- السلطات التونسية تقوم بحملات أمنية لفض النزاعات دون مقاربة إنسانية، بينما يطالب المهاجرون بمساعدة للاستقرار أو الترحيل الآمن، مشيرين إلى فرارهم من مناطق نزاع.
- الضغوط الدولية تزيد على تونس لتصبح مركز احتجاز للمهاجرين، في ظل اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي وخشية أوروبا من عودة أزمة اللجوء إلى مستويات 2015 و2016، مع تسجيل أكثر من 29 ألف وفاة غرقاً في البحر المتوسط منذ 2014.
لا تتوقف عمليات الكرّ والفرّ بين قوى الأمن التونسية ومهاجري جنوب الصحراء الذين استقروا في حقول زيتون بقرى العامرة وجبنيانة في محافظة صفاقس، بينما يبدي السكان المحليون استياءهم من وجود المهاجرين في صفاقس مطالبين السلطات بمساعدتهم في إخلاء أراضيهم.
ويزداد منذ أشهر تدفق المهاجرين إلى قرى ومزارع محافظة صفاقس، حيث ينصبون الخيم والشوادر البلاستيكية للإقامة مؤقتاً فيها، في انتظار انضمامهم إلى رحلات تنقلهم إلى الضفة الشمالية للبحر المتوسط. ويُمضي آلاف منهم أشهراً في خيام بلاستيكية، ويتحمّلون ظروف الإقامة الصعبة التي تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الكريمة، كما يعيشون في صدام دائم مع السكان المحليين الذين يرفضون تقاسم الموارد الغذائية ومنابع المياه معهم.
ويستنجد هؤلاء السكان غالباً بأجهزة الأمن لفض النزاعات بينهم وبين المهاجرين الذين يواجهون تهم الاستيلاء على الأراضي واستغلالها من دون وجه حق. وخلال الأسابيع الماضية، حجزت قوات الأمن خيام المهاجرين ودمّرت بعضها، بعدما قدم سكان في المنطقة شكاوى ضدهم.
وفيما لم تكشف السلطات الرسمية عدد المهاجرين المقيمين في قرى العامرة وجبنيانة، لكن جمعيات مدنية تقدّر عددهم بنحو 20 ألفاً، وتشير إلى أن هذه الأرقام غير ثابتة، فبمجرد رحيل أو ترحيل بعضهم تأتي دفعات أخرى وتستقر في المنطقة.
توتر علاقات المهاجرين في صفاقس والأهالي
يقول مهاجر سوداني يدعى عيسى (23 سنة) لـ"العربي الجديد": "وصلت إلى قرية العامرة قبل خمسة أشهر، وانضممت إلى عدد من أبناء بلدي الذين هربوا من الحرب، لكنني لم أتوقّع أن أواجه صعوبات جديدة بعدما قطعت آلاف الكيلومترات مشياً للوصول إلى الحدود التونسية. أنا لم أختر الإقامة في العامرة، لكنني اضطررت لفعل ذلك، لأنني أفضّل أن أكون ضمن مجموعة المهاجرين السودانيين. لا يرغب السكان المحليون في وجودنا في المنطقة، ويساعدنا قليلون منهم فقط، أما قوات الأمن فتكرر هدم خيامنا. يريدون أن نرحل، لكن إلى أين؟".
ويُطالب عيسى بأن تساعد السلطات التونسية المهاجرين في الاستقرار أو ترحيلهم بطرق آمنة. ويوضح أن غالبية المهاجرين السودانيين الموجودين في تونس فروا من مناطق نزاع، وأن بعضهم يحملون صفة طالبي لجوء، لكنهم لا يحصلون على أي نوع من المساعدات، ولا يشفع لهم وضع بلدهم، إذ يُلاحقون أمنياً لأسباب مختلفة بينها اجتياز الحدود خلسة، وعموماً لا تختلف أوضاع المهاجرين من جنسيات أخرى عن أولئك السودانيين.
وقال بيان أصدره فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في صفاقس، في 28 إبريل/ نيسان الماضي: "يتصاعد منسوب الاحتقان في العامرة وجبنيانة يوماً بعد آخر، ويُنذر باندلاع أزمة إنسانية، في ظل غياب شبه تام للمنظمات الدولية المعنية بالهجرة، والشبكات والجمعيات والمنظمات الإنسانية الحقوقية التي تنشط إقليمياً ودولياً. تحصر أجهزة الدولة التونسية تدخلاتها في حملات أمنية تنفذها بين حين وآخر لدى حصول نزاعات بين بعض الأطراف، وتحصل هذه التدخلات باستخدام ممارسات عنيفة تفتقر إلى أي مقاربة إنسانية حقوقية".
ويقول عضو الرابطة حمة حمادي لـ"العربي الجديد": "لم يعد يمكن تأجيل إيجاد حلول لهذا الملف الذي يُلقي بظلاله على مناطق عدة. من الضروري التعجيل بإيجاد حلول تضمن سلامة المهاجرين وأمن المواطنين معاً، علماً أن الحلول الفردية التي يلجأ إليها الأهالي أو المهاجرون تجنح إلى العنف".
وفي مطلع إبريل الماضي، وزعت منظمة الهلال الأحمر التونسي والمنظمة الدولية للهجرة على المهاجرين في صفاقس سلالاً احتوت مواد غذائية استفاد منها 7 آلاف شخص.
ويعتبر المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومنسق قسم الهجرة، رمضان بن عمر، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "المنظمات الدولية للهجرة باتت أذرعا تستعملها أوروبا لمنع المهاجرين من الوصول إليها".
ويشدد على "ضرورة اعتماد السلطات التونسية خطاباً واضحاً تجاه المنظمات المدنية التي تخلّت بالكامل عن دورها في مساعدة المهاجرين واللاجئين، ما يلقي بكل أعباء المهمات على عاتق الدولة والسكان المحليين الذين يتقاسمون مع المهاجرين رقعة السكن والموارد التموينية والطبيعية. تونس تتجه إلى التحوّل إلى مركز احتجاز فعلي، بسبب اتفاقيات مراقبة الحدود المبرمة مع الاتحاد الأوروبي".
وتتذرّع الطبقة السياسية الحاكمة في أوروبا، بأنّ حدود الاتحاد الأوروبي تشهد ضغطاً متزايداً، في إشارة إلى أنّ 380 ألف مهاجر عبروا العام الماضي حدود دول الاتحاد بطريقة غير قانونية، وهو عدد أكبر من ذلك المسجّل عام 2016. وأشارت بيانات وكالة اللجوء التابعة للاتحاد الأوروبي إلى أنّ العام الماضي شهد تقدّم 1.1 مليون شخص بطلبات لجوء في الاتحاد الأوروبي. وقد عبّر السياسيون عن خشيتهم من عودة نمط الهجرة واللجوء إلى ما كان عليه في ذروة ما سُميت "أزمة اللجوء" في عامَي 2015 و2016.
وبحسب بيانات أخيرة للأمم المتحدة، لقي أكثر من 29 ألف شخص مصرعهم غرقاً خلال رحلات هجرة غير نظامية عبر البحر الأبيض المتوسط منذ عام 2014.