شغل تمزيق تلاميذ في مدارس وثانويات الجزائر كتباً وكراريس، وتخريبهم الصفوف في نهاية العام الدراسي الأسرة التربوية وأولياء الأمور والرأي العام والباحثين الذين اعتبروا أن هذه التصرفات تتخطى المظاهر المألوفة للتعبير عن الفرح بنهاية موسم الدراسة والواجبات والاختبارات، وتظهر اعتقادهم بعدم حاجة التلاميذ إلى امتلاك كتب وكراريس، التي يرون أن لا جدوى منها، ما يدفعهم الى التخلّص منها عبر تمزيقها.
يعترف أولياء التلاميذ بأن هذه المشاهد مخيّبة وخطيرة، ويتحملون نفسهم بعض أسباب ظهورها إلى جانب واضعي المناهج التربوية والإدارات والأساتذة، وبينهم سمية زروقي التي تبدي أسفها العميق لما حدث أمام المدارس والمؤسسات التعليمية بسبب دلالات هذه السلوكيات التي ترى في حديثها لـ"العربي الجديد" أنها "نتاج أساليب العمليات التربوية والتعليمية في المدارس، والضغوط الكبيرة المفروضة على التلاميذ وحجم الدروس وصعوبة المناهج، إضافة حتى إلى أثقال الحقائب التي قصمت ظهور أبنائهم". وتقول: "أرفض محاولات تلاميذ الانتقام من بعض الأساتذة بسبب ممارساتهم السلبية، وأرى أنه لا يجب تجاهل هذا الموضوع، وأن يحاول المسؤولون تبين أسبابه لمحاولة فهمها ومعالجتها".
وفيما يثير تمزيق الكراريس وتخريب الأقسام القلق والمخاوف من التحوّلات التي يشهدها قطاع التربية في الجزائر، يظهر جلياً مقدار التغيير في موقف الجيل الجديد للتلاميذ من العلم، خاصة أنه يعكس التصادم الكلي مع تقاليد الأجيال السابقة في وداع الأعوام الدراسية، حين كان التلاميذ يحرصون على الاحتفاظ بكراريسهم وكتبهم، وينقلونها إلى أبنائهم، فيما بات التلاميذ الحاليون يتأثرون بالأجهزة الإلكترونية وشبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
تقول أستاذة الإعلام في جامعة عنابة حسينة بن الشيخ، لـ"العربي الجديد": "في السابق كانت نهاية الموسم الدراسي احتفالاً كبيراً يجمع التلاميذ والأستاذ، ويكرّم الجهاز التربوي كله، وتتضمن مراسمه تمرير كرّاس الذكريات في القسم كي يكتب كل تلميذ شعوره في لحظة الفرحة الراهنة". وتستشهد بقول الكاتب أمين الزاوي الذي شغل سابقاً منصب مدير المكتبة الوطنية خلال محاضرة ألقاها بعنوان "أي كتاب لأيّ قارئ"، على هامش معرض الكتاب بمدينة عنابة (شرق)، في منتصف مايو/ أيار الجاري، إنه لا يزال يحتفظ بدفاتر وكتب أبنائه من المرحلة الابتدائية، رغم أنهم كبروا وتخرجوا من الجامعة، وتحذيره من خطورة فقدان هذا الجيل علاقته مع الحرف والورق. وتعلّق: "بدأ يتلاشى زمن احترام الدفتر والكراس، والمناظر البشعة لتمزيق الكراريس وتكسير الكراسي تلوّث المدارس، ولا علاقة لها بالتحضّر أو تطور الحياة أو تغيّرها، بل هو قلة احترام للحرف والدرس والعلم" .
ويعتبر البعض أنّ تمزيق الكراريس في نهاية الموسم الذي أوجد مشاهد مشوّهة للقطاع التربوي عموماً يشير إلى أزمة عميقة في التربية والتعليم، وينقل واقع تحمّل التلاميذ إكراهات كثيرة ترتبط بتكرار مراجعات البرامج التربوية، والتغيّرات التي حوّلت الدراسة الى مجرد إملاءات معرفية، وضخ لمعلومات حرفية يجب حفظها، وواجبات يجب إنجازها، والتي بات التلاميذ يحلونها غالباً باستخدام مراكز الإعلام الآلي التي تطبع البحوث والواجبات مباشرة من دون عناء وجهد.
وتشير أستاذة علم النفس الاجتماعي فريدة بن صافية، في حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "الشغب التربوي له أسباب عدة، بينها إحباط التلاميذ من نتائجهم المدرسية الضعيفة، وانعدام رغبتهم في مواصلة التعليم من الأساس. والحقيقة أن الكتب المدرسية تمثل أعباءً يومية للتلاميذ في مخيلاتهم النفسية، وتمنعهم من تلبية رغباتهم وتبعدهم عن اهتماماتهم الأساسية مع انتشار السوشال ميديا التي أبعدتهم عن الحياة الواقعية والالتزام اليومي بالتعلم والدراسة".
ويعتبر متخصصون في علم التربية أنّ ردود فعل التلاميذ غير المألوفة تؤكد ابتعادهم عن القيم التربوية، وفشل البرامج التعليمية والتربوية في غرس قيم احترام مواد المناهج. ويقول المتخصص في علوم التربية بجامعة الجزائر كريم لعلالي لـ"العربي الجديد": "الظاهرة أعمق بكثير من تفسير الأفعال والسلوك، ويمكن اختزالها في أمرين؛ يتعلق الأول بنظرة السلطات لقطاع التربية في بداية كل موسم دراسي من خلال إصدار إحصاءات جافة عن عدد المدرسين والمدارس الجديدة والمطاعم المدرسية وأدوات التدفئة المتوفرة في منشآت التعليم ووسائل النقل المدرسي. أما الثاني فيشمل غياب مناقشة المناهج التربوية وطرق تحسين التربية والتعليم، ومحاولة معالجة مشكلات مرتبطة بأساليب تقديم المعلومات وتلقينها، وتقييم التلقّي وصياغة الامتحانات وتنفيذ نشاطات ترفيهية وأخرى للإبداع وتحفيز القدرات، وإشراك العائلات فيها".
ويطالب العضو في نقابة أساتذة الثانويات عبد الله مالكي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بإقرار لوائح وقائية وجزائية تجاه التلاميذ المعنيين بالتخريب وتمزيق الكراريس والكتب، لكنه يستدرك بأنه "من الضروري مناقشة المناهج التربوية، ووضع قوانين خاصة بطرق معاملة الأساتذة للتلاميذ، لمنع تحوّل التعليم إلى عقوبة وليس متعة للتفكير وكسب المعرفة".