الجزائر: جهود متزايدة لتعليم أطفال متلازمة داون

23 أكتوبر 2022
تستقبل مدارس جزائرية أطفال الفئات الخاصة (فرانس برس)
+ الخط -

يتطلب تعليم الأطفال المصابين بمتلازمة داون متابعة حثيثة من متخصصين، ووضع برامج تعليم خاصة بهم، فيما يجد أولياء هؤلاء الأطفال صعوبات في تدريسهم بسبب النقص في المراكز والكوادر.

وبذلت الحكومة الجزائرية في السنوات الأخيرة جهوداً كبيرة للتكفل برعاية أطفال متلازمة داون، خاصة في مجال التدريس، لكن هذه الجهود ما زالت غير كافية، إذ يعاني هؤلاء الأطفال من نقص في برامج دمجهم بالمجتمع، بسبب خصوصيات أوضاعهم الذهنية، ومعاناتهم من اضطرابات في السمع والكلام، ما يتطلب متابعة حثيثة من متخصصين، وإعداد برامج تعليم خاصة بهم.
ولم تكشف إحصاءات العام الدراسي الجديد عدد أطفال متلازمة داون المسجلين في الأقسام الخاصة بالمدارس، فيما كانت بيانات وزارة التربية أفادت بأن 875 تلميذاً مصابين بمتلازمة داون تابعوا الدروس العام الماضي، بينهم 369 تلميذاً التحقوا بأقسام خاصة في مؤسسات تربوية تديرها جمعيات بالتنسيق مع وزارة التضامن الوطني التي تشرف على تكوين الأساتذة المتخصصين، علماً أن الكثير من أولياء هؤلاء التلاميذ يشتكون من أعباء مصاريف المراكز الخاصة، بعد استبعاد الأقسام الخاصة بالمدارس الرسمية أبناءهم لأسباب مختلفة.
استطاع محمد خليفة تسجيل طفله المصاب بمتلازمة داون في القسم الخاص بمدرسة قلفوط محمد الابتدائية في ولاية تيبازة، وذلك بعد سنوات من بدء الاهتمام المبكر بحالته، وحصوله على متابعة يومية من متخصصين. وقد أخبر "العربي الجديد" أن "الكثير من الأولياء لم يتمكنوا من تسجيل أبنائهم بسبب وضعهم في القائمة الاحتياطية، وعدم توفير تأهيل مبكر لهم بسبب نقص المتخصصين في مؤسسات صحية قريبة من أماكن سكنهم، ما اضطرهم إلى التنقل إلى مؤسسات متخصصة، ودفع 10 دولارات على الأقل لحصة التعليم الواحدة، وهو ما لم يستطع كثيرون توفيره، ما جعل أطفالاً في سن التاسعة والعاشرة يعانون من تأخر كبير في النطق".
ويسمح القانون بفتح قسم خاص بأطفال متلازمة داون في مدرسة ابتدائية، إذا ضم 12 طفلاً على الأقل. وتشرف جمعيات على عمل بعض هذه الأقسام، ووزارة التضامن على أخرى، علماً أنه يسمح بوجود مصاب بمتلازمة داون في قسم عادي بمدرسة مع حضور مرافق له إذا تعذر على ولي أمره نقله إلى القسم الخاص، وهو أمر متعب للمرافق من جهة والأستاذ العادي من جهة أخرى، بسبب خصوصية شخصية الطفل المصاب. وتدفع الحكومة عن طريق الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي 450 ديناراً يومياً (4 دولارات) للطفل الواحد في قسم خاص تديره جمعية، لكن هذا المبلغ لا يكفي لتلبية احتياجات القسم.
ويؤكد رئيس الفرع الوطني لمؤسسة حرفيي متلازمة داون التي تعنى بتعليم هذه الفئة ممارسة بعض الحرف، رئيس المؤسسة الخيرية "مستقبل ذوي الإعاقة" العيد بن سديرة، لـ"العربي الجديد"، أن نجاح تدريس هذه الفئة من الأطفال رهن بالتكفل المبكر بهم منذ الولادة، ومتابعة متخصصين في النطق ومعالجين نفسيين لهم، فهؤلاء الأطفال يتفاوتون في قدراتهم الذهنية والعقلية التي يجب أن تكتشف مبكراً تمهيداً لتصنيف من يمكن أن يحصلوا على دراسة في أقسام خاصة، تنفيذاً للدستور الجزائري الذي يكفل التعليم المجاني". 
وبينما ينجح أولياء في تسجيل أطفالهم في أقسام خاصة بمدارس رسمية تشرف عليها بلديات، أنشأت الحكومة الجزائرية أيضاً مراكز خاصة تشرف عليها وزارة التضامن، وتضم متخصصين نفسيين وخبراء في النطق ومشرفين تربويين، للتكفل بهذه الفئة وتحسين قدرتهم على الاندماج. لكن بعض الأولياء يواجهون مشاكل في نقل أبنائهم الى المراكز الخاصة التي توفرها الدولة، فالسلطات لا توفر نقلا مدرسيا خاصا لهذه الفئة.

