في الخامس والعشرين من شهر يوليو/ تموز 2021، وعند الساعة الثامنة وعشرين دقيقة، كان زوجان إيرانيان (72 عاماً و67 عاماً) جالسين في بيتهما في منطقة زرين دشت شرقي طهران، حين انخسفت الأرض وصارا تحت الأنقاض. يقول المواطن الإيراني حسين لطفي وهو من مدينة فيروزكوه (محافظة إيران) إنه عرف بهذا الحادث المؤلم فهرع إلى المنطقة لمعرفة تفاصيله. ويوضح في حديثه لـ "العربي الجديد" أن فريقاً من قوات الإغاثة والإنقاذ التابعة لجمعية الهلال الأحمر في فيروزكوه توجه سريعاً إلى القرية وتمكن من إنقاذ المسنّين من تحت الأنقاض. ويشرح أنهما أصيبا بجروح طفيفة، لكنهما نجوَا من الحادث بسبب سرعة تدخل قوات الإنقاذ. ويشير إلى أن هذا الانخساف أثار مخاوف لدى سكان المنطقة من احتمال تكرار هذه الحوادث لاحقاً في هذه المنطقة الجبلية.
مثل هذه الانخسافات (انهيار مفاجئ أو نزول تدريجي لسطح الأرض مع تحرك أفقي ضعيف أو منعدم) يتكرّر في إيران، وخصوصاً في محافظة طهران. ومن حين إلى آخر، يُعلن عن حادث من هذا القبيل هنا وهناك، الأمر الذي يكشف عن خطر كبير يهدد 44 منطقة محددة في إيران، هي الأكثر عرضة للانخساف الأرضي، بحسب بيانات السلطات. ووصل الانخساف الأرضي في البلاد إلى درجة بات يطلق عليه خبراء ومتخصصون مصطلح "الأزمة". وكثيراً ما تشهد طهران هذه الظاهرة ويحذّر خبراء من "قنبلة موقوتة" تهدد العاصمة.
يقول المدير العام لقياس الأرض والمسح الأرضي في منظّمة المسح الإيرانية عبد الرضا سعادت إنّ الأرض سجلت انخسافاً في منطقة طهران لأول مرة قبل عشرين عاماً، وذلك في شمال شارع أزادغان السريع، مشيراً إلى أن هذه المنطقة سجلت هبوطاً لسطح الأرض بما يعادل 1.2 متر خلال عشر سنوات (من 1992 وحتى 2002). وتشير الأبحاث الدولية إلى أن الهبوط الأرضي 4 ميليمترات يرتقي إلى مستوى الأزمة، علماً أن النسب المسجلة في إيران تفوق ذلك بـ140 ضعفاً، وسجلت خلال العقد الأخير أرقاماً قياسية مرتين على مستوى العالم. وعام 2010، شهدت طهران أكبر هبوط أرضي في العالم وصل إلى 36 سنتيمتراً. وعام 2015، سجّلت منطقتا فسا وجهرم جنوبي إيران العدد الأعلى في العام بـ 54 سنتيمتراً. وتهدد ظاهرة هبوط سطح الأرض المناطق الحساسة المكتظّة بالسكان في المدن، وخصوصاً في المدن الكبرى، ما يستدعي اهتماماً كبيراً من السلطات واتخاذ خطوات رادعة بحسب سعادت. ويشير إلى أن الأبحاث الميدانية تكشف أن حجم الانخساف الأرضي في جنوب طهران هو نحو 21 سنتيمتراً سنوياً، وفي محافظة ألبرز غربي العاصمة 29 سنتيمتراً، وفي محافظة غلستان شمال شرقي البلاد 22 سنتيمتراً، وفي محافظة أصفهان وسط إيران 13 سنتيمتراً، وفي محافظة كرمان جنوب شرقيها 19 سنتيمتراً.
