تلعب الأخطار المحدقة بالطيور المهاجرة دوراً بارزاً في الانتقاء الطبيعي، حيث إن مقولة "الحياة للأقوى" تنطبق على الطيور التي تتعرض للأخطار التي تسببها العوامل الطبيعية، لكن الأمر يختلف عند وجود أخطار تعود في أصل أسبابها إلى البشر. في السبعينيات كنت أُعدّ رسالة الدكتوراه عن الطيور في فرنسا، وسألت أستاذي عن أهم أسباب موت الطيور هناك، وكنت أتوقع أن يقول لي إنه الصيد، لكنه قال إنها رياح الميسترال الباردة الشمالية التي تدخل إلى مسافة 100 كلم تقريباً في عرض البحر الأبيض المتوسط في الشتاء، وفي بداية الربيع، والتي تقتل معظم الطيور التي تصادفها فوق البحر في طريق عودتها من مواطن الإشتاء الأفريقية إلى مواطن التفريخ الأوروبية. ولحسن الحظ، إن معظم أوقات هذه الرياح ليس في موسم عودة الطيور إلى فرنسا، وهي أيضاً لا تحدث بالضرورة في كل يوم من السنة. هذا النوع من الخطر ليس من فعل الإنسان، تماماً كالافتراس والجوع، لكن الطيور تقع كل يوم تحت خطر أفعاله المتعددة التي لا تنتهي، فهنالك طيور تصطدم في الليل بالمباني الشاهقة، فتقع ميتة، وأخرى تصطدم بالزجاج الذي لا تراه في بعض الأحيان، وغيرها يتسمم بالمبيدات التي تُرَشّ بها المزروعات.
كذلك قد تموت الطيور من جراء الأمراض، كالتسمم الغذائي، وكوليرا الطيور، وإنفلونزا الطيور، والسالمونيللا، وحمى الوادي المتصدع. أما الخطر الأكبر، فهو تفكك موائلها بسبب التمدد العمراني والزراعي على حساب بيئاتها الطبيعية، وبسبب الإزعاج والقلق الذي يحدثه الإنسان. كل هذه الأسباب المتراكمة تؤدي إلى ما لا تُحمَد عقباه.
على الرغم من صعوبة معرفة أعداد الطيور النافقة في مختلف القارات، فإن أقل تقدير جُمع من دراسات أميركية وأوروبية، أن هنالك نفوقاً سنوياً لـ2900 مليون طائر من جراء الاصطدام بالأبنية والزجاج، أو بمراوح الطاقة، أو ألواح الطاقة الشمسية، أو أعمدة المحولات الكهربائية، وهنالك نحو 320 مليون طائر يموت سنوياً من جراء الاصطدام بأسلاك الكهرباء. أما السيارات، فتقتل نحو 180 مليون طائر سنوياً، بينما الطائرات تودي بحياة نحو 4 ملايين طائر سنوياً، منهم 330 ألفاً في الولايات المتحدة وحدها.
النفوق الناتج من استخدام الإنسان للمبيدات يبلغ في أقل تقدير نحو 175 مليون طائر سنوياً، وهو تقدير لا يشمل الطيور التي تموت بعد مدة في أماكن أخرى من جراء التسمم بالمبيدات، ولا يشمل الأمراض العصبية التي تلحق ببعض الطيور من جراء التسمم.
وهنالك طيور أصبحت على شفير الانقراض بسبب الأدوية الموجودة في أجسام الماشية الميتة، وخاصة دواء "ديكلوفيناك"، وبعض أدوية الالتهابات غير الستيرودية التي تقتل النسور التي تتغذى على هذه الحيوانات الميتة، وسجلت حالات موت كبيرة تتعدى ثلاثة ملايين طائر عند حدوث تلوث ببقع نفطية، لكن هذه الحالات بدأت تنخفض أخيراً، نظراً للاحتياطات التي تتخذ في خطط الطوارئ.
وقد يشعر البعض بالاستغراب عندما يعلمون أن القطط المنزلية في الأرياف والمدن تقتل سنوياً مئات الملايين من العصافيرالصغيرة، وكذلك تفعل شباك الصيادين في البحار عندما تعلق بها عرضاً الطيور البحرية، ويقتل الصيادون في العالم مئات الملايين من الطيور، منهم 52 مليوناً في أوروبا، و25 مليوناً في حوض البحر المتوسط، منها 5.7 ملايين في مصر، و5.6 ملايين في إيطاليا، و3.9 ملايين في سورية، و2.5 مليون في لبنان.
ويبقى أن نشير إلى أن علاج كل هذه المشاكل لا يمكن أن يكون دون أبحاث علمية، لأن معظم الحلول بحاجة حتمية إلى سند علمي، سواء كان السبب الاصطدام بالأبراج أو الطائرات أو مراوح الطاقة وألواحها. أما في ما يتعلق بالصيد غير القانوني، فيجب تنفيذ خطة روما الاستراتيجية الموضوعة للأعوام 2020 إلى 2030، للتخفيف من عواقب الصيد غير القانوني، والتجارة غير القانونية بالطيور البرية في أوروبا وبلدان حوض المتوسط.
(متخصص في علم الطيور)