أعلنت السلطات الدنماركية البدء بإجراءات جديدة لمواجهة اتّساع نطاق العدوى بجائحة كورونا بين مواطنيها. وطرحت رئيسة الوزراء الدنماركية، ميتا فريدركسن، في مؤتمر صحافي مساء الجمعة، برفقة وزراء ومسؤولين في الصحة والشرطة، الخطوط العريضة لهذه التشديدات الجديدة التي ستستمرّ حتى 2 يناير/كانون الثاني القادم، في ضوء أرقام تظهر تصاعداً ملفتاً في منحى الإصابات.
ومن بين أهم الخطوات المفروضة، ضرورة ارتداء الكمامات في الفضاء العام، وليس فقط في الحافلات. وبموجب هذا الإجراء الجديد، لا يُسمح بدخول المواطنين إلى المتاجر (الصغيرة والكبيرة) من دون كمامات بدءاً من الخميس القادم.
وإلى جانب ذلك، خفّضت كوبنهاغن رقم التجمّع المسموح به من 50 شخصاً إلى 10 أشخاص، بما في ذلك الأنشطة الاجتماعية والزيارات واللقاءات بين الأصدقاء والمعارف. وناشدت السلطات الصحية الدنماركية المواطنين الالتزام بإجراءات التباعد الاجتماعي وضرورة استخدام الكمامات أثناء الذهاب إلى المستشفيات والمكتبات والمتاجر ودور السينما والمؤسسات التعليمية، من بين مطالب أخرى وجّهتها رئيسة الوزراء فريدركسن. ورغم تعرّض حكومة يسار الوسط لانتقادات لاذعة بُعيد الإعلان عن الإجراءات، وخصوصاً من قبل يمين الوسط المعارض، الذي اتهم الحكومة بأنها بدأت تفقد السيطرة على الوباء، أكّدت السلطات أنها ماضية بتطبيق سياسات صارمة للسيطرة على الوباء، بعد أن باتت حالات العدوى تتجاوز الـ800 خلال 24 ساعة، وضربت كورونا 84 بلدية دنماركية، بحيث تجاوز عدد الإصابات الـ30 لكل 100 ألف مواطن، وبعضها وصل إلى 90 إصابة لكل 100 ألف.
وقرّرت السلطات، بمعية الشرطة الدنماركية، منع بيع المشروبات الكحولية بعد الساعة العاشرة مساءً، وإغلاقا شبه كامل للحدود مع جارتها الجنوبية ألمانيا فوراً، على أن يجري تطبيق إجراءات مشدّدة للسماح بدخول الألمان، الذين يعملون في الدنمارك، ومنع دخول عمالة أجنبية (أوروبية)، وخصوصاً من دول أوروبا الشرقية لوقف نقل العمّال العدوى إلى الدنمارك.
ويشكو أصحاب المقاهي والمطاعم، وقطاعات أعمال كثيرة، وخصوصاً الفنادق والسياحة والشركات الصغرى والمتوسطة، من انعكاس الإجراءات على مستقبلهم، حيث أبدى البعض قلقه من غياب الدعم الحكومي الكافي للإبقاء على عجلة اقتصاد المصالح تدور في مؤسساتهم.
وتأتي الإجراءات الدنماركية الجديدة لتؤثّر بشكل مباشر على فترة أعياد الميلاد التي تنطلق أسواقها واحتفالات الشركات والعائلات بها قبل حلول 24 ديسمبر/كانون الأول. وهو ما أسفت له فريدركسن، معتبرة أنّها تتفهم "ما يعنيه الميلاد بالنسبة للشعب، وخصوصاً أننا نواجه أشهر شتوية باردة ومظلمة، لكننا مضطرّون للتعامل مع الواقع، فهذا وباء عالمي وليست قراراتنا إلا لحماية بلدنا منه".
وكان من المفترض أن يتوقّف ارتداء الكمامات في الحافلات والقطارات، وعند المواقف، نهاية الشهر الحالي، بيد أنّ اتّساع الجائحة، في سياق أوروبي أوسع، اضطر الحكومة إلى فرضه في الفضاء العام، كما في فرنسا.
ويُعارض العديد من الدنماركيين ارتداء الكمامات، كما في العديد من الدول الأوروبية، إذ هم يرون أنّ فرض ارتداء الكمامات، ليس سوى فرض "سلطوي وسياسة رمزية لا تفيد في منع الوباء". وعكست أسئلة بعض الصحف، التذمّر من إجراءات الحكومة، وهي طرحت أسئلة تشكّك بمخاطر كورونا ونطاق اتّساعه. فسألت صحيفة "بي تي " الشعبية، ما إذا كانت مئات الحالات التي توفيت "قد توفيت بسبب كوفيد-19؟ وما إذا كان المتوفون أصلاً كانوا سيموتون لأنهم من كبار السن؟".
أجوبة المسؤولين الدنماركيين كانت حازمة لناحية أنّ 95 في المائة من الوفيات حدثت "بسبب كورونا، وليس صحيحاً أنّ كبار السن، هم فقط من توفوا من المرض، فقد بدأت الوفيات تضرب الشباب وفئات اجتماعية من غير كبار السن"، بحسب ما أكّد مدير دائرة الصحة، سورن بروستروم، في المؤتمر الصحافي.
وتنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي حالة من التذمر والشكوى بين مواطني الدنمارك من الإجراءات المشدّدة، وخصوصاً لناحية العزلة التي باتت تؤثّر نفسياً على فئات كثيرة في المجتمع.
ومن الملاحظ أنّ تشديد الدنمارك للإجراءات أتى بعد أن سُجّل الخميس والجمعة الماضيين، 760 و859 إصابة بالفيروس، وعلى ضوء تصريحات "المعهد الوطني للأمصال" فإنّ منحنى كورونا يسير بشكل تصاعدي كبير، وهو الأمر نفسه الذي تشهده دول أوروبية عديدة، إذ أطلقت بلجيكا على الموجة الثانية وصف "تسونامي" كورونا، وهي تعاني الآن، بشكل أكثر حدّة من الوباء، الذي بدأ انتشاره قبل 7 أشهر في القارة الأوروبية.