أهالي مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان اعتادوا العيش وسط ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة. لكن اليوم، يؤكّد كثيرون أنه على الرغم من كل المعاناة، لم يعرفوا عاماً أسوأ من الذي يعيشونه حالياً
في مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا جنوب لبنان، ترتفع الأسعار بشكل جنوني على غرار بقية المناطق اللبنانية، بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار. واقعٌ أثّر على معظم التجار في المخيم الذين لا يعرفون ماذا يمكن فعله في هذه الظروف، هم الذين يضطرون بدورهم إلى رفع أسعار سلعهم، وإن كانوا يدركون عدم قدرة الناس على شراء معظم السلع، حتى الضرورية منها. ويُفاقم ارتفاع أسعار السلع الأساسية الأزمة المعيشية في المخيم، الذي يعاني أهله من جراء الفقر منذ سنوات طويلة، إضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة. في هذا السياق، يقول سمير عبد الهادي (57 عاماً)، والذي يملك بقالة، لـ"العربي الجديد": "الوضع الاقتصادي السيئ بات لا يُحتمل. تعيش غالبية العائلات في المخيم تحت خط الفقر. وبالتالي، باتت نسبة شراء السلع، وحتى الأساسية منها، معدومة". يتابع أن الأسعار اليوم اختلفت عما كانت عليه العام الماضي، "ولم أعد قادراً على شراء كميات كبيرة من السلع كما في السنوات الماضية. بالتالي، أشتري بالقدر المتاح لي لأن الأسعار تختلف بين يوم وآخر، ولا أستطيع تحمّل أي خسارة إضافية". يضيف: "على سبيل المثال، لا أشتري أكثر من صندوقين من شرائح البطاطس للأطفال، خشية ألا أبيعها. فبعدما ارتفع سعرها، لم يعد الأطفال يشترونها". يضيف: "أنا متزوج ولدي أربعة أولاد، وليس عندي دخل آخر. وقبل سبع سنوات، اشتريت المحل وبدأت العمل فيه. وعلى الرغم من كل ما عشناه، لم تمر علي أيام بصعوبة ما نمر به اليوم". ويختم حديثه قائلاً: "في السابق، وتحديداً قبل قرار وزير العمل اللبناني السابق كميل أبو سليمان المتعلق بإجازات العمل، كنت أعمل في قطاع البناء أيضاً، الأمر الذي كان يساهم في زيادة دخلي".
أما الحاج إسماعيل عكاوي، وهو صاحب محل خضار يبلغ من العمر سبعين عاماً، ويعيش في المخيم، فيقول إن الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين كانت سيئة خلال العام الماضي، نتيجة قرار أبو سليمان الذي حرِم عدداً كبيراً من الشبان الفلسطينيين من أعمالهم وقد باتوا عاطلين من العمل. لكن الواقع الاقتصادي الذي نعيشه هذا العام يعدّ الأسوأ في حياتي. والمشكلة هذا العام لا تقتصر على الفلسطينيين، بل تشمل جميع الذين يعيشون في لبنان، في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار الذي أدى إلى ارتفاع أسعار السلع كافة. فإذا ما أراد الفقير إعداد وجبة طعام كانت تعتبر للفقراء، كالمجدرة (أكلة شعبية عنصرها الأساس العدس)، سيصطدم بكلفتها التي بلغت كلفتها 30 ألف ليرة لبنانية (نحو 20 دولاراً بحسب السعر الرسمي). كما لم نعد قادرين على إعداد السَلَطة بسبب ارتفاع أسعار الخضار. حتى اللبن لم نعد قادرين على شرائه. حتى من سوق الحسبة (بيع الخضار بالجملة) يصعب شراء الخضار وقد أغلقت الكثير منها.
أما الحاج أبو محمد غندور، وهو صاحب محل لبيع الفراريج في مخيم عين الحلوة، فيقول إن "الأوضاع الاقتصادية تزداد سوءاً يوماً بعد يوم في ظل ركود البيع، نتيجة لارتفاع سعر صرف الدولار. سابقاً، كان سعر كيلوغرام الفروج ثلاثة آلاف ليرة لبنانية (دولاران بحسب سعر الصرف الرسمي، واليوم صار أحد عشر ألفاً (نحو ثمانية دولارات)، وصار الناس يشترون كيلو أو نصف كيلو دجاج على عكس ما كانوا عليه في السابق، وقبل شهر يوليو/ تموز الماضي، كنت أشتري خمسمائة طير وأضعها في المحل. لكن بعد هذا التاريخ، لم أشترِ أكثر من سبعين طيراً، ولا تباع كلّها في اليوم". يتابع أن غالبية العمال باتوا بلا عمل أو دخل، وقد باتت نساء كثيرات يلجأن إلى الاقتصاد. وكثيراً ما تبكي النساء لأن النقود التي في حوزتهن لا تكفيهن لشراء ما يحتجنه. فالعشرون ألف ليرة لبنانية (نحو 13 دولاراً بحسب سعر الصرف الرسمي) لم تعد كافية.
ويقول غندور إن الحياة باتت صعبة جداً والأوضاع من سيئ إلى أسوأ، "وأنا على يقين بأن بعض الناس ينامون جياعاً. فإذا كان العامل يتقاضى أجراً لقاء عمله، في حال كان ما زال يعمل، ثلاثين ألف ليرة في اليوم الواحد (نحو 20 دولاراً بحسب سعر الصرف الرسمي وحوالي 3.7 دولارات بحسب سعر السوق السوداء)، فلن تكفيه لشراء ما يحتاجه في ظل هذا الغلاء الفاحش". ويختم حديثه قائلاً: "منذ أربع عشرة سنة وأنا أعمل في هذا المحل، ودخلي كان جيداً. لكن اليوم، لا يتجاوز دخلي الصافي 158 ألف ليرة لبنانية (نحو 105 دولارات بحسب سعر الصرف الرسمي و20 دولاراً بسعر السوق).