إسرائيل تستهدف قلب صور جنوبي لبنان: نحو 15 ألف نازح في مهب التهجير

23 أكتوبر 2024
هكذا بدا المشهد في مدينة صور وسط القصف الإسرائيلي، جنوب لبنان، 23 أكتوبر 2024 (إكس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت مدينة صور نزوحاً كبيراً بعد غارات إسرائيلية مكثفة استهدفت قلب المدينة، مما أدى إلى دمار واسع وسقوط شهداء، مع إخلاء مناطق مثل شارع جعفر شرف الدين وحي الآثار.
- تجاوز عدد النازحين 15 ألفاً، حيث توجه بعضهم إلى صيدا بالتنسيق مع الجهات المعنية، بينما رفض آخرون المغادرة رغم المخاطر، وسط قلق كبير بين السكان.
- تعتبر صور ذات تاريخ وطني وقومي مميز، ويرى الناشطون أن استهدافها يهدف لتهجير السكان وضرب الاقتصاد، بينما تواصل وزارة الثقافة التنسيق مع اليونسكو لحماية المواقع الأثرية.

القصف الإسرائيلي اليوم استهدف قلب مدينة صور بضربات مركّزة

مدير وحدة إدارة الكوارث في صور: عدد النازحين يتجاوز 15 ألفاً

مدينة صور التاريخية مدرجة على قائمة "يونسكو"

صباح اليوم الأربعاء، راحت مدينة صور في جنوب لبنان تشهد حركة غير اعتيادية بين أهلها، وكذلك بين النازحين الذين راحوا يلجأون إليها من البلدات الجنوبية الحدودية منذ أكثر من عام والذين يُقدَّر عددهم بنحو 15 ألفاً. فالمتحدّث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أصدر أوامر إخلاء شملت أحياء كثيرة من ثاني أكبر مدن الجنوب، تمهيداً لقصف مساحات كبيرة منها. وهذا ما حصل بالفعل.

وهذه ليست المرّة الأولى التي تُستهدَف فيها مدينة صور بآلة الحرب الإسرائيلية، منذ تصاعد العدوان على لبنان، غير أنّ غارات اليوم أتت أكثر عنفاً. وفي حين كانت الضربات الإسرائيلية السابقة تستهدف محيط المدينة وبلدات في قضاء صور إلى جانب نقاط معدودة في المدينة، فإنّ تلك التي وُجّهت اليوم طاولت قلبها بطريقة مركّزة، مع العلم أنّ مدينة صور صارت تُعَدّ في الشهر الأخيرة ملجأ للنازحين من البلدات الحدودية بالدرجة الأولى.

وقد شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي حزاماً نارياً على وسط مدينة صور الساحلية في جنوب لبنان، ضرب في خلاله مراكز صناعية ومباني سكنية ومؤسسات سياحية، الأمر الذي أدّى إلى سقوط عدد من الشهداء ووقوع دمار واسع. وكان المتحدّث باسم جيش الاحتلال قد حدّد المناطق المعنية بأوامر الإخلاء بأنّها شارع جعفر شرف الدين (الجعفرية) وحيّ الآثار وشارع أبو ديب (قرطاج) وشارع حيرام (سينما الحمرا)، طالباً من الموجودين فيها "التوجّه إلى شمال نهر الأوّلي".

وفور صدور أمر الإخلاء هذا، راحت فرق الدفاع المدني تجول في الأحياء، وتطلب من المواطنين، عبر مكبّرات صوت، إخلاء مساكنهم. وقد عملت عناصر تلك الفرق على نقل المسنّين والأشخاص الذين يشكون من ظروف صحية صعبة إلى أماكن آمنة، بالتنسيق مع الجهات الرسمية المعنية. وبالتالي، سُجّلت اليوم حركة نزوح كبيرة إلى خارج مدينة صور التي كانت تحتضن أكثر من 15 ألف نازح هُجِّروا منذ بدء المواجهات عند الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة في الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وأفاد مدير وحدة إدارة الكوارث في اتحاد بلديات صور مرتضى مهنّا "العربي الجديد" بأنّ "القصف الإسرائيلي استهدف قلب مدينة صور"، و"قد أتت الضربات مركّزة". أضاف أنّ "المدرسة الجعفرية في صور أُخليت، إذ إنّها تقع في منطقة الاستهداف، وكثيرين من الذين أخلوها انتقلوا إمّا إلى البحر وإمّا إلى حارة المسيحيين، أو غادروا المدينة".

