نفّذت السلطات الجزائرية حملة هدم عشرات المباني والفلل والمنشآت التي شُيّدت بطريقة غير قانونية؛ من دون رخص بناء أو لتجاوزها المساحات المحدّدة لها. لكنّ هذه الحملة التي تهدف إلى فرض القانون وضبط المساحات العامة وحماية الأوعية العقارية (العقارات المخصصة للبناء)، المملوكة من القطاع العام، تسبّبت في جدال كبير بعد تدخّل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ومطالبته بالبحث عن حلول أخرى غير الهدم المباشر، خصوصاً في ما يتعلّق بالمباني المخصصة للسكن.
في منطقة برج الكيفان بالضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية، أقدمت السلطات على هدم عدد من المباني التي شيّدتها شركة عقارية خاصة من دون احترام رخص البناء، كما هُدمت في منطقة قريبة منها مدرسة قرآنية شُيّدت إلى جانب مسجد لكنّها بُنيت على أرض ذات ملكية خاصة، وذلك في إطار حملة أطلقتها السلطات لإزالة التعديات في الجزائر. وتبع ذلك هدم عدد كبير من الفلل والمباني التي شُيّدت في مخالفة للقانون.
لكنّ عملية الهدم الأخيرة التي استهدفت عدداً من الفلل والشقق السكنية في منطقة تيبازة، غرب العاصمة، خلّفت حالة من الغضب بين السكان الذين وجدوا أنفسهم ضحية تلاعب إداري بعدما اشتروا الأراضي بعقود رسمية، الأمر الذي جعلهم يخسرون مرّتَين: الأموال التي أنفقوها والفلل السكنية التي أنجزوها. وسريعاً، صارت للقضية أبعاد اجتماعية وإعلامية وسياسية، في الوقت نفسه. فمع فصل الشتاء وموجة البرد التي تشهدها الجزائر، وجدت العائلات المعنية وغيرها أنفسها في العراء من دون تنبيه سابق، وقد ساهم الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في نقل هذا الوضع، لا سيّما مع قضية تمدرس أطفال هذه العائلات، علماً أنّ المشكلات القانونية التي تشوب القضية كثيرة. وقد دفع الأمر الرئيس تبون إلى التدخّل، فوجّه أوامر عاجلة إلى الحكومة بشأن إزالة التعديات على الأراضي والأملاك العامة، وذلك من أجل وقف كلّ عمليات الهدم في فصل الشتاء وطرد السكان في حال توفّر قرارات قضائية.
ورأى تبون أنّ "عمليات هدم المباني المأهولة غير الشرعية، يجب أن تكون وفقاً لمخطط مدروس بدقّة يحضّره الولاة ثمّ يرفعونه إلى وزير الداخلية للبتّ فيه نهائياً، بعد استنفاد كلّ سبل التسويات الإدارية القانونية"، مشدّداً على وجوب عدم تنفيذ عمليات هدم المباني المأهولة في فصل الشتاء.
وقال الرئيس الجزائري في آخر حديث تلفزيوني له، يوم الجمعة الماضي، إنّ ثمّة حلولاً يتعيّن التفكير بها قبل التوصّل إلى قرار الهدم المباشر، موضحاً أنّ ثمّة "وسائل وأساليب لحلّ هذا النوع من المشكلات. وعوضاً عن الهدم، يمكننا البحث عن حلول أخرى غير تلك السهلة"، في إشارة إلى إمكانية تسوية التعديات القائمة في مقابل إفادة للخزينة العامة.
ويشرح الخبير القانوني جمال خضيري المقصود من خطاب تبون، قائلاً لـ"العربي الجديد"، إنّ "خيار هدم المباني المشيّدة بطريقة غير قانونية ليس الحلّ الأمثل بالنسبة إلى الرئاسة. وعندما هُدمت المباني في منطقة برج الكيفان أو الفلل في منطقة تيبازة، برز سؤال مهم حول الفائدة من هدمها بعد تشييدها: ألم يكن ثمّة بديل أو خيار آخر لتفادي ذلك؟". ويتحدّث خضيري عن "تأميمها لمصلحة الدولة التي تسوّي وضعها القانوني وتعيد بيعها، وبالتالي تستفيد خزينة الدولة من ذلك، ويستفيد مواطنون من شقق سكنية". يضيف خضيري أنّه "كان من الممكن أيضاً فرض غرامات كبيرة على أصحاب المباني، الأمر الذي من شأنه أن يحقّق أوّلاً حالة ردع للذين يشيّدون مباني غير قانونية، بسبب الغرامة الكبيرة". ويتابع خضيري أنّه "من الممكن الإبقاء على مبانٍ لا يمثّل هدمها ضرورة أو لا يُعَدّ الخيار الوحيد المتاح، كما لو كانت قد شُيّدت على أرض غير صالحة للبناء تمثّل خطراً أو على أرض منطقة أثرية مثلاً".
في سياق متصل، ترى السلطات الجزائرية أنّ إنشاء المباني الفوضوية يندرج في إطار المسائل التي تمسّ بهيبة الدولة وتستوجب تحقيقات من قبل اللجنة التي تقع تحت وصاية وزيرَي السكن والداخلية والتي تدرس ملفات المباني الفوضوية.
ويشدّد النائب في البرلمان عمر دايرة في حديث لـ"العربي الجديد"، على أنّه "لا بدّ من أن يخضع ضبط العمران وبناء العقارات لقانون منظم وأكثر صرامة، يحدّد المسؤوليات ويفرض ضوابط عند إنشاء أيّ مبنى، ويحمي الأراضي العامة"، مشيداً بالقرار الأخير الذي "أعلنت عنه السلطات لصياغة قانون يجرّم التعدي على الأراضي العامة، ويفرض عقوبات على كلّ من يشيّد مباني على أراضٍ عمومية ومن دون رخصة من السلطات".