الجزائر: أطفال مستثنون من "التعليم الإجباري"

11 يونيو 2022
أسباب كثيرة تُبعد أطفال الجزائر عن التعليم (العربي الجديد)
+ الخط -

رغم الإمكانات المالية الضخمة التي تخصصها الحكومة الجزائرية لقطاع التربية والتعليم، واحتلاله المرتبة الثانية في الميزانية السنوية للدولة، تُحرَم نسبة من الأطفال من حق التعليم لأسباب مختلفة، مثل الفقر والجهل وانعدام الإمكانات الخاصة بالتحاقهم بالمدارس؛ خاصة في المناطق الجبلية وتلك في الجنوب والمحافظات الداخلية.

وأقرّ وزير التربية عبد الحكيم بلعابد، في تقرير قدمه على هامش مؤتمر المنظمة العربية للتربية والعلوم في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بأن 97 في المائة من أطفال الجزائر يلتحقون بالمدارس، فيما يبقى ثلاثة في المائة خارجها عند بلوغهم سن التعليم الإجباري. 

شاء القدر أن تعيش حليمة وشقيقها سمير في عائلة من البدو الرحل التي تنتقل من منطقة إلى أخرى بحثاً عن الماء والمأكل لقطعان الأغنام. وتتوجه إلى أعماق المحافظات الداخلية والجنوبية في الشتاء والمحافظات الساحلية والشمالية في الصيف. وقد حرم وضع اللااستقرار في العيش حليمة وسمير من الدراسة، والحصول على حقهما في التعليم ودخول المدرسة. في الفترة الأخيرة، تواجدت عائلة حليمة وسمير في منطقة سيدي راشد بولاية تيبازة قرب العاصمة الجزائرية. وتخبر حليمة "العربي الجديد" أنها لا تجيد القراءة والكتابة رغم أن عمرها تجاوز عشر سنوات، وتكتفي بمساعدة والدتها في أشغال البيت، وهو مجرد خيمة من القش لا تتضمن أدنى شروط الحياة الكريمة. 

وتواجه حليمة صعوبة في التواصل والحديث مع الآخرين بسبب العزلة الكبيرة التي عاشتها مع عائلتها، أما شقيقها سمير البالغ 8 سنوات فتعلم بعض الكلمات والحروف بعدما بقي سنتين عند أقربائه قبل أن يعود إلى حياة الجهل والترحال. وهو يقول لـ"العربي الجديد، إن "حلمه بأن يصبح طبيباً تلاشى بعدما عاد إلى عائلته".

طلاب وشباب
التحديثات الحية

ويقول محمد، والد حليمة وسمير، لـ"العربي الجديد" إن "معظم الأطفال المنتمين إلى عائلات البدو الرحل لا يتعلمون، باستثناء بعضهم في حال تُركوا عند أقارب، أو ألحقوا برياض تتكفل تعليمهم". يضيف: "أبناؤنا ضحية عملنا الصعب، وقدرهم يرتبط بحرماننا من الدراسة أيضاً، وعدم إجادتنا الكتابة والقراءة".

ولا تختلف قصة الطفل عنتر البالغ 14 من العمر عن قصة حليمة وسمير، فعائلته تقطن في منطقة جبال زكار بمنطقة مليانة (غرب)، ويبيع على قارعة الطريق يومياً الخبز المحضر منزلياً لمارة وسواح قادمين من مناطق مجاورة. ويخبر "العربي الجديد" أنه لم يجلس على مقاعد الدراسة أبداً، لأن الظروف المناخية السائدة في الجبال منعت ذلك. وهو بالتالي لا يعرف الحروف الأبجدية ولا الحساب، ويقضي يومه في مساعدة والده في مزاولة أعمال الفلاحة والتجارة. ويقول: "لا أزال أحلم بالدراسة، ولن أتأخر لحظة إذا حصلت على فرصة لفعل ذلك، فأنا مشتاق لحجرة الدراسة واللعب مع زملائي في ملعب المدرسة".

الصورة
التفكير الريفي يخالف منطق التعليم الإجباري في الجزائر (Getty)
التفكير الريفي يخالف منطق التعليم الإجباري في الجزائر (Getty)

يتابع عنتر: "لا تزال منطقتنا تشهد اضطرابات أمنية تجعل والدي يخشى أن أتنقل عبر الطريق الجبلي الوعر للمدرسة الواقعة في منطقة عين النسور، علماً أن عائلتي تعيش أيضاً في فقر شديد، ولم أكن أنا ضحية وحيدة لهذا الوضع، إذ دفعت أختي الثمن أيضاً، لكن خالتي أرسلتها إلى مدرسة ابتدائية في منطقة خميس مليانة".

ويندرج هؤلاء الأطفال ضمن نسبة الثلاثة في المائة الذين لم يلتحقوا بالمدارس في السن القانونية، في حين تتحدث وزارة التربية عن التحاق 567 ألف تلميذ جديد بالمدارس هذا العام، وأن 17 ألف طفل في السن القانونية تعذر عليهم فعل ذلك، رغم أن المرسوم الحكومي الذي صدر في يونيو/ حزيران 2018 نص على أن التعليم الإجباري مضمون للأطفال الذين بلغوا السن القانونية للدراسة، أي ست سنوات، ويتضمن أيضاً منح إذن تسجيل استثنائي للأطفال الذين تأخرت دراستهم.

طلاب وشباب
التحديثات الحية

وبين أسباب التخلف عن الالتحاق بالمدارس، العوز والفقر وتكاليف الدراسة نفسها التي تعجز عائلات عن تأمينها، كما يسود التفكير التقليدي في بعض المناطق الريفية، حيث تفضل بعض العائلات دفع أطفالها إلى ممارسة أعمال الرعي والزراعة، وقد يخضع بعضها لظروف عدم وجود مدارس في المناطق التي تقيم فيها، وغياب النقل المدرسي إلى مناطق أخرى، ما يجبر تلاميذ على قطع عشرات الكيلومترات للذهاب إلى مدرسة.

ويعتبر الدكتور المتخصص في علم الاجتماع جمال بن زيان، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "حرمان الأطفال من الدراسة أمر غير منطقي في ظل تأكيد القوانين بوضوح الحق الإجباري بحصول الأطفال على تعليم مجاني حين يبلغون سن السادسة، وتوفير كل الظروف التي تسمح لهم بالدراسة والنجاح في التعليم. وتمنع هذه القوانين أولياء الأمور من حرمان أولادهم من الدراسة وتعرضهم لعقوبات". ويشير إلى أن أسباباً عدة اقتصادية وثقافية وجغرافية تقف وراء الظاهرة، إلى جانب المعتقدات الخاطئة السائدة لدى البعض، والفقر الشديد، إلى جانب معاناة البعض من صعوبات في سلوك الطرق الوعرة والصعبة للوصول إلى مقاعد الدراسة.