أجبرت التغيرات المناخية والحرب الروسية-الأوكرانية مؤخراً، العديد من الدول الأوروبية، على تغيير سياساتها المناخية، والابتعاد عن استخدام الوقود الأحفوري، وهو ما بدا واضحاً في توجهات المصانع الأوروبية للبحث عن بدائل له، وتوسيع استخدام المضخات الحرارية لتشغيل الأدوات والآليات الصناعية.
إلا أنه قبل هذه السياسات والإجراءات الأوروبية الحديثة، كان مصنع شركة مارس الخاص بالشوكولاتة في مدينة فيجيل بهولندا رائداً في استخدام المضخات الحرارية الصديقة للبيئة، إذ استخدم أول مضختين حراريتين في عام 2015 و2021، بحسب ما نقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في تقرير الإثنين.
Forget about Oompa Loompas. The real heroes of the world’s largest chocolate bar factory are the heat pumps.https://t.co/RJMkJ5MbTF
— The Washington Post (@washingtonpost) June 12, 2023
وتمكّن المصنع من استخدم المضخات الحرارية المشعة لإنتاج الماء الساخن، ومن خلال توجيهها عبر شبكة أنابيب، بدأ في استخدام التكنولوجيا لإدارة مصانعه. وبحسب تقرير الصحيفة، يعمل نظام المضخات الحرارية في مصنع شركة مارس كبديل موفر للطاقة للأفران التي تعمل بالوقود الأحفوري.
ووفقاً للمصدر نفسه، استطاع المصنع من خلال إعادة توجيه الحرارة من ثلاجاته في الحفاظ على أنابيب الشوكولاتة ساخنة، ومن تبريدها بشكل سريع، دون الحاجة إلى المزيد من الطاقة. وبالتالي خفض مصنع "مارس" فاتورة الطاقة بنسبة 6 في المائة، حسبما أفاد المتحدث باسم الشركة، رويل جوفرز.
ما هي المضخات الحرارية؟
تُعرّف المضخات الحرارية، التي تعمل بالكهرباء، بأنها أدوات منخفضة الانبعاثات، وهي بمثابة التكنولوجيا المركزية في التحول العالمي لتدفئة آمنة ومستدامة بحسب تعريف وكالة الطاقة الدولية. ووفق الوكالة، فإن مضخات الحرارة المتوفرة حالياً في السوق أكثر كفاءة في استخدام الطاقة بثلاث إلى خمس مرات من غلايات الغاز الطبيعي. فهي توفر في أسعار الوقود الأحفوري، بالإضافة إلى الحرارة والتبريد أيضاً.
يعدّ استخدام المضخات الحرارية في المصانع أمراً ضرورياً وملحاً، فالمضخة الحرارية لا تساعد في خفض انبعاثات الكربون فقط، بل تساعد أيضاً في زيادة درجة الحرارة المستخدمة في المصانع بشكل مضاعف، ولذا بدأت العديد من الدول، بحسب ما ذكرته مؤسسة Greenmatch، من ضمنها اليابان وكورويا الجنوبية والاتحاد الأوروبي، بالاعتماد على زيادة حجم استخدام هذه المضخات. وتُعزى الحرارة التي يتم توفيرها من مضخات الحرارة إلى الطاقة المتجددة، مما يجعلها مؤهلة للدعم بموجب بعض مخططات سياسات الطاقة المتجددة، حتى أنه في عام 2022 اعترفت الصين بالمضخات الحرارية، باعتبارها تقنية طاقة متجددة على المستوى الوطني.
على الصعيد العالمي، من المتوقع أن يتضاعف سوق المضخات الحرارية الصناعية تقريباً خلال العقد القادم، مع زيادة الطلب على الطاقة منخفضة الكربون، وتسعى الدول جاهدة لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات.
كما تلعب مضخات الحرارة دوراً أيضا في الحفاظ على دفء أحياء ومدن بأكملها. ويهدف أحد المرافق الدنماركية على سبيل المثال إلى نشر مضخات كبيرة لاستخراج الحرارة من مياه البحر لتدفئة مدينة إسبيرغ، وتريد السلطات في فيينا سحب الطاقة من مياه الصرف الصحي لتدفئة المنازل خلال فصل الشتاء.
حاجة القطاع الصناعي
في المنازل، تساعد المضخات الحرارية في توليد الحرارة من أعماق الأرض، أو من الهواء في الخارج، إلى مكان المعيشة لإبقائه دافئاً في فصل الشتاء، ولكن في المصانع يبدو الأمر مختلفاً، ولا يتعلق الأمر فقط بالتدفئة وحسب، بل له تأثيرات على آلية عمل المصانع. ففي العديد من المصانع، يعاد تدوير الطاقة من عملية صناعية واحدة لاستخدامها في عملية صناعية أخرى. فعلى سبيل المثال، تعد المضخات الحرارية مهمة جداً في صناعة المواد الغذائية التي يجب أن تطهو منتجاتها ومن ثم تبريدها، ولذا تعد ذات أهمية كبيرة في هذا المجال.
وأثبتت المضخات الحرارية أيضًا فائدتها في صناعة الورق والمواد الكيميائية، بالإضافة إلى صناعة المواد الغذائية. ويمكن تلبية ما يقرب من 30 في المائة من احتياجات التدفئة المجمعة للقطاعات الثلاثة على مستوى العالم بمضخات الحرارة، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية (IEA).
تحدي إزالة الكربون من المصانع
تعد الصناعة مسؤولة عن ما لا يقل عن 23 في المائة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في عام 2021. وتأتي الانبعاثات من الصناعة بشكل أساسي من حرق الوقود الأحفوري، فضلاً عن انبعاثات بعض التفاعلات الكيميائية اللازمة لإنتاج السلع من المواد الخام، ومن هنا يبحث قادة العالم عن سياسات جديدة للحد من الانبعاثات الخاصة بالقطاع الصناعي.
ويعتبر الصلب والإسمنت والكيماويات من أهم ثلاث صناعات للانبعاثات، وهي أكثر صعوبة في إزالة الكربون، وذلك بسبب عوامل فنية، مثل الحاجة إلى حرارة عالية للغاية وانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، والعوامل الاقتصادية، بما في ذلك هوامش الربح المنخفضة.
فيما يتعلق بالصناعات الغذائية أو صناعة الورق وغيرها من الصناعات البسيطة، تساعد المضخات الحرارية في تلبية ما يقرب من 30 في المائة من احتياجات الطاقة، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية (IEA). ولتحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ، يجب على المصانع نشر مضخات الحرارة وتوسيع نطاق استخدامها.
للحصول على فرصة لتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول منتصف القرن، تحتاج الصناعة إلى تركيب حوالي 500 ميغاواط من المضخات الحرارية كل شهر على مدار الثلاثين عاماً القادمة، بحسب وكالة الطاقة الدولية.