مرّ أكثر من شهر على جريمة القتل التي ارتكبها إسباني يبلغ من العمر 52 عاماً بحق مغربي مهاجر يدعى يونس بلال في في بلدة ماثارون القريبة من مدينة مورسيا، جنوبي إسبانيا، لدوافع عنصرية. هذه الدوافع نفسها أدت إلى جريمة أخرى في إيطاليا بحق مغربي ثان يدعى يونس البوسطاوي.
في الجريمة الأولى، صرخ القاتل الإسباني، الذي ذهب ليحضر مسدسه ويقتل بلال أمام زوجته وزبائن أحد المقاهي: "الموت للمغاربة" علماً أنّ مثل هذه الجرائم تتكرر في إسبانيا خلال العامين الماضيين. وكان الرجل قد أبدى امتعاضه من وجود العديد من المهاجرين المغاربة على شرفة مقهى يرتاده العديد من المهاجرين من أصول مغربية وجزائرية.
وفي 20 يوليو/ تموز الحالي، شهدت بلدية فوجيرا في شمال إيطاليا جريمة راح ضحيتها البوسطاوي، بحسب فيديو نشرته صحيفة "كوريري ديلا سيرا" الإيطالية، بالإضافة إلى رسم يوضح ما حدث. وبغض النظر عن التفاصيل التي تفيد بأنّ البوسطاوي (38 عاماً) يعاني من اضطرابات نفسية وقد تشاجر مع رواد مقهى، ومحاولات اليمين المتطرف اعتبار ما حدث "دفاعاً عن النفس" فإنّ جريمة القتل التي ارتكبها ماسيمو أدرياتيكي من خلال إطلاق النار نحو قلب الضحية مباشرة تعيد طرح ملف تزايد استهداف المهاجرين بقصد الترهيب ومن خلال القتل بحجة الدفاع عن النفس.
وأثارت جريمة قتل البوسطاوي ضجة في إيطاليا على المستويين السياسي والاجتماعي، خصوصاً أنّ القاتل ينتمي إلى حزب "الرابطة" اليميني المتطرف الذي يتزعمه وزير الداخلية السابق ماتيو سالفيني. كما أنّه عضو مجلس بلدي منتخب وشرطي سابق، ما يعني أنه يعرف استخدام السلاح الناري في حالة "الدفاع عن النفس" من دون أن يؤدي ذلك إلى القتل. إلا أنه صوب مسدسه إلى قلب الضحية ليرديه قتيلاً على الفور، قبل أن يتذرع بأن البوسطاوي كان مخموراً، الأمر الذي يطرح المزيد من الأسئلة حول طريقة تعامل الشرطة مع أشخاص مخمورين في أوروبا، إذ لا يجري إطلاق النار عليهم بقصد قتلهم، حتى لو كانوا يهددون حياة الشرطي، بل يمكن إطلاق النار على الساق لوقف هجوم مفترض للضحية.
وعمد سالفيني إلى تبرير القتل والدفاع عن القاتل، داعياً إلى وضع "استراتيجية جديدة ضد الهجرة". واعتبر، على الرغم من الجدال الذي أثاره تزايد حمل السلاح الناري بين الإيطاليين، أن المسدسات "ملاذ أخير للدفاع عن النفس، ولم يكن من الممكن تجنب القتل، بانتظار أن تنهي الشرطة والقضاء التحقيق. هذه الكلمات صدرت عن رجل يسعى إلى رئاسة حكومة تنفذ مشاريعه المتشددة حيال المهاجرين في بلاده. وتشهد إيطاليا تنامي الحركات القومية المتطرفة.
وعلى عكس سالفيني، رفضت الصحافة الإيطالية خطاب الكراهية والتحريض. وأفاد تقرير لصحيفة محلية في ميلانو بأنّ الضحية المغربي "لم يكن يشكل خطراً على حياة أحد. ببساطة، هو شخص يعاني نفسياً، وقد خرج من مصح وكان يجب أن تقدم له المساعدة بدلاً من قتله". وتناول العديد من التقارير حياة المواطن الذي ترك وراءه طفلاً وزوجة وعائلة تقيم في إيطاليا. واعتبر بعضها أنّ البوسطاوي "راح ضحية انتشار السلاح بين الناس". وقبل مقتله بساعات قليلة، كان الحزب الديمقراطي يناقش مشروع قانون لتشديد انتشار السلاح بين الناس، تزامناً مع حملة على مواقع التواصل لوقف حمل السلاح الشخصي. وندد الأمين العام للحزب الديمقراطي الإيطالي، أنريكو ليتا، بالجريمة، داعياً إلى فرض إجراءات مشددة لحصر السلاح بيد الشرطة.
ووضعت السلطات أدرياتيكي تحت الإقامة الجبرية بدلاً من اعتقاله، ما أثار جدالاً أكبر وتحذيراً من "أمركة الساحة الإيطالية" لناحية انتشار السلاح واستخدامه. ويرى متخصصون، بحسب الصحافة الإيطالية، أنّ السلاح في إيطاليا "قنبلة موقوتة" إذ يتكرر استخدامه حتى ضد من يعتقد أنهم لصوص، كما تنظر المحاكم في عدد من القضايا التي استسهل فيها أصحاب المتاجر إطلاق النار والقتل.
وتشير تقارير إيطالية إلى أنّه ما بين عامي 2015 و2018، تم ترخيص 400 ألف قطعة سلاح بحجة أنّ أصحابها يمارسون هواية الرماية، من دون انتسابهم إلى أندية. كما شهد العام الماضي زيادة في منح التراخيص بنحو 10 في المائة. ونقلت صحيفة "لاريبوبليكا" عن أستاذ علم الاجتماع في جامعة "بادوفا" غيامبيرو ديلا زوانا، قوله إنّ حمل السلاح بين الإيطاليين يزداد ليس لأنّ الشعور بالأمان يتناقص مع انتشار الجريمة المنظمة فحسب، بل أيضاً لأنّ هناك توجهاً أكبر نحو التسلح مع ارتفاع نسبة البطالة ونقص الضمان الاجتماعي، ما يترك البعض عرضة للضياع والشعور بالضعف".
من جهته، قال الناشط الإيطالي ضمن حملة منع السلاح، لوكا دي بارتولومي، للصحيفة، إنّ "المجتمع المسلح ليس مجتمعاً آمناً بل مجتمع أكثر عنفاً". ورأى أنّ اعتبار الجناح اليميني المتطرف استخدام السلاح أمراً شرعياً بحجة الدفاع عن النفس، سيزيد من الأسلحة في بيوت الإيطاليين، لافتاً إلى أنّ "ذلك يشكل قنبلة موقوتة في مجتمعنا".