بعد تكرار العدوان الإسرائيلي، أغلقت كثير من المنشآت الاقتصادية في قطاع غزة أبوابها، وسرّحت أخرى العاملين، وما بقي منها أصبح يوظف العاملات بأجور أقل من الرجال.
في أغسطس/آب 2021، قررت الحكومة الفلسطينية في رام الله، رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة تصل إلى 30 في المائة، ليبلغ 524 دولاراً بدلاً من 404 دولارات، على أن يسري القرار مطلع عام 2022، لكن قطاع غزة خارج عن هذه الحسابات، بحكم الانقسام الفلسطيني وحصار الاحتلال المتواصل.
لا تلتزم المنشآت الصناعية والمتاجر في قطاع غزة الحد الأدنى لأجور العاملين منذ سنوات نتيجة تراجع الاقتصاد المحلي وإغلاق المعابر التجارية وتقييد حرية التنقل، إضافة إلى ارتفاع مصاريف التشغيل، ولا يملك العاملون سوى قبول الأجور المتدنية في ظل ارتفاع نسب البطالة.
في قرية جحر الديك شرقي مدينة غزة، تعمل زاهية أبو حمدان (46 سنة) في أرض زراعية بأجرة يومية تصل إلى 20 شيقل (5.5 دولارات)، وتقول إنها كانت تحصل على ضعف هذه الأجرة قبل ثلاث سنوات في مزارع وسط قطاع غزة، لكن تلك المزارع بيعت من أجل بناء مساكن، فوجدت نفسها عاطلة من العمل، وقبلت هذا في العمل زهيد الأجر لأنه قريب من منزلها.
تضيف أبو حمدان لـ"العربي الجديد": "اعتدت العمل فلاحةً منذ 14 عاماً، وأنا ابنة فلاح خرّب الاحتلال أرضنا، ورغم الأجور القليلة فلا يوجد أي ضمان للعمل. في السابق كنت أشرف على العاملات، ثم أصبحت عاملة بأجرة يومية، وحالياً أقبل بأي شيء حتى أعيل أسرتي المكونة من تسعة أفراد، وزوجي فلاح أيضاً".
تبحث الكثير من عاملات غزة عن فرصة عمل يومية في المنشآت الاقتصادية أو التجارية، والغالبية يقبلن بأي أجرة، ويلاحظ أن بعض المحال التجارية استبدلت العمال بالعاملات، وكذا بعض المصانع. وتشير أبو حمدان إلى أن ابنتها البالغة 25 سنة، تعمل في متجر ملابس نسائي بذات قيمة الأجرة.
ويواجه اقتصاد غزة حالة انهيار خلال عام 2022، من جرّاء تعرّض آلاف المنشآت الاقتصادية والخدمية والإنتاجية للتعطّل أو التدمير بسبب الهجمات الإسرائيلية المتكررة خلال سنوات الحصار المتواصل، وإجمالي الخسائر التي لحقت بالقطاع الاقتصادي في القطاع بلغت نحو 400 مليون دولار، حسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.
تعمل الشقيقتان نسرين وجمانة عطية في قطاع التغليف والتعبئة بشركة لإنتاج المواد الغذائية في وسط غزة، وتحصل كل منهما على أجر شهري يبلغ 500 شيقل (138 دولاراً)، لكنهن يعشن في مخيم دير البلح للاجئين الفلسطينيين داخل منزل يضم 14 فرداً، ويعمل شقيقهم الأكبر في البناء ليعيل الأسرة.
بدأت الشقيقتان العمل قبل ثلاثة أشهر عندما أعلنت الشركة حاجتها لعاملات، وذلك رغم علمهن أنها كانت عاجزة عن دفع أجور العاملين في السابق نتيجة الأزمات المالية، لكنهما قبلتا العرض لعدم توافر فرصة عمل بديلة، إلى جانب تأمين الشركة المواصلات اليومية.
تقول جمانة لـ"العربي الجديد": "أنا خريجة كلية تربية تخصص رياضيات، وشقيقتي خريجة تربية تعليم أساسي، وعملنا في كثير من المهن، وبعض المنشآت تستغل حاجة النساء إلى العمل، فتعرض عليهن أجوراً قليلة بحجة أن هذه هي الإمكانات المتاحة، والنساء يقبلن لأنهن يرغبن في مساعدة أسرهن على مواجهة الأزمة المعيشية".
لجأ صفوت عمار، صاحب مصنع خياطة في منطقة عسقولة شرقيّ مدينة غزة، إلى تشغيل النساء بدلاً من الرجال مطلع هذا العام، نظراً للخسائر التي تكبدها خلال العام الماضي، وعدم تسديده ديون الأقمشة. ويؤكد أنه قرر فتح مجال العمل أمام النساء لأنهن بحاجة ماسة إلى العمل، وغالبيتهنّ من المنطقة الشرقية القريبة من المصنع، لكنه لا ينكر أن أجورهن أقل من الرجال.
يشدد عمّار على أن العمال الرجال يبحثون حالياً عن فرص عمل داخل الأراضي المحتلة بعد السماح بذلك، في حين أن الاقتصاد المحلي متضرر نتيجة استمرار الحصار، ما يدفع التجار وأصحاب المنشآت الصناعية إلى البحث عن أيدي عاملة بأجرة أقل.
ويضيف لـ"العربي الجديد": "المصنع بحاجة إلى مبالغ إضافية لاشتراك مولد الكهرباء، ومولد احتياطي في حال توقف مولد المنطقة، إلى جانب غلاء الأقمشة، ما يؤدي إلى زيادة التكلفة. البعض يقول إننا نستغل الظروف المعيشية، لكن ما نفعله هو توفير الأجرة التي بمقدورنا دفعها. أوظف سيدات يساندن أزواجهن، وكثير من أصحاب العمل يميلون إلى تشغيل النساء مع تأمين المواصلات لهنّ، لكن الطلب على المنتج المحلي محدود، وهناك التزامات كثيرة على المصانع، وتراكمت علينا كثير من التزامات العام الماضي، حتى ظن بعض العاملين أنني أتهرب من دفع أجورهم".