استمع إلى الملخص
- الكشف عن المعتقلات السرية: استخدمت "الخوذ البيضاء" تقنيات حديثة للكشف عن معتقلات سرية في سجن صيدنايا، مؤكدة عدم وجود أقبية سرية، مما أثار مشاعر متباينة وساهم في توضيح الحقائق والضغط على النظام.
- التوسع والتعاون: تسعى المنظمة لتوسيع عملها في سوريا والتعاون مع منظمات إنسانية أخرى، محذرة من الشائعات حول التوظيف غير الرسمي ومشددة على متابعة قنواتها الرسمية.
كان دخول "الخوذ البيضاء" إلى دمشق عامل أمان وطمأنينة بالنسبة للأهالي بسبب السمعة الطيبة التي تتمتع بها، وعمل أفرادها على الاستجابة للطوارئ والإسعاف وغير ذلك، وينوون الوصول إلى كافة الأراضي السورية
بعد سيطرة إدارة العمليات العسكرية على دمشق، كان الدفاع المدني السوري المعروف باسم "الخوذ البيضاء" أوّل الواصلين إليها من المنظمات الإنسانية، ليفاجأ بواقعٍ سيئ كانت تعيشه العاصمة خلال حكم النظام المخلوع، وما خلّفه من خراب على كافة المستويات.
وأكدت "الخوذ البيضاء"، في أوّل بيانٍ لها بعد هروب بشار الأسد، أنّ فرقها ستبدأ أعمال الاستجابة للطوارئ والإسعاف والإطفاء وإزالة مخلفات الحرب وغيرها من الأعمال التي تُساعد على عودة المهجرين إلى منازلهم.
الانهيار الحاصل على مختلف الصعد والقطاعات داخل العاصمة، امتدّ ليشمل الخدمات بمختلف أنواعها، لا سيما في المجال الصحي والنظافة. وزاد الوضع سوءاً جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي، الذي استهدف أماكن عدة داخل العاصمة، ناهيك عن حالة الفلتان الأمني والفوضى وتوقف مختلف القطاعات عن العمل.
وأولى استجابات فرق "الخوذ البيضاء" كانت أول من أمس الثلاثاء، العاشر من ديسمبر/ كانون الأول. تولت الكشف على الزنزانات التي يحتمل وجود معتقلين فيها، وذلك داخل مركز تدريب يتبع لفرع أمن الدولة في منطقة نجها بريف دمشق. وأكدت أنه بعد إجراء عمليات بحث داخل السجن والقبو الذي يضم زنزانات جماعية ومنفردات، لم تجد أي معتقلات سرية فيها.
شعبياً، بعث دخول "الخوذ البيضاء" حالة من الطمأنينة في الشارع الدمشقي، لما تمتلكه المنظمة من سمعةٍ حسنة وخبرات واسعة اكتسبتها طيلة عملها في الشمال السوري وخلال الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وشمال غربي سورية.
ولحظة دخولها العاصمة دمشق، تلقت بلاغات عن وجود حريق ضخم في منطقة باب شرقي داخل ورش لقطع وتصليح السيارات وفي منزل سكني في المنطقة، لتتمكن وبعد ساعات من العمل من إطفاء الحرائق. ويؤكد وائل ديراني، وهو أحد سكان المنطقة، أن النيران كادت تصل إلى البيوت الموجودة قرب مكان الحريق، وجميعها بيوت قديمة، ويُشكل الخشب جزءاً أساسياً منها. يتابع وائل: "سرعة وصول فرق الدفاع المدني مع ما تحمله من تجهيزات ومعدات حديثة