في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، أخطرت إدارة الممتلكات في مدينة موسكو، مركز أندريه ساخاروف، المصنف منظمةً "عميلة للخارج" منذ عام 2014، بفسخ عقد الاستئجار المجاني لمقاره، ليكون اليوم، 2 إبريل/ نيسان، آخر أيام المعرض الدائم.
وخلال الأيام السابقة، قام كثيرون من سكان العاصمة الروسية بزيارة مركز عالم الفيزياء النووية السوفييتي البارز (1921- 1989)، الذي كان أحد مخترعي القنبلة الهيدروجينية، والحائز جائزة نوبل للسلام في عام 1975، والذي يحمل لقب "ضمير الأمة الروسية" لكونه جمع بين العلم وإدراك مسؤولية العلماء عن التداعيات المدمّرة لعملهم.
زارت المحامية الأربعينية، أولغا، المركز قبل إغلاقه، وتقول لـ"العربي الجديد": "هذه آخر فرصة للحضور إلى مركز ساخاروف الذي تربطني به ذكريات كثيرة، وهو يحظى بشهرة واسعة بين الحقوقيين، فقد صاغ ساخاروف العديد من المبادئ الإنسانية لمن يريد أن يعيش في عالم حر".
بدورها، تقول العاملة في مجال التعاون الدولي، كريستينا: "يحزنني إغلاق المركز، ولكنني أثق بأن الأمور ستعود إلى طبيعتها، وستعود أجواء الحرية التي كان أندريه ساخاروف رمزاً لها في زمن الاتحاد السوفييتي، فالحرية قائمة داخل كل إنسان".
بموازاة موعد إغلاق المركز، كان مبنى المعارض المؤقتة المجاور للمبنى الرئيسي، يحتضن معرضاً مكرساً لحياة زوجته، يلينا بونر، بمناسبة الذكرى المئوية لميلادها، وكان مقرراً أن يستمر حتى 16 إبريل الجاري.
وإلى جوار المركز، ثمة حديقة تحمل اسم متحف ساخاروف، وتقدم للزوار معلومات عن حياته، ومكانته، وتضم قطعة من جدار برلين الذي شكل سقوطه في عام 1989، رمزاً لطيّ صفحة الشيوعية في أوروبا الشرقية بلا رجعة، قبل أن تعود روسيا إلى الانعزال عن الغرب مجدداً على إثر حربها على أوكرانيا.
ولد ساخاروف في العاصمة موسكو في عام 1921، وحصل في عام 1947 على درجة الدكتوراه من معهد ليبيديف للفيزياء التابع لأكاديمية العلوم السوفييتية، وفي العام التالي، أُدرِج ضمن مجموعة العمل لتطوير السلاح النووي الهيدروجيني الذي فاقت قوته قوة القنابل النووية بأضعاف.
على الرغم من دوره المحوري في تطوير القنبلة الهيدروجينية التي اختبرها الاتحاد السوفييتي في عام 1953، لقناعته بأنها ستحقق توازناً في العالم ثنائي القطب، لكنّ ساخاروف أدرك خطورة نشاطه، وتوجه نحو العمل الاجتماعي منذ نهاية الخمسينيات، داعياً إلى الحد من اختبار الأسلحة النووية، وصولاً إلى التخلص منها بشكل كامل. وكان واحداً من المبادرين إلى إبرام "اتفاقية موسكو" بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة لحظر التجارب النووية في الغلاف الجوي والفضاء وتحت البحار في عام 1963.
لم تقتصر أنشطة ساخاروف على العمل من أجل منع نشوب حرب نووية مدمرة، بل انخرط أيضاً في النشاط الحقوقي، والدعوات إلى التقارب بين القطبين، وإعلاء قيم الشفافية والديمقراطية. وبعد معارضته التدخل العسكري السوفييتي في أفغانستان في عام 1979، حُرم الامتيازات كافة من دون محاكمة، ونُفي إلى مدينة غوركي (نيجني نوفغورود حالياً)، حيث أقام برفقة زوجته سبع سنوات تحت مراقبة جهاز الأمن السوفييتي "كي جي بي".
ظل ساخاروف في المنفى حتى انطلاق قطار إصلاحات "بيريسترويكا"، إذ فوجئ في عام 1986، بتوصيل هاتف أرضي إلى منزله، وتلقيه اتصالاً من آخر زعماء الاتحاد السوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، الذي دعاه للعودة إلى موسكو، حيث أصبح نائباً شعبياً واكب التحولات الجذرية في البلاد خلال السنوات الأخيرة من عمر الدولة الشيوعية.
لم يتردد ساخاروف في وضع رؤيته للدستور السوفييتي، وإرسالها إلى غورباتشوف، لكنه توفي في 14 ديسمبر/ كانون الأول 1989، قبل أن يتلقى رداً.
ولعل سجل ساخاروف الحافل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان هو ما دفع البرلمان الأوروبي في عام 1988، إلى استحداث "جائزة ساخاروف لحرية الفكر"، التي تُمنَح سنوياً للمساهمين في النضال الحقوقي وفضح الانتهاكات. وفي العام الأول لتأسيس الجائزة، مُنحت لزعيم جنوب أفريقيا، نيلسون مانديلا، المعروف بمناهضته نظام الفصل العنصري (الأبارتايد)، ولاسم المنشق السوفييتي، أناتولي مارتشينكو، الذي لقي حتفه جراء إضرابه عن الطعام في المعتقل قبل ذلك بعامين.
وفي العام الماضي، منحت جائزة ساخاروف للشعب الأوكراني، وفي عام 2021، منحت للمعارض الروسي المعتقل، أليكسي نافالني، ومنحت في 2020 للمعارَضة البيلاروسية، على إثر موجة من الاحتجاجات التي شهدتها البلاد على خلفية مزاعم تزوير الانتخابات الرئاسية.