لم تتأخر والدة الشهيد محمد نضال يونس (أم يونس) من مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية، عن المشاركة، مساء اليوم السبت، بوقفة ومسيرة جابت شوارع مدينة رام الله وسط الضفة، تخللهما إطلاق حملة لاسترداد جثامين الشهداء المحتجزة لدى قوات الاحتلال الإسرائيلي.
أم يونس واحدة من بين المئات من أهالي ومناصري الشهداء المحتجزة جثامينهم في ثلاجات ومقابر الاحتلال الإسرائيلي، جاؤوا إلى ميدان المنارة وسط مدينة رام الله، كي يطلقوا حملة وطنية لاسترداد جثامين الشهداء المحتجزة في ثلاجات ومقابر الاحتلال، وليؤكدوا أنهم شرارة تفعيل قضية أبنائهم، كي يستردوا جثامينهم ويدفنوهم بما يليق بهم، فيما جاب المشاركون في المسيرة شوارع مدينة رام الله على وقع الهتافات الغاضبة المطالبة بتسليم جثامين الشهداء المحتجزة.
تقول أم يونس لـ"العربي الجديد"، على هامش إطلاق الحملة، إنها ومنذ أن استشهد ابنها تعيش في حالة صعبة، وتشعر بالألم المتجدد كلما فتحت ثلاجة المنزل، وتتذكر ابنها الشهيد محمد المحتجز جثمانه في ثلاجات الاحتلال منذ استشهاده، قبل ستة أشهر، على حاجز جبارة العسكري المقام على أراضي طولكرم.
وتؤكد أم يونس أنه لا توجد أي مؤسسة رسمية فلسطينية زارتها لتتابع قضية احتجاز جثمان ابنها الشهيد محمد، فيما تؤكد كذلك أنّ أهالي الشهداء أخذوا على عاتقهم قضية استرداد جثامين أبنائهم، وسوف يذهبون بأنفسهم إلى أي مؤسسة أو مسؤول كي يضغطوا لتحريك ملف أبنائهم.
تشعر بالألم المتجدد كلما فتحت ثلاجة المنزل، وتتذكر ابنها الشهيد محمد المحتجز جثمانه في ثلاجات الاحتلال
أما عبد الإله جرار، وهو والد الشهيد نور، فقد جاء من مدينة جنين، شمالي الضفة الغربية، للمطالبة باسترداد جثمان ابنه الذي استشهد قبل نحو عشرة أشهر. ويقول لـ"العربي الجديد"، على هامش إطلاق الحملة، "إن ما يهمنا الآن هو استرداد أبنائنا لندفنهم بما يليق بهم، ولم نترك أي جهد قانوني أو رسمي وغيره إلا وفعلناه دون جدوى".
ويؤكد جرار أن ّمطالبته بتسليم جثمان ابنه هو حق له بأن يدفنه بما يليق به، "لأن ما يجري هو عقاب جماعي لأهالي الشهداء، الآن بعد كل هذا الألم باستشهاد أبنائنا، أصبحت أمنياتنا وفرحتنا باسترداد جثامين أبنائنا لندفنها!".
أهالي الشهداء أكدوا في بيان تلاه عدنان رواجبة، والد الشهيد بلال رواجبة، إطلاق حملتهم، التي جاءت بسبب الصمت على احتجاز جثامين أبنائهم، ما يسبب لهم وجعاً لا ينتهي، ويعتبر إهانة ومساً بكرامة الشعب الفلسطيني والشهداء، ويخالف كل الأعراف الدولية والشرائع السماوية، ويعتبر انتهاكاً لأبسط الحقوق الإنسانية، داعين لإطلاق الفعاليات الشعبية للمطالبة بالإفراج الفوري عن جميع الجثامين المحتجزة، لتشمل كافة المدن والمناطق بمشاركة واسعة من عائلات الشهداء كافة.
ودعت الحملة إلى اعتبار قضية الشهداء المحتجزة جثامينهم في الثلاجات ومقابر الأرقام، قديماً وحديثاً، قضية وطنية من الدرجة الأولى تتصدر الاهتمام الشعبي والوطني حتى يُفرج عن جميع الجثامين المحتجزة دون استثناء.
كما دعت الحملة الإعلام الفلسطيني والأجنبي إلى تخصيص المساحات الإعلامية الكافية للحديث عن أبعاد ومخاطر هذا الإجراء، فيما أكدت الحملة أنها ستعمل على توحيد الجهود القانونية والشعبية في مواجهة هذه السياسية، وكذلك العمل على تفعيل المؤسسات والممثليات الفلسطينية في الخارج وفي المحافل الدولية لفضح سياسات الاحتلال، وإعداد الملف الكامل والوافي لتدويل قضيتهم وتقديم شكوى للجنائية الدولية، والعمل على حث المستوى السياسي للقيام بدوره محلياً ودولياً في هذه القضية، ووضعها بصدارة اهتمامه ومنحها صفة العجالة.
وأشارت الحملة إلى أن إطلاقها اليوم جاء استجابة لوجع عائلات الشهداء، وأنها تشكلت بمبادرة من عائلات الشهداء فقط، وليست مؤسسة، ولا تتبع لأي جهة رسمية أو أهلية، وهي ليست بديلاً عن أي مؤسسة قائمة وتؤمن بالعمل المشترك وتوحيد الجهود الوطنية.
في هذه الأثناء، قالت فاطمة منصور، عمة الشهيد محمود حميدان من بلدة بدو، شمال غربي القدس، لـ"العربي الجديد": "نحن غاضبون بشكل كبير جداً على هذا الصمت الرسمي والأهلي، والتقاعس في قضية استعادة جثامين الشهداء، نحن أصحاب الألم قررنا إطلاق الحملة لاسترداد جثامين أبنائنا، وأن تكون قضيتنا بالصدارة، ليقوم الجميع بدوره حتى تدويلها، واستعادة الجثامين حتى آخر جثمان".
هذا الحراك لأهالي الشهداء يرى فيه رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس، في حديث لـ"العربي الجديد"، وبرغم دعمه الحملة، أنه "تعبير عن ضعف الحركة الوطنية، والأصل أن يكون ملف استرداد الجثامين في سياق استراتيجية وطنية لمواجهة الاحتلال، وليس أن يتم تقسيم القضايا الوطنية إلى عدة ملفات، لأن كل هذه الملفات هي تعبيرات عن العدوان على الشعب الفلسطيني بكل أشكاله".
وتواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين بعد تنفيذ سياسة الإعدام المباشر لهم، ما أدى إلى ارتفاع القائمة يوماً بعد يوم، لتصل حتى اللحظة إلى 104 شهداء منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول 2015، أربعة جثامين منها احتُجزت في مقابر الأرقام الإسرائيلية، علاوة على مواصلة الاحتلال احتجاز 253 شهيداً في مقابر الأرقام منذ عشرات السنين.
ومنذ العام 2015، بعد عودة قوات الاحتلال إلى سياسة احتجاز جثامين الشهداء، تصاعدت المطالبات والحملات الشعبية لاسترداد جثامينهم، وتأتي هذه الحملة التي أُطلقت اليوم السبت في سياق تلك الحملات.