تواجه مدينة إسكندرون التي تقع في ولاية هاتاي جنوبي تركيا، إلى جانب الخسائر البشرية والمادية المباشرة للزلزال الذي ضرب المنطقة الإثنين الماضي، تداعيات مأساوية لما بعد الكارثة غير المسبوقة في هذه المنطقة تحديداً، والتي تشمل انهيار مبانٍ متصدّعة واندلاع حريق ضخم في المرفأ، وارتفاع في منسوب مياه البحر.
وتواجه فرق الإنقاذ في المدينة الساحلية على البحر المتوسط، التي يشكل السوريون نسبة أكثر من 17 في المائة من سكانها بحسب ما تفيد أرقام رسمية أصدرتها إدارة الهجرة، عقبات كثيرة لتنفيذ مهام رفع أنقاض المباني المنهارة، وإطفاء الحريق في المرفأ، فيما فوجئ السكان بارتفاع مستوى مياه البحر التي غمرت شوارع على الساحل.
ونقلت وكالة الأناضول الرسمية عن مسؤولين في المدينة قولهم إن "مياه البحر تقدمت نحو 200 متر من الساحل إلى القسم الداخلي في منطقة تشاي، ما تسبب في ازدحام مروري في ظل صعوبة تقدم السيارات، لكن المياه لم تصل إلى المنازل الأكثر قرباً من الساحل".
وتحدثت وسائل إعلام أخرى عن أن "مياه البحر تجاوزت المحال الموجودة على الخط الساحلي وصولاً إلى شوارع وطرقات، وأسفل مبانٍ اضطرت السلطات إلى إخلاء بعضها من السكان خشية تعرضها لأضرار، وأجبرت مصارف ومتاجر موجودة فيها على إغلاق أبوابها".
وأفادت مصادر من داخل المدينة لـ"العربي الجديد" بأن "المواطنين أصيبوا بدهشة كبيرة من ملء الشوارع الساحلية بالمياه، ما أعاق عمليات الإنقاذ والإغاثة".
وأكدت هذه المصادر أن "مستوى المياه يرتفع بكميات قليلة بشكل مستمر، بدلاً من أن ينحسر في اتجاه البحر، ما يشير إلى أن هذا الأمر ليس حالة مؤقتة رافقت الزلزال"، علماً أن سلطات المدينة طالبت المواطنين بالابتعاد عن المنازل المنهارة والخط الساحلي كي لا تشكل خطراً على أرواحهم.
ويعلّق بروفسور الهندسة الجيولوجية في جامعة إسطنبول التقنية الحكومية شكري أرسوي على ظاهرة ارتفاع منسوب المياه بالقول لـ"العربي الجديد": "ارتفاع منسوب المياه لا يرتبط بحصول موجات مد (تسونامي) في البحر بسبب سلسلة الزلازل، بل يحتمل أن ينتج من تقدم اليابسة على الساحل باتجاه البحر، علماً أنه رصد ارتفاع في كميات رمال البحر في بعض المناطق".
ويؤكد أن "تقدم اليابسة في اتجاه البحر أدى إلى غمر هذه الأجزاء بالمياه وتبللها، ما أدى إلى خروج المياه وتقدمها. ومن المؤكد أن هذا الأمر ليس بسبب حصول موجات التسونامي التي ترتبط بحصول زلزال داخل البحر، وهو ما لم يحدث".
يتابع: "الاهتزازات في البر قد تكون أدت إلى حصول حالة هيلان في التربة باتجاه أسفل البحر، وهو الاحتمال الثاني لحصول ارتفاع مستوى مياه البحر".
في غضون ذلك، تواصلت جهود فرق الإطفاء والإغاثة لمحاولة السيطرة على حريق نشب في رصيف تجميع الحاويات بمرفأ مدينة إسكندرون إثر انقلاب حاوية واشتعالها خلال الزلزال، قبل أن تنتقل نيرانها لاحقاً إلى حاويات مجاورة، وتتسبب في اندلاع حريق كبير.
وخلال الأيام الأربعة الأخيرة التي تلت حصول الزلزال المدمّر الذي بلغت قوته 7.8 درجات على مقياس ريختر، أعلنت السلطات التركية مرات السيطرة على الحريق في مرفأ إسكندرون، لكن نيرانه كانت تعود مجدداً بتأثير ارتفاع درجة حرارة الحاويات التي تحتوي مواد سريعة الاشتعال. وقد صعّب هبوب رياح قوية مهام السلطات التي استنفرت فرق الإطفاء البرية وطائرات متخصصة في تنفيذ عمليات الإطفاء.
وحوّل الحريق فعلياً نهار المدينة إلى غمامة سوداء كبيرة بفعل الدخان، وليلها إلى نهار بفعل حجمه الهائل، ما شكل مع مشاهد انهيارات المباني وتدفق مياه البحر إلى الشوارع الساحلية لوحات تختصر حجم المأساة في مكان واحد.
وعن حجم الدمار في المدينة ومعاناتها، يقول الشاب السوري حسام العمر لـ"العربي الجديد": "من المؤسف أن المدينة التي أدرس وأقيم فيها مع عائلتي تشهد مأساة كبيرة، خاصة أننا كنا من المحظوظين بالخروج من منزلنا بخير وسلام بخلاف آلاف آخرين". يضيف: "تضم المدينة حالياً مباني منهارة ومتصدعة كثيرة، والانهيارات تتواصل في ظل غياب كبير للاحتياجات الأساسية والمواد الغذائية والمستلزمات الأساسية. واضح أن الأمان معدوم حالياً في المدينة، والقلق والتعب النفسي يسيطر على الجميع بسبب الحجم الكبير للكارثة وانقطاع التيار الكهربائي، وغياب الاتصالات والمواصلات بالكامل، وبطء عمليات الإنقاذ وسط كثافة المباني المهدمة".