تواجه إيران خلال العقد الأخير تراجعاً كبيراً في معدلات الزواج والإنجاب وزيادة نسبة الشيخوخة، ما دفع خبراء إلى إطلاق تحذيرات مبكرة قبل سنوات من أزمة سكانية ستواجه إيران، الأمر الذي دفع السلطات إلى حث الإيرانيين والإيرانيات على الزواج والإنجاب قبل أن تتبنى مشروع قانون "خطة لجعل السكان أكثر شباباً" قبل عام، يتضمن إغراءات للأسر لزيادة الإنجاب. إلا أن الخطة تواجه بحسب الخبراء تحديات كبيرة، منها ما يرتبط بالأزمة الاقتصادية ومنها ما يتصل بتحول طرأ على قناعات الأسر والشباب الإيراني حول الزواج والإنجاب.
وتحث الحكومة الإيرانية في القانون المذكور الإيرانيين على الإنجاب من خلال تقديم جملة إغراءات ومحفزات، أبرزها منح الأسر التي لديها ثلاثة أولاد في المدن التي يبلغ عدد سكانها 500 ألف نسمة، قطعة أرض بمساحة 200 متر، وفي المدن التي يفوق عدد سكانها هذا الرقم، شقة سكنية مع إمكانية التقسيط على مدى عشر سنوات. ويشار إلى أن قطعة الأرض والشقة ستقدم بأسعار حكومية رخيصة.
هذه المحفزات جاءت بعد تراجع الخصوبة في إيران، كما تقول خبيرة السكان شهلا كاظمي بور. وتوضح في حديها لـ "العربي الجديد" أن دولاً أخرى في العالم أيضاً سبق وأن أقدمت على خطوة مماثلة لرفع معدل الخصوبة والإنجاب. وقبل نحو عقد، قدمت إيران محفزات عشوائية، لكن ما حصل أخيراً هو خضوعها لتعديلات باتت تقدم كرزمة ضمن قانون. وتشير إلى أن مدى نجاح الخطة "ليس واضحاً" بعد ويحتاج تقييمها إلى سنتين أو ثلاث سنوات بعد التنفيذ، مؤكدة أن نجاحها يتوقف على تنفيذها الجيد وكيفية تجاوب العائلات مع الخطة. وليس واضحاً بعد ما إذا كان قانون "جعل السكان أكثر شباباً" ببنوده الـ 70 ستعالج جميع المشاكل والمعضلات التي تواجهها الأسر في ما يتعلق بالخصوبة والإنجاب. وتؤكد أن معظم بنود القانون "تتخذ طابعاً رفاهياً وكان يفترض أن تنفذ قبل سنوات وهي لصالح الأم والطفل والأسر".
ومن المحفزات الأخرى التي يتضمنها القانون إلزام شركات صناعة السيارات في إيران بيع سيارات بأسعار حكومية للأمهات بعد الولادة الثانية، فضلاً عن إلزام الجامعات والحوزات العلمية الدينية ببناء مساكن للطلاب المتزوجين، ورفع الدعم النقدي الشهري للأسر التي أنجبت ثلاثة أولاد وأكثر، ومنح امتيازات للمتزوجين والمتزوجات والذي أنجبوا أطفالاً في التوظيف في المؤسسات الحكومية.
والمشروع الحكومي لزيادة الإنجاب لقي ترحيباً بين الأسر المتدينة أكثر من غيرها، كما تقول أستاذة علم السكان بجامعة طهران زهراء كاظمي بور، التي تؤكد أن الأسر التي تواجه مشاكل اقتصادية لم تتجاوب كثيراً مع المشروع. وتشير البيانات الرسمية إلى تراجع معدل الخصوبة من 6 أطفال قبل خمسة عقود لكل امرأة إلى نحو طفلين خلال العقدين الأخيرين، إذ أنّ إيران لم تستبدل سكانها منذ 15 عاماً. ومعدل الاستبدال أو الإحلال في الديموغرافيا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمعدل الخصوبة الكلية. وفي حال ارتفاع الأخير يرتفع تلقائياً معدل الإحلال ويعوض عن الوفيات بسكان جدد. كذلك، ورد في البيانات الأخيرة للأمم المتحدة أنّ إيران فقدت خلال الأعوام الثلاثين الماضية أكثر من 70 في المائة من نسبة الخصوبة.