وأوضح مهنّا أنّ "عدد النازحين في صور يتجاوز 15 ألفاً" من هؤلاء الذين هجّرتهم آلة الحرب الإسرائيلية. وأشار إلى أنّ "من بينهم من غادر متّجهاً إلى مدينة صيدا، وقد جرى ربطه بمحافظة الجنوب وبجمعية الصليب الأحمر اللبناني من أجل التنسيق، في حين أنّ آخرين رفضوا الخروج من المدينة". وتحدّث مهنّا عن "أضرار كبيرة طاولت المدينة من جرّاء القصف"، مضيفاً أنّ ذلك "يتسبّب بالتأكيد في قلق وخشية بين الناس".

ولدى مدينة صور "تاريخها الوطني والقومي وميزتها في تعددية الطوائف، الأمر الذي يجعلها نقطة جذب واهتمام من كلّ العالم"، بحسب ما قال الناشط الاجتماعي والسياسي محمد فرّان. وشرح فرّان لـ"العربي الجديد" أنّ "لطالما وُصفت صور بأنّها مدينة قومية مرتبطة بالقضية الفلسطينية ومن ضمن اهتماماتها، وقد مرّت عليها لحظات تاريخية عدّة، وفيها تجسيد للوحدة بين الطوائف وللعلاقات الوثيقة والوطنية".

ورأى فرّان أنّ "استهداف صور يأتي في إطار المخطط الإسرائيلي المعتمد، سواء في البقاع أو الجنوب، من ضمنه النبطية، وغيرها من القرى، عبر محاولته جعل الحياة غير ممكنة فيها، من خلال تدميرها بأحيائها وشوارعها ومبانيها ومعالمها وتراثها وآثارها ومراكزها الاقتصادية والصناعية وأسواقها". أضاف أنّ "من شأن ذلك أن يُضعف الناس ويؤدّي إلى شلّ الحركة وضرب الاقتصاد عدا عن وضع إسفين بين الناس ومقاتلين من حزب الله أو أحزاب مقاومة أخرى، وبالتالي تحميل هؤلاء ثمن مواقفهم ودعمهم القتال ضدّ إسرائيل".

وأوضح فرّان أنّ "الهدف الأساسي الذي يريد العدوّ تحقيقه هو تهجير الناس، خصوصاً من الجنوب ككلّ، إذ تعجز إسرائيل عن تحقيق انتصارات مهمّة برياً، فهي بالكاد تمكّنت من التوغّل كيلومترات قليلة على مسافة قريبة من الشريط الحدودي. ويدفع العدوّ الناس، من خلال الغارات الدامية والمجازر والتدمير، إلى ترك المناطق الجنوبية، ويشمل ذلك حتى مدينة صيدا حيث العدد الأكبر من النازحين، ثمّ التوجّه نحو الشمال أو بيروت أو جبل لبنان (وسط)، في مراهنة إسرائيلية على إيقاع فتنة بين المهجَّرين وأهل مناطق اللجوء. ومن شأن ذلك أن يُمهّد لحرب أهلية داخلية توفّر على إسرائيل جهداً ضخماً. وتبعاً لذلك، ترى إسرائيل أنّ ضرب مدينة صور يستحقّ المحاولة لتحقيق هذه الأجندة".

من جهة أخرى، أشار الناشط الاجتماعي والسياسي إلى أنّ "العدوان الإسرائيلي الراهن يختلف عمّا كانت عليه حرب تموز 2006، سواءً بالنسبة إلى مدينة صور أو غيرها"، شارحاً أنّ "ما نشهده اليوم أكثر كثافة وأوسع انتشاراً جغرافياً للضربات الإسرائيلية، وكلّ ذلك بغطاءٍ غربي أميركي، لتحقيق هدفَين يتمثّلان بمحو قطاع غزة وشطب حزب الله والتخلّص منه".

ومدينة صور التاريخية مدرجة على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونسكو"، وهي مركز مفعم بالنشاط ومقصد حيوي لسكان الجنوب، وتعج عادة بالصيادين والسائحين وحتى أفراد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة المنتشرين على الحدود في الجنوب التماساً للاستجمام بالقرب من شاطئ البحر. وقال رئيس بلدية صور حسن دبوق، بحسب وكالة رويترز، إنّ المواقع الأثرية في المدينة لم تتعرض لأي قصف. وقال وزير الثقافة محمد المرتضى إنّ الوزارة على اتصال مع "يونسكو" للدعوة إلى حماية سكان المدينة ومواقعها الأثرية.

المساهمون