يعد تقلب المزاج أمراً عادياً يعاني منه العديد من الأشخاص حول العالم بسبب تبدل الظروف المعيشية والاجتماعية، ولكن في بعض الأوقات يعد تقلب المزاج دليلاً على إمكانية أن يكون الفرد مصاباً بـ"اضطراب ثنائي القطب"، خاصة إن كان مزاجه يتقلب بين الهوس والاكتئاب الشديد.
تشير بيانات صادرة عن منظمة "سينغل كير" الطبية الأميركية إلى أن 46 مليون شخص حول العالم يعانون من "اضطراب ثنائي القطب"، فيما تلفت تقارير المعهد الأميركي للصحة النفسية إلى أن نحو 7 ملايين بالغ في الولايات المتحدة يعانون من الاضطراب ثنائي القطب سنوياً، ما يعادل نحو 2.8 في المائة من عدد السكان البالغين، أي أن ما يقارب 4.4 في المائة من الأميركيين سيعانون من هذا الاضطراب في مرحلة ما من حياتهم.
تعرّف أستاذة الطب النفسي، لينا عبود، اضطراب ثنائي القطب بأنه نوع من أنواع الأمراض العقلية التي تتسبب في تغيرات غير عادية في مزاج الشخص وطاقته ومستويات نشاطه وتركيزه، ويمكن أن تحد هذه التغيرات المزاجية، من قدرة الإنسان على تنفيذ المهام اليومية.
تقول عبود لـ "العربي الجديد": "يكمن السبب الرئيسي لوجود المرض في وجود خلل في الناقل العصبي (الدوبامين)، وهو مادة كيميائية في الدماغ، ويتسبب نقصه في زيادة حالات الاكتئاب لدى الأشخاص. هناك نوعان من هذا الاضطراب، هما اضطراب ثنائي القطب من النوع الأول، واضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني، ويتم تشخيص اضطراب النوع الأول عندما يعاني الشخص من نوبة هوس، ويعاني الأشخاص المصابون به من زيادة شديدة في الطاقة، كما يعاني بعضهم أيضاً من نوبات اكتئاب، أو هوس خفيف، وعادة ما تستمر النوبات لأسبوع تقريباً، ما يجعل الشخص سريع الانفعال، ويمكنه البقاء مستيقظاً لساعات طويلة، أو الشعور بالراحة والحيوية، بالإضافة إلى زيادة أو سرعة الكلام، ويمكن أن تدفعه الزيادة في النشاط إلى خوض مغامرات محفوفة بالخطر".
وتضيف أنه "في النوع الثاني من اضطراب ثنائي القطب، يعيش المريض نوبات كبيرة من الاكتئاب، وترافقها لاحقاً نوبات هوس خفيفة، وغالباً ما يسعى الأشخاص المصابون بهذا النوع من الاضطراب إلى علاج حالات الاكتئاب، على اعتبار أن نوبات الهوس تكون خفيفة، ويمكن السيطرة عليها".
وبحسب المعهد الأميركي للصحة النفسية، فقد يعاني مريض اضطراب ثنائي القطب من أمراض أو اضطرابات عقلية أخرى، مثل القلق، أو نقص أو فرط النشاط (ADHD)، أو اضطرابات الأكل، وفي بعض الأحيان، يعاني المصابون بنوبات الهوس أو الاكتئاب من أعراض الذهان، والتي قد تشمل الهلوسة أو الأوهام، كما أن نوبات الاكتئاب الحادة قد تؤدي بهم في بعض الأحيان إلى تخيل أشياء غير موجودة.
يمكن أن يساعد النظر إلى أعراض الشخص خلال فترة المرض، وكذا فحص تاريخ عائلته، مقدم الرعاية الصحية في تحديد ما إذا كان الشخص مصاباً بالاضطراب ثنائي القطب، أو باضطراب آخر. ويتفق الباحثون الذين درسوا الأسباب المحتملة للاضطراب ثنائي القطب على أن هناك العديد من العوامل التي من المحتمل أن تساهم في إصابة الشخص، من ضمنها بنية الدماغ، وطريقة عمله، إذ تظهر بعض الدراسات أن أدمغة الأشخاص المصابين تختلف عن أدمغة الأشخاص العاديين، كما تلعب العوامل الوراثية دوراً في الإصابة، إذ أن التاريخ العائلي لمرضى الاضطراب العقلي له تأثير، وتظهر الأبحاث أن الأشخاص الذين يعاني أحد والديهم أو أشقاءهم من الاضطراب ثنائي القطب تكون إمكانية إصابتهم أكبر.
لا يوجد علاج واحد لهذا الاضطراب، إذ عادة ما يتم وصف العلاج بحسب طبيعة المرض، ومدى قوته. تقول الطبيبة لينا عبود: "ينبغي معرفة نوعية الاضطراب من أجل معرفة كيفية التعاطي معه، ويتطلب ذلك زيارة الأخصائي لتحديد ماهية الاضطراب، ومدى خطورته، ثم يتطلب الأمر القيام ببعض الفحوص الطبية، ومن بعدها يتم تحديد نوع العلاج. بالمجمل تعد أدوية الاكتئاب والهذيان من أهم العلاجات التي يتم وصفها للمريض، خاصة إن كانت نوبات الاكتئاب التي يعيشها شديدة، أو يشعر بهلوسات، أو يفكر بطريقة سلبية، كالتفكير في الانتحار، وبالتالي فإن استخدام أدوية الاكتئاب خطوة أساسية، وتتبعها الأدوية الخاصة بالهذيان".