الدمج  الاجتماعي من حقوق أطفال الفئات الخاصة (Getty)
الدمج الاجتماعي من حقوق أطفال الفئات الخاصة (Getty)

ويؤكد سمير زايدة من بلدية بورقيقة التي تبعد 80 كيلومتراً من جنوبي العاصمة الجزائرية، وهو والد طفل مصاب بمتلازمة داون، أنه يحصل على منحة من الحكومة قيمتها 70 دولاراً شهرياً كونه بلا عمل، بينما يبعد المركز المتخصص حوالي 60 كيلومتراً عن منطقة الدواودة، ما يتطلب دفعه مصاريف كبيرة لنقل ولده الى المركز. ويقول لـ"العربي الجديد": "لولا حصولي على مساعدات من أفراد في العائلة لما استطعت تدريس طفلي في المركز الخاص، واقترح أن تتفق وزارة التضامن الوطني مع وزارة الشباب لتعزيز دور الشباب في تعليم هذه الفئة من خلال حصص خاصة وأشغال يدوية يمكن لها أن تطور مهاراتهم وقدراتهم الفكرية، وحصص تفاعلية مع متخصصين نفسيين ".

وفي الأمثلة على محاولة جمعيات سد النقص في الأقسام والمراكز الخاصة، أطلق مركز تابع لجمعية أمل في بلدية الخروب بولاية قسنطينة، مبادرة للتكفل بعشرات الأطفال المصابين بمتلازمة داون سنوياً تتراوح أعمارهم بين 3 سنوات و22 سنة، بهدف دمجهم في المجتمع من خلال تنفيذ ورش متعددة الخدمات بحسب القدرات العقلية لكل طفل. ويشرف على المبادرة مربيات ومتخصصين في تصحيح النطق (الأرطوفونيا). 
ويجمع العديد من أولياء المصابين بمتلازمة داون على أن المشاكل والمعاناة الحقيقية التي تواجه العائلة تبدأ بعد استكمال السنوات الدراسية الأولى في الأقسام الخاصة، حيث تصبح متابعة البعض دراستهم صعبة في باقي السنوات نظراً إلى قدراتهم الذهنية المحدودة، فيبدأ مراهق "التريزوميا" في المكوث في البيت، والعيش في عالم يضيق فيه تواصله مع العالم الخارجي، ما يجعل سلوكه عدوانياً، خاصة في حال لم يتفهم المجتمع القريب منه وضعه، ولم يتعاون معه.

ويقول محمدي عبد النور، وهو ولي مصاب بمتزامنة داون من محافظة تيبازة، لـ"العربي الجديد": "درس ابني مختار في قسم خاص، لكن حين بلغ سن الـ 13 توقف عن الدراسة ولازم البيت رغم أن قدراته الذهنية مقبولة لكن المحيط السكني والعائلي أضرّ به كثيرا حنى أصبح يتعرض لمضايقات من أطفال الحي، ما أشعره بنقص كبير، وتحول بعد سنوات إلى شخص عدواني يصاب بنوبات وهستيريا، ما فرض على العائلة بذل جهود كبيرة لمساعدته علي الاندماج بالمجتمع".
ينصح خبراء في علم النفس وعلوم التربية، بتحسين الأداء اللغوي والتواصلي للأطفال المصابين بمتلازمة داون في وقت مبكر من أجل ضمان أكبر قدر من شروط دراستهم، وعيشهم حياة عادية.
ويوضح المتخصص في علم النفس اللغوي والتواصل الدكتور سليم منصوري لـ "العربي الجديد" أن "الظروف المعيشية للأطفال في الجزائر تؤثر في مستويات الرعاية والمتابعة النفسية والبيداغوجية، بينما يمكن أن يعزز العمل لتحسين الأداء اللغوي والتواصلي للمصابين بمتلازمة داون، فرص عيشهم حياة عادية، فهذه الفئة مؤهلة لتحسين أدائها اللغوي والقراءة والكتابة والنطق".

المساهمون