أثارت تعديلات مقترحة على قانون الضمان الاجتماعي في الأردن، جدلاً وحالة من الرفض، وبينها إلغاء التقاعد المبكر ورفع سنّ التقاعد واحتساب راتب التقاعد وفقاً لمتوسط أجور المؤمّن عليه طوال مدة اشتراكه بالضمان. وأوضح مدير مؤسسة الضمان الاجتماعي حازم الرحاحلة، في تصريحات صحافية، أن "التعديلات المقترحة تنص على رفع سن تقاعد الشيخوخة للذكور من 60 إلى 62 عاماً، والإناث من 55 إلى 59 عاماً، لمن تقلّ اشتراكاتهم عن 36 شهراً (3 سنوات)، وإلغاء التقاعد المبكر لكل من تقلّ اشتراكاته عن 84 شهراً (7 سنوات).
وأعلن أن "التعديلات المقترحة على القانون تهدف إلى تعزيز ركائز الحماية الاجتماعية، وتحقيق الأمان الاقتصادي والاجتماعي للمشتركين وأفراد أسرهم والمتقاعدين"، مشيراً إلى أنّ الحد الأدنى لراتب التقاعد بعد تعديل قانون الضمان الاجتماعي سيكون 200 دينار (280 دولاراً)"، علماً أن المؤسسة تقدر عدم شمول خدمات الضمان نسبة 35 في المائة من العاملين.
وتبلغ نسبة الاقتطاع الشهري لصالح مؤسسة الضمان الاجتماعي في الأردن 21.75 في المائة من الأجر الشهري للعامل، ويسدد صاحب العمل نسبة 14.25 في المائة منها، والمؤمن نفسه 7.5 في المائة.
يقول المواطن وسام عبد الله (27 عاماً) لـ"العربي الجديد": "يجب أولاً توفير عمل للأردنيين، أو تقديم معونات بطالة كما في غالبية دول العالم، قبل المبادرة إلى تعديل سن التقاعد ورفعه". يضيف: "تهتم غالبية المؤسسات الحكومية بالجباية وتحصيل الأموال من جيوب المواطنين، ومؤسسة الضمان الاجتماعي تحديداً تريد أن يعمل المشترك 30 أو 40 عاماً لمنحه تقاعداً لسنوات قليلة قبل أن يموت، وهذه معادلة ظالمة".
ويذكر محمد المناصير (32 عاماً)، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه يعمل في شركة منذ عامين، وأنه وفق المقترحات الجديدة سيحتاج إلى العمل 30 عاماً قبل التقاعد، ويعلّق بالقول: "واضح أن المعادلة لا تهتم بالمواطنين بقدر مصالح المؤسسات الحكومية، لذا أرفض التعديلات الجديدة، وأطالب أيضاً برفع رواتب التقاعد التي لا يزيد بعضها على 250 دولاراً".
ويرى مدير مركز دراسات بيت العمال والأمين العام السابق لوزارة العمل حمادة أبو نجمة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الأردنيين يحتاجون إلى منهجية واضحة للتعديلات التي تحصل عبر اجتهادات فردية، علماً أن التعديل الأخير على القانون أجري عام 2019، وهذه ليست فترة بعيدة".
ويدعو إلى "إجراء حوار وطني شامل للبنود بمشاركة جميع الأطراف قبل تقديم المقترحات التي يجب أن ترتبط أيضاً بدراسات وبيانات تلبي احتياجات كل أفراد المجتمع، وتحقق الطموحات والأهداف المنشودة. وقد تظهر المناقشات الحاجة إلى تعديل كافة مواد القانون أو العكس، أو أن لا حاجة لتعديل القانون الحالي للتعامل مع كل القضايا المرتبطة بالضمان الاجتماعي".
يضيف: "يجب أن ينطلق أي تغيير من أصحاب المصلحة، أي المواطنين أنفسهم والمشتركين والمنتفعين"، فيما أشاد باقتراح رفع الغرامات المفروضة على المتهربين من تأمين الضمان.
ويوضح أن صاحب المؤسسة يجب أن يدفع نحو 23 في المائة من معدل أجور العمال للضمان، وهذا كثير، علماً أن التأمين الصحي سيرفع الاشتراكات بمعدل 3 في المائة، في وقت يطالب البنك الدولي الأردن بخفض هذه الاشتراكات التي يعتبر أنها تعوق الاستثمار، وجعل خدمات الضمان أكثر شمولاً.
وفي شان مقترح رفع سنّ تقاعد الرجال إلى 62 عاماً، والنساء إلى 59 عاماً، يعتبر أن "هذا الأمر يناسب الدول الأوروبية التي تشهد معدلات أعمار مرتفعة لسكانها، في حين أنه أقل بنحو 10 سنوات بالنسبة إلى سكان الأردن".
يضيف: "لا يملك الأردن ضماناً اجتماعياً رغم تسميته بذلك، بل تأمينات اجتماعية لمن يعملون مقابل أجور، بينما يشمل الضمان الاجتماعي جميع المواطنين من يوم مولدهم، وحتى الوفاة، ولا ينحصر في العمال فقط، ويجب أن يموّل من خزينة الدولة وأموال الضرائب التي تجبى من الناس، وليس من اشتراكات العمال".
من جهته، يقول خبير التأمينات والحماية الاجتماعية الحقوقي موسى الصبيحي لـ"العربي الجديد": "لا يحتاج قانون الضمان الاجتماعي إلى تعديلات متسرّعة حالياً، بل ضبط آليات التنفيذ وإدارة منظومته التأمينية والاستثمارية معاً، وتصحيح بعض المسارات الخاطئة خلال السنوات الأخيرة. وبعد ذلك يمكن إخضاع قانون الضمان لمراجعة شاملة ومتأنية لكل الأنظمة الصادرة، ولا سيما شمولية التأمينات والمنافع".
يتابع: "لا يجوز تعديل القانون بلا دراسات تُظهر الأثر المالي والمجتمعي، علماً أن الأحاديث الحالية ترجح الدفع في اتجاه تطبيق تعديلات قاسية لتعزيز موجودات المؤسسة التي يحتمل أن تواجه مشاكل في المستقبل".
وحول رفع سنّ التقاعد، يؤكد الصبيحي أن "هذا التعديل غير مقبول لدى المجتمع في وقت قد يبدأ شمول العمال المؤمنين في سن الـ 16، ما يعني أن أشخاصاً سيحتاجون إلى 46 عاماً من العمل للحصول على تقاعد. وحتى خريج الجامعة الذي يبدأ العمل في سنّ الـ22 سيبقى نحو 40 عاماً في وظيفته. والمعاناة المرتقبة من التعديلات ستنعكس على سوق العمل، وتزيد الفقر والبطالة، علماً أنه لا يجوز مقارنة الأردن بأوروبا، في ظل اختلاف معدل الأعمار والرفاه الاجتماعي".
ويعتبر أن "الضوابط الحالية الموضوعة على التقاعد المبكر أكثر من كافية لضبط المسألة، ما لا يستدعي رفع سن التقاعد، أما بالنسبة إلى الرواتب، فالقانون الحالي يتيح رفع الرواتب التقاعدية ومراجعتها كل 5 سنوات من قبل مجلس الوزراء، بما يتناسب مع حجم التضخم".
ويرى أن التعديلات المستمرة على القانون تفقد الثقة المتبادلة بين المؤمنين ومؤسسة الضمان الاجتماعي، وأيضاً بين المؤسسة وأصحاب العمل.
ويطالب مؤسسة الضمان الاجتماعي "بالكف عن الإنفاق من أموال المشتركين، علماً أن نفقاتها على برامج جائحة كورونا خلال عامين ونصف عام بلغت 850 مليون دينار (1.2 مليار دولار)، وبينها نحو 80 مليوناً (112 مليون دولار) لم تسترد، إضافة إلى صرف ملايين الدنانير لشركات وهمية خلال الجائحة، وهذا كله أثر في شكل مباشر وغير مباشر بالمركز المالي، علماً أن استثمار أموال الضمان تجاوز على القانون حتى لو كان تحت مظلة أوامر الدفاع، وهذا دور الحكومة وليس مؤسسة الضمان".
يضيف: "أموال الضمان هي بمثابة أموال أوقاف، وهي ترتبط باستفادة المشتركين منها وفقاً لأحكام لقانون، وضمن ضوابط المنافع التأمينية وشروطها، ولا يملك أحد حق المسّ بهذه الأموال مهما كانت الحجج والذرائع".