يشهد اليمن أمطاراً موسمية، يتوقّع خبراء أن تشتدّ حدّتها في الأيام المقبلة. وبحسب التقديرات الأولية، سوف تستمرّ نحو 14 يوماً، لكنّ ثمّة توقّعات بأن تُسجَّل موجات لاحقة حتى نهاية أغسطس/ آب الجاري.
خلّفت الأمطار والسيول التي تشكّلت من جرّائها قتلى وجرحى في مختلف المحافظات اليمنية، إلى جانب أضرار مادية يتفاوت حجمها. ويأتي ذلك في سياق منخفض جوي بدأ يضرب البلاد يوم الإثنَين الماضي، من المتوقّع أن يستمرّ هطول الأمطار حتى منتصف أغسطس/ آب الجاري على أقلّ تقدير، بحسب ما يفيد خبراء في مجال الأحوال الجوية.
وقد شهدت المحافظات اليمنية بمعظمها أمطاراً غزيرة في الأيام الماضية أدّت إلى فيضانات، في ظلّ تردّي البنى التحتية من جرّاء الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من سبعة أعوام بالإضافة إلى إهمال السلطات، الأمر الذي يزيد الوضع سوءاً.
وأفادت مصادر محلية وطبية في مديرية المحابشة بمحافظة حجة، شمال غربي اليمن، "العربي الجديد"، بأنّ الأمطار التي هطلت عصر أوّل من أمس الثلاثاء، جرفت أسرة بكاملها كان أفرادها في داخل منزلهم. وفي حين انتشل الأهالي جثث خمسة من هؤلاء، فإنّهم ما زالوا يبحثون عن الضحايا الآخرين. أضافت المصادر نفسها أنّ السيول أدّت كذلك إلى جرف مزارع وأشجار ومواشٍ تعود الأهالي، في حين تسبّبت في أضرار بمزارع القات المنتشرة بالمنطقة. وفي مديرية الشاهل بمحافظة حجة، أفاد مكتب الصحة في أحد بياناته بأنّ انهياراً صخرياً وقع في منطقة جبل مديخة أدّى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى.
ولم تقتصر الأضرار المسجّلة على أكثر من صعيد، على المديريتَين المذكورتَين، بل شملت مديريات محافظة حجة بمعظمها متسبّبة في أضرار متفاوتة، من بينها انهيارات صخرية تسبّبت في قطع طرقات بالإضافة إلى جرف العديد من المدرجات الزراعية.
أمّا في محافظة الجوف، كبرى المحافظات لجهة المساحة في شمال اليمن، فقد شهدت المديريات كلها أمطاراً غزيرة تبعها تدفّق للسيول المتشكّلة من المرتفعات الجبلية الغربية والجنوبية الغربية والشمالية الغربية، الأمر الذي تسبّب في وفيات وإصابات وانهيار منازل.
في هذا السياق، يقول الصحافي علي العنثري لـ"العربي الجديد" إنّ "السيول التي تدفّقت عبر خمسة وديان رئيسية وممرّات مائية صغيرة أخرى آتية من محافظات صعدة وعمران وصنعاء، غمرت مدينة الحزم مركز محافظة الجوف، وتسبّبت في انهيار مبانٍ وأغرقت محال تجارية وخلّفت أضراراً مادية كبيرة من جرّاء ارتفاع منسوب المياه".
ومع بداية المتساقطات، عرف اليمنيون في مديرية الحزم أوقاتاً صعبة، وقد اضطرّ عدد منهم إلى مغادرة منازلهم واللجوء إلى منازل أقارب لهم، فيما لازم آخرون منازلهم في ظلّ خوف شديد، بحسب عدد من سكان المديرية. في هذا الإطار، يقول محمد غالب وهو من سكان مدينة الحزم ويملك بسطة خضراوات: "كانت الأمطار غزيرة، لكنّنا لم نتوقّع أن تأتي السيول بهذا الشكل، فقد جرفت كلّ شيء أمامها. والبسطة التي أعمل عليها وهي مصدر رزقي، جُرفت كذلك".