هذه البيانات تشير إلى أن الظاهرة الأرضية هذه باتت تهدد كل البلد تقريباً. فبحسب صحيفة اقتصاد أونلاين الإيرانية، توجد في إيران 610 سهول بُنيت فوقها مجموعة من المدن، علماً أن هذه السهول تواجه خطر الانخساف الأرضي وتصنف 300 منها في الخط الأحمر؛ أي الأكثر خطورة، وتحديداً طهران ومناطقها الجنوبية، بعدما تحولت إلى قنبلة موقوتة تشكل تهديداً لـ 13 مليون شخص، بحسب معهد "إينتل لب" للأبحاث.
في هذا السياق، يؤكد المدير العام لمكتب دراسة المخاطر البيئية في منظمة الجيولوجيا الإيرانية رضا شهبازي أنّ الانخساف الأرضي في العاصمة، والذي يمتد نحو المحافظات الشمالية، يعد من "أخطر المشاكل البيئية، كونه ليس قابلاً للرؤية إلا عندما نتعرض له"، كما تنقل عنه وكالة "إرنا" الرسمية. وتشير أبحاث أعدتها منظمة الجيولوجيا الإيرانية إلى أن سطح أرض أرياف طهران يهبط سنوياً نحو 25 سنتيمتراً، موضحة أن الانخساف جنوب غربي طهران زاد نحو ضعفين أو ثلاثة أضعاف خلال السنوات العشر الأخيرة. وتقدّر الظاهرة في إيران بخمسة أضعاف المعدل العالمي، بحسب المركز الوطني للأبحاث الزراعية الاستراتيجية الإيرانية، الذي يدعو إلى رسم خطة للخروج من هذه الأزمة.
وللانخساف الأرضي أسباب عدة، أبرزها العوامل الإنسانية التي تشكل 77 في المائة من الأسباب في العالم، لكن النسبة في إيران تصل إلى نحو 90 في المائة.
وأبرز العوامل الإنسانية التي تسبب الانخساف الأرضي هو استهلاك المياه الجوفية، ويشكل بحسب الأبحاث الإيرانية نحو 60 في المائة من العوامل الإنسانية التي تؤدي إلى الانخساف.
وبحسب هذه الأبحاث، فإن استخراج المياه الجوفية من جهة، وطبيعة المياه الجوفية الحمضية من جهة أخرى، تؤديان إلى تآكل الأحجار الجبرية والصخور الكربونية، الأمر الذي يؤدي إلى فراغات في الطوابق الأرضية التحتية، وانهيارات فجائية أحياناً أو متباطئة بالتدرج.
بالإضافة إلى ما سبق، فإن ارتفاع درجات الحرارة بسبب الاحتباس الحراري ووجود شبكات الصرف الصحي والمياه الراكدة والجارية يساهمان في الانخساف الأرضي. وما يجعل الظاهرة أكثر خطورة، هو احتمال وقوعها في المناطق السكنية والمنشآت الحيوية مثل خطوط سكك الحديد ومحطات الوقود والطاقة الكهربائية.
يشار إلى أن أزمة الجفاف التي تواجهها إيران، وخصوصاً في المدن الكبرى مثل طهران وأصفهان، زادت من الانخساف الأرضي وعمّق ذلك التناقص المستمر للمياه الجوفية والتراجع القياسي في هطول الأمطار لتعويض مخزون المياه الجوفية.
وتصنف مناطق إيران بكونها جافة وشبه جافة، ويهدد الجفاف البلاد منذ عقود من جراء تعرضها لتغيرات مناخية وعوامل بيئية وبشرية تسببت في تراجع هطول الأمطار إلى نحو 300 ميليمتر سنوياً، بينما يصل المعدل العالمي إلى 830 ميليمتراً سنوياً، ما تبعه انخفاض حاد في مخزون المياه الجوفية. وزاد الجفاف من التصحر بالإضافة إلى النزوح الداخلي نحو المحافظات الشمالية المطلة على بحر قزوين.