالإضافة إلى قضايا إنسانية أخرى أبرزها مشروع تربوي دولي يهدف إلى ضمان حقّ أبناء اللاجئين في التعليم.

وإذ يؤكّد الفهري أنّ الهجرة غير النظامية تفشّت في بلدان المغرب العربي، يرى أنّ "الشباب العربي ليس مشروع هجرة فقط إنّما ثمّة مبدعون ومتفوّقون". يضيف أنّه "لا بدّ لصوت الشباب من أن يصل. قد لا يكون هذا الصوت مسموعاً دائماً، غير أنّه من الواجب فرضه". ويتابع الفهري: "أحاول في كلّ مرّة الدفاع عن قضية ما وتمرير رسائل للشباب عموماً. وقد زرت مركز الأطفال الجانحين في المغيرة (ولاية بن عروس شمالي تونس) وفي المروج بالعاصمة تونس، والتقيت كذلك أطفالاً لاجئين في العالم". بالنسبة إليه فإنّ "تحقيق بعض الأحلام قد يكون صعباً إنّما لا شيء مستحيل".

وفي مايو/ أيار الماضي، أصدر الفهري مؤلّفه الأخير بالفرنسية "مذكرات سفير صغير" (Journal d'un jeune ambassadeur) وفيه يسرد تجربته مذ كان في الرابعة من عمره. فهو خاض في عالم الرسميين والدبلوماسيين ورؤساء الدول والحكومات ليصير السفير الأصغر في العالم. ويرى الفهري أنّ تواصله مع قادة العالم وأصحاب القرار يضع على عاتقه مسؤولية كبرى، ولقاءاته بهؤلاء بقدر ما هي فرص لتوجيه رسائل إلى شباب العالم بقدر ما تطرح تحديات جديدة. يُذكر أنّه تعاون في أكثر من محطّة مع وكالات تابعة لمنظمة الأمم المتحدة وكلّ ذلك بهدف إيصال ما يحمله من رسائل إلى الأطفال واليافعين والشباب.