لن يكفي تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة وحده لتجنّب أسوأ تداعيات التغيّر المناخي، بحسب مقتطفات من تقرير لخبراء أمميّين من المرتقب صدوره يوم الإثنين المقبل، يوصي بالاستعانة بتقنيات لـ"إزالة ثاني أكسيد الكربون". وفي ظلّ تهاون الجهود راهناً، لا بدّ من تخفيض الانبعاثات العالمية بنسبة خمسة أو ستة في المائة سنوياً على أمل الإيفاء بالتعهّد المقطوع في اتفاق باريس للمناخ (2015) والقاضي بحصر ارتفاع حرارة كوكب الأرض دون درجتَين مئويّتَين بكثير مقارنةً بالعصر ما قبل الصناعي. وينبغي تخفيض الانبعاثات أكثر بعد لاحتواء الاحترار، بـ1.5 درجة مئوية.
وعلى سبيل المقارنة، بلغ انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون 5.6 في المائة "فقط لا غير" في خلال توقّف عجلة الاقتصاد العالمي بسبب جائحة كورونا في عام 2020، قبل أن تعاود الانبعاثات ارتفاعها. لذا، تشتدّ الحاجة إلى الاستعانة بتقنيات لإزالة ثاني أكسيد الكربون أو ما يعرف بـ"الانبعاثات السلبية". لكنّه "حتى تؤتي هذه التكنولوجيا ثمارها، لا بدّ من تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة تتراوح ما بين 80 و90 في المائة"، بحسب غلين بيترز من المركز الدولي للأبحاث المناخية في أوسلو. يُذكر أنّه حتى لو تسنّى بلوغ هذه الغاية، فإنّ مليارات الأطنان من ثاني أكسيد الكربون التي تنبغي إزالتها من الغلاف الجوّي سنوياً سوف تبقى حتى عام 2050.
وسوف تكون هذه التكنولوجيا ضرورية للقطاعات العاجزة عن نزع الكربون بحلول 2050 بحسب ما يبدو، من قبيل الطيران والنقل البحري وصناعة الإسمنت، وأساسية لتبريد الغلاف الجوّي إذا تخطّى الاحترار المستويات القصوى المنصوص عليها في اتفاق باريس للمناخ.
وما زالت تقنيات إزالة الكربون حتى الساعة بعيدةً كلّ البعد عن النجاعة المنشودة. فأكبر منشأة في العالم لامتصاص الكربون مباشرة من الجوّ تقضي في سنة واحدة على ما تُصدره البشرية من انبعاثات في ثلاث أو أربع ثوانٍ. وتتوفّر راهناً نحو 12 تقنية على أقلّ تقدير لهذا الغرض، بقدرات وأسعار مختلفة، وفق الدراسات المرجعيّة التي قد تستند إليها الهيئة الحكومية الدولية المعنيّة بتغيّر المناخ في تقريرها المرتقب صدوره الإثنين والذي سوف يُخصَّص للحلول المتاحة لمجابهة التغيّر المناخي.
طاقة حيوية
وتقوم الطاقة الحيوية لامتصاص ثاني أكسيد الكربون واحتجازه على إنماء أشجار تمتصّ هذا الغاز من خلال نموّها ثمّ حرقها لتوليد طاقة (كتلة إحيائية) وطمر ثاني أكسيد الكربون المتأتّي من هذه العملية في مناجم مهملة مثلاً. لكنّه لا بدّ من أن تتبلور على أرض الواقع نتائج هذه التقنية التي ما زالت جدواها مبدئية. وقد سُحب أحد المشاريع القليلة في العالم المطوَّرة على الصعيد التجاري لهذه الغاية، في بريطانيا، من مؤشّر "ستاندرد أند بورز للطاقة النظيفة" نتيجة عدم استيفائه معايير الاستدامة.
زرع الأشجار
ومن الحلول الأخرى المقدّمة، ترميم الغابات وزرع الأشجار لامتصاص ثاني أكسيد الكربون واحتجازه من خلال التمثيل الضوئي. وترتكز شركات عدّة، بما فيها تلك المنتجة للطاقة الأحفورية، بدرجة كبيرة على هذه المساحات المستزرعة "للتعويض" عن انبعاثاتها. لكنّ المساحة اللازمة لتخفيض مستويات ثاني أكسيد الكربون تخفيضاً ملموساً من خلال زرع الأشجار، والتي قد تصل إلى ضعفَي مساحة الهند (ثلاثة ملايين و287 ألف كيلومتر مربّع)، ينعكس استغلالها سلباً على أولويات أخرى مثل الزراعة المخصّصة لتوفير المواد الغذائية وصون التنوّع الحيوي. وقد تكون الغابات الجديدة عرضة للحرائق التي تتكاثر في ظلّ اشتداد الاحترار، الأمر الذي قد يُطلق في الهواء كلّ كميات ثاني أكسيد الكربون المحتجزة فيها.
امتصاص مباشر
ومن التكنولوجيات الحديثة التي تثير أكبر قدر من الاهتمام، الامتصاص المباشر للكربون من الجوّ واحتباسه. وتساعد عمليات كيميائية على استخراج الكربون وتحويله إلى مادة صلبة أو طمره. لكنّ كونَ ثاني أكسيد الكربون واسع الانتشار في الجوّ، فإنّ هذه التقنية تستهلك طاقة كبيرة وتكلّف غالياً. وحتى لو كانت هذه التكنولوجيات الابتكارية تحظى باهتمام كبار الشخصيات، من أمثال إيلون ماسك، وتمويلها، فهي تبقى باهظة الثمن وموضع شكّ في ما يخصّ سرعة تطويرها.
الصخور والمحيطات
وتقوم إحدى التقنيات على قطع صخور غنيّة بالمعادن التي تمتصّ ثاني أكسيد الكربون وسحقها ثمّ نشرها في التربة أو المياه. والهدف هو تسريع وتيرة هذا المسار الممتدّ عادة على عشرات آلاف السنين في الطبيعة. ويبقى السؤال أن نعرف إذا كان من الممكن تطبيق العملية على نطاق واسع بما يكفي، وبأيّ ثمن. وتمتصّ المحيطات بدورها أكثر من 30 في المائة من انبعاثات الكربون العالمية ويختبر العلماء وسائل لتوطيد هذه القدرات، مثلاً من خلال تعزيز القلوية البحرية صناعياً أو تخصيب المحيطات، أي زيادة كثافة العوالق النباتية التي تحتجز الكربون العضوي من خلال التمثيل الضوئي. لكنّه ليس معلوماً بعد ما هي تداعيات هذه الاستراتيجيات على النظم البيئية وكيف يمكن استنساخ هذه الوسيلة على نطاق أوسع.
(فرانس برس)