يضيف غالب أنّ "السلطات (الحوثيون الذين يسيطرون على معظم المحافظة) غابت، فيما تشكّلت لجان من مواطنين متطوعين عمدوا إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه. وقد بادر بعض أصحاب معدّات الحفر والجرافات بفتح ممرّات للمياه المتدفقة بهدف حماية منازل الأهالي".
وتسببت السيول المتدفقة بجرف الطريق الرئيس الذي يربط محافظة الجوف بصنعاء، كما قطعت كل الطرق الصحراوية التي تربط مأرب بالجوف، متسببة في إعاقة وصول البضائع والمسافرين إلى مدينة مأرب المكتظة بالنازحين، وفقا لمسافرين.
من جهة أخرى، توفيت طفلتان وأصيبت أمهما وكذلك ثلاثة من إخوتهم الأطفال كذلك، من جرّاء صاعقة أصابت منزلاً في ريف محافظة إب، وسط البلاد، بالتزامن مع تسرّب من أسطوانة الغاز المنزلي. وفيما احترق منزل العائلة المنكوبة من الداخل، توصَف حالة المصابين بأنّها حرجة.
كذلك تدفّقت السيول في مدينة مأرب، شرقي البلاد، التي تضمّ أكثر من مليونَي نازح وفق البيانات الحكومية، عقب أمطار غزيرة شهدتها المحافظة ومرتفعاتها الشمالية والغربية، متسببة في أضرار بالخيام ومنازل الصفيح والطين التي يقطنها هؤلاء في عدد من المخيّمات المحيطة بمركز المحافظة التي تحمل الاسم نفسه.
وأوضحت وحدة النازحين في محافظة مأرب أنّ عدداً من المخيمات البالغ عددها 175 مخيّماً تضرّرت بشكل جزئي، لا سيّما مخيمات مديرية رغوان الواقعة شمال غربي المحافظة. وقد أطلقت الوحدة نداءً لإنقاذ السكان الذين يعيشون في مساكن هشّة.
وقد حذّر المركز الوطني للأرصاد الجوية من أمطار غزيرة مصحوبة بعواصف رعدية أحياناً على هضاب وصحارى محافظات المهرة وحضرموت وشبوة وأبين والبيضاء ومأرب والجوف. كذلك توقّع هطول أمطار متفاوتة الغزارة يصحبها الرعد والبَرَد أحياناً على المرتفعات الجبلية لمحافظات لحج وتعز وإب والضالع وريمة والمحويت وحجة وذمار وصنعاء وعمران وصعدة. وبيّن أيضاً احتمال هطول أمطار متفاوتة الشدّة على السواحل الشرقية والجنوبية والغربية والمناطق الداخلية المحاذية.
تجدر الإشارة إلى أنّ اليمن شهد في الأسبوعَين الماضيَين موجة أمطار في مختلف المحافظات، أسفرت عن 29 وفاة من جرّاء السيول والانهيارات الصخرية في محافظات المحويت وريمة والبيضاء وصنعاء وذمار، وقد أعلنت الأمم المتحدة في السياق أنّ نحو 86 ألف يمني من بينهم أكثر من عشرة آلاف نازح تضرّروا بسبب الأمطار الغزيرة والفيضانات في خلال تلك الفترة. وأوضح نائب المتحدث الرسمي باسم الأمم المتحدة فرحان حق، في مؤتمر صحافي، أنّ العاملين في المجال الإنساني أفادوا بأنّ تلك الأمطار والفيضانات ألحقت أضراراً بالغة بالبنية التحتية العامة ومواقع النازحين والممتلكات الخاصة. وأشار إلى أنّ الفيضانات في اليمن تشكّل تهديداً موسمياً، مضيفاً أنّه "لسوء الحظ، تعاني قطاعات عديدة في خطة الاستجابة الإنسانية التي تتصدّى للفيضانات من نقص حاد في التمويل".