لا أهميّة في قطاع غزة اليوم لتخفيف الإجراءات الوقائيّة المتعلّقة بمواجهة فيروس كورونا بعد تراجع أعداد الإصابات اليومية. ثمّة طارئ سيجعل الغزيين في حالة هرب دائمة من موت محتمل بعدما قررت إسرائيل حرمان أهالي القطاع من العيد والفرح. اختفت الزينة والاكتظاظ من الأسواق، خصوصاً في شارع عمر المختار حيث أكبر الأسواق، بعد قصف طائرات الاحتلال للمباني.
من بين ما قصفته الطائرات الإسرائيلية برج الجندي المجهول في شارع عمر المختار وسط مدينة غزة، على مقربة من منزل عائلة أبو زيد، حيث كان أحمد (11 عاماً) يحمل ملابس العيد وينتظر يوم العيد لارتدائها بفارغ الصبر، قبل أن يتغير المشهد كلياً ويتطاير زجاج المنزل ويجرح الطفل في يده. سارع أحمد ووالدته وأشقاؤه الثلاثة للهرب من خلال سلّم خلفي يقودهم إلى الشارع، وراح يبكي من الخوف لأن والده لم يكن في المنزل في تلك اللحظة. وحين صار في الشارع مع عائلته، انتبه إلى جروح في يده ووجهه، فيما بدا وجه شقيقته يُمنى (9 أعوام) مغطى بالرماد نتيجة القصف.
"أشعر أنني سأموت"
بكى أحمد كثيراً. كان يظن أن القصف سيستمر يوماً واحداً فقط، ثم تهدأ الأمور فيحتفل بالعيد مع أشقائه. قبل ذلك، كان أحمد حزيناً خلال شهر رمضان بسبب ارتفاع أعداد المصابين بفيروس كورونا في غزة. يقول أحمد لـ "العربي الجديد": "في البرج الذي نعيش فيه أكثر من 60 شقة، يقطنها الكثير من الأطفال. اعتدنا اللعب في ساحة البرج في الأسفل، وكنا نحب التفرج على سوق حي الرمال القريب. سمعنا قصفاً، وظننا أنه سيكون ليوم واحد فقد اعتدنا على هذا الأمر. أما اليوم، فأشعر أنني سأموت ولا أريد الاحتفال بالعيد. أرغب فقط في أن يتوقف القصف الإسرائيلي علينا".
أما يمنى، شقيقة أحمد، فتقول إنها تريد أن تقضي العيد خارج مدينة غزة، حيث لا حروب كما تشاهد عبر التلفاز. تشير إلى أنها تريد العيش في مكان آمن وأن تحتفل بالعيد وتذهب إلى مدينة ألعاب كبيرة برفقة أسرتها.
داخل المبنى نفسه، كانت براءة عوض الله (30 عاماً) تعدّ كعك العيد لها ولوالدتها التي تعيش وحدها في حي الرمال. إلا أن القصف غطّى الكعك بالرماد والزجاج، لحظة كانت تستعد لخبزه. رمت براءة الكعك في القمامة، وطوت صفحة العيد. بات واضحاً أنها لن تحتفل وأطفالها بالعيد هذا العام.
تقول براءة لـ "العربي الجديد": "لا نحبّ الحروب ولا نرغب فيها، ولا نريد متابعة التطورات السياسية. أريد لأبنائي العيش بسلام والاحتفال بالعيد، ما عشناه خلال هذا اليوم يزيد من معاناتنا. لا نعيش بأمان ولا نحتفل بأي طقس ديني ولا نشعر بالراحة. لو كنت أمّاً إسرائيلية، لكانت إسرائيل قد روجت لقصتي أمام المجتمع الدولي، قائلة إن الفلسطيني إرهابي. لكن كوني غزية، يُنظر إلي وإلينا كأرقام. لكنّنا لسنا أرقاماً".
تجدر الإشارة إلى أن وزارة الصحة الفلسطينية كانت قد أعلنت عن استشهاد 14 طفلاً فلسطينياً في قطاع غزة، حتى مساء أمس الأربعاء.
قُضي على الرزق
من جهته، يشير سعيد قشطة (42 عاماً) إلى أن عيد الفطر هذا العام يأتي وسط تفشي كورونا وما خلّفه من تداعيات نفسية واقتصادية، ليضاف إليه القصف الإسرائيلي الذي يحرم الأطفال من الاحتفال بالعيد. ويقول إن طفلته سمر (7 سنوات) تبكي لأنها كانت تنتظر ارتداء فستانها الأبيض الأحب إلى قلبها في أول أيام العيد.
خلال الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان، شهدت الأسواق حركة بعثت الأمل لدى الكثير من الباعة والعاملين المياومين من الشبان. حتى أن شرطة البلدية سمحت لأصحاب البسطات بالوقوف عند بعض التقاطعات وبيع السلع، شرط الحرص على إجراءات الوقاية والنظافة. إلا أن القصف الإسرائيلي الكثيف حرم الغزيين من كسب الرزق والفرح بالعيد. يقول يوسف الخطيب (45 عاماً)، الذي يملك بسطة لبيع ملابس الأطفال في سوق الساحة، لـ "العربي الجديد": "الفقير في غزة ليس كذلك لأنه لا يسعى وراء رزقه، بل لأن الرزق في القطاع مرهون بالجيش الإسرائيلي والقصف الإسرائيلي والظروف السياسية والانقسام الفلسطيني والحصار. خسرتُ محلين تجاريين كبيرين بسبب الحصار وأعلنت إفلاسي قبل ثلاث سنوات. وهذا العيد، لن أتمكن من تأمين علاجي ولا احتياجات أسرتي".
ويلفت الخطيب إلى أن الكثير من الناس أرادت الاحتفال بالعيد على الرغم من القصف الإسرائيلي من أجل أن تسعد أطفالها، وهو ما قاله له العديد من زبائنه في اليوم الأول من التصعيد الإسرائيلي يوم الإثنين الماضي، "لأنهم اعتادوا القصف الإسرائيلي الذي يتكرر بين الحين والآخر. لكنّ استهداف منازل المدنيين من دون سابق إنذار أجبرهم على نسيان العيد والهرب من الموت".