وخلال السنوات الماضية، زادت وتيرة هبوط معدل الخصوبة الكلية في إيران ليتراجع من 2.07 طفلين لكل امرأة في سنّ الخصوبة عام 2017 إلى 1.77 طفل عام 2019، بحسب بيانات مركز الإحصاء الإيراني. وتشير دراسات سكانية حديثة إلى أن المعدل أيضاً تراجع خلال عام 2020 إلى 1.7 طفل لكلّ امرأة.
الخطر الأكبر يكمن في أن تراجع معدل الخصوبة الكلية في إيران لا يقتصر على فئة عمرية محددة، بل يشمل جميع الفئات العمرية النسائية من 20 إلى 24 عاماً، و25 إلى 29 عاماً، و30 إلى 34 عاماً، بحسب بيانات مركز الإحصاء الإيراني.
ويستهدف قانون "جعل السكان أكثر شباباً" رفع معدلات الخصوبة والإنجاب في إيران بحسب العضوة السابقة في مجلس النساء الثقافي الاجتماعي الخبيرة فرشته روح أفزا، لكنه يواجه مطبات في التنفيذ أحياناً منها ما يرتبط بتوزيع التمويل في المدن والمحافظات الإيرانية، ومنها ما يتصل بجهل الأسر بالمحفزات لأنها تختلف من مدينة لأخرى. على سبيل المثال، تقول إن في طهران لا تقدم قطعة أرض وإنما شقة سكنية. لكن هناك أسر تتساءل عن سرّ عدم منحها قطعة أرض في العاصمة، وذلك لجهلها بالمحفزات التي تخص كل مدينة دون غيرها.
وتؤكد روح أفزا أن "التحدي الثقافي هو الأهم والأكبر" بين التحديات أمام رفع الخصوبة والإنجاب في إيران، مشيرة إلى أنه منذ سبعة عقود يتم الترويج ثقافياً لخفض المواليد بين الأسر الإيرانية، فتحول ذلك إلى ثقافة يستدعي تغييرها "نشاطاً وحملة ثقافية كبيرة ومستمرة". وترى أن المحفزات التي يقدمها قانون "جعل السكان أكثر شباباً" ليست كافية، داعية إلى القيام بـ"جهود ثقافية وفنية واستخدام السينما والمسرح والموسيقى والدعايات والعالم الافتراضي للترويج لفوائد الإنجاب ووجود الأولاد في الأسر".
وتسلط روح أفزا الشكر خلال حديثها لـ "العربي الجديد" الضوء على هذا الموضوع الأسري المجتمعي، مشيرة إلى أن توعية الشعوب والناس بشأن أهمية بناء الأسرة ووجود الأولاد تساهم في تغيير ثقافة سُوقت عالمياً، تقلل من أهمية الأسرة والإنجاب وتركز على الاهتمام بالذات فقط من دون الغير.
وعند بحث أسباب تراجع الخصوبة والإنجاب في إيران، يمكن الإشارة إلى عوامل اجتماعية واقتصادية، وتغير النظرة الإيجابية تجاه الخصوبة والإنجاب، وتغير نمط الحياة، وارتفاع معدلات الطلاق وتراجع معدلات الزواج، بالإضافة إلى متطلبات الحياة الحضرية في المدن، بما فيها مشاركة النساء في مختلف الشؤون ودخولهن مجالات العمل والتعليم في الدراسات الجامعية العليا.
وتأتي هذه التحولات بينما كان إنجاب عدد كبير من الأطفال قبل أربعة عقود، أمراً مجتمعياً مستحسناً، تقدسه العائلات إلى حدّ كبير. فعندما كانت الزوجات يتأخرن في الإنجاب كانت تلاحقهن شبهة العقم، وكان ينظر إلى الرجل على أنه "مقطوع النسل". لذلك، كان الإنجاب يشكل الأولوية للزوجين بعد تشكيل الأسرة، وهو ما تغير اليوم.