تتسع دائرة البطالة بين خريجي الجامعات في الأردن يوماً بعد يوم، بسبب عدم قدرة الاقتصاد على خلق فرص عمل تقترب من عدد الخريجين، كما أن لا تنسيق بين اختصاصات التعليم وسوق العمل، ما يحتم اصطفاف مئات آلاف من الشبان الخريجين في طابور البطالة.
ويبدو جلياً أن الاستثمار في التعليم العالي أصبح وبالاً على الطلاب وأهاليهم، ليس في التخصصات الأكاديمية الإنسانية فقط، بل أيضاً في العديد من التخصصات العلمية مثل الهندسية والعلوم.
ويبلغ اليوم عدد الطلاب على مقاعد الدراسة في الجامعات الأردنية 344 ألفاً و796 طالباً وطالبة، وفق بيانات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، في وقت يدرس 250 ألفاً و137 طالباً وطالبة في الجامعات الحكومية الرسمية، و94 ألفاً و659 طالباً وطالبة في جامعات خاصة.
وقد تقدم حوالي 204 آلاف طالب إلى امتحانات الدراسة الثانوية العام الحالي، فيما أعلن رئيس ديوان الخدمة المدنية المسؤول عن التوظيف الحكومي، سامح الناصر، عن وجود 455 ألف طلب توظيف لجامعيين وحملة شهادات في ديوان الخدمة المدنية، "ما يعني أننا نقترب من مليون شاب عاطلين عن العمل، أو لا يعملون في تخصصاتهم".
ووفق دائرة الإحصاءات العامة، بلغ معدل البطالة في الربع الأول من العام الحالي 22.8 في المائة، علماً أنه مرتفع جداً بين حاملي الشهادات الجامعية، وصولاً إلى نحو 26.6 في المائة مقارنة بباقي مستويات التعليم، كما يقدر بـ78.7 في المائة بين الإناث، و24.6 في المائة بين الذكور.
يخبر علي العبادي الذي يحمل شهادة في نظم المعلومات الإدارية "العربي الجديد" أنه يقف منذ 10 سنوات في صفوف البطالة، ولم يجد أي عمل يحقق له الاستقرار، فيما عمل مرات خارج تخصصه من دون أن يحقق هدف تأمين احتياجاته اليومية. وهو يصف المستقبل بأنه "قاتم، إذ ينحصر الأمل بالقدرة على الهجرة، أو السفر".
أما محمد الزيود الذي يحمل شهادة جامعية في الاقتصاد، فيقول لـ"العربي الجديد": "لم يحصل خريجون منذ 20 عاماً على عمل، وأنا أزاول حالياً مهنة سائق تاكسي لمجرد تأمين مصروفي اليومي، وأرى أن انتظار الوظيفة حلم ليس أكثر".
وتروي ميساء سليمان، وهي خريجة جامعية في الهندسة المدنية، لـ"العربي الجديد"، أنها تخرجت قبل أكثر من 7 سنوات، ولم تحصل على وظيفة حكومية، في حين تشتكي من أن "المنافسة غير عادلة في القطاع الخاص الذي يفضل الذكور على الإناث"، وتبدي بالتالي تشاؤمها بالمستقبل.
ويقول الناطق الإعلامي باسم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور مهند الخطيب، لـ"العربي الجديد"، إن "الوزارة تتخذ إجراءات تنفيذية وأخرى تهدف إلى التوعية لمواجهة هذه الأوضاع". ويوضح أنه "على صعيد الاجراءات التنفيذية، تحث الوزارة الجامعات على استحداث تخصصات جديدة تلبي احتياجات سوق العمل، وتسهيل منح تراخيص لتدريس هذه التخصصات، في حين ترفض إنشاء تخصصات مكررة أو راكدة أو مشبّعة. كما اتخذت سابقاً قرار خفض عدد المرشحين المقبولين في التخصصات الراكدة والمشبعة بنسبة 35 في المائة للحدّ من البطالة".
ويؤكد استحداث تخصصات جديدة، بعد إعداد دراسات جدوى اقتصادية تفصيلية تظهر حاجة سوق العمل المحلية والعالمية ومجالات العمل المتاحة، وذلك بالتعاون مع ديوان الخدمة المدنية ووزارة العمل، وجهات معنية أخرى.
ويكشف أيضاً أن الوزارة تعمل لتوعية الناجحين في امتحان الثانوية العامة، وإطلاعهم على التخصصات المطلوبة من اجل الإقبال عليها، وتلك الراكدة والمشبعة للابتعاد عنها عبر نشر قائمة بها على الموقع الإلكتروني لوحدة تنسيق القبول.
من جهته، يتحدث مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية أحمد عوض، لـ"العربي الجديد"، عن أن "الأمور صعبة، ليس بسبب أرقام البطالة العالية، بل بسبب سياسات الاستجابة الضعيفة، فكل الخطط واستراتيجيات التشغيل التي تعلنها الحكومة وتطبقها لا تخفف حدة الصعوبات المستقبلية التي يواجهها الشباب".
يضيف أن "إحصاءات تكشف أن 63 في المائة من الشباب الأردنيين يرغبون في الهجرة، والمشكلة عميقة، ما يرجح بلوغ ظروف أكثر صعوبة، باعتبار أن البطالة ستبقى مرتفعة. وإذا ارتفعت أكثر من معدلها الحالي البالغ 23 في المائة، فسنبلغ مرحلة الانهيار الكامل".
ويعلّق على برامج التشغيل التي تعتمدها الحكومة بأنها "باتت قديمة، إذ تنحصر في ربط أصحاب العمل بمن يبحثون عن عمل. وهذه فعلياً ليست سياسات تشغيل، بل إدارة للموار البشرية، علماً أن حوالي 120 ألف طالب يتخرجون سنوياً في الأردن، فيما لا يتم إنتاج أكثر من 40 ألف فرصة عمل سنوياً في أحسن الظروف".
ويعتقد عوض بأن "توسيع مجالات التعليم الجامعي ومؤسسات التعليم الجامعية الخاصة يجعلنا نخسر في اتجاهين، أولهما تكريس فكرة أن الشهادة الجامعية تشكل صمام الأمان ومفتاح النجاح، في حين أن هذا الأمر غير صحيح على أرض الواقع، فغالبية فرص العمل التي تنشأ في الأردن تشمل مجالات تقنية ومهنية. وهكذا بات معظم خريجي الجامعات يعملون على تطبيقات النقل والتوصيل التي لا تحتاج الى دراسات جامعية".
يتابع: "يبيع الأردنيون أراضيهم وبيوتهم وذهبهم كي يحصل أبناؤهم على شهادات جامعية، ثم لا يجد الأبناء عملاً غالباً، أو لا يعملون في تخصصاتهم. والرابح هنا ليس الاقتصاد الوطني، بل أصحاب الجامعات".
ويطالب الحكومة بزيادة الاستثمار في التدريب المهني، وإعادة النظر في سياسات توسيع التعليم الجامعي. ويقول: "واضح أن استمرار بطالة خريجي الجامعات بمعدلات مرتفعة سيتسبب في انعكاسات سلبية اجتماعية وسياسية واقتصادية، فعدم توظيف الطاقات الشبابية يعني أنها قد تذهب إلى اتجاهات تثير القلق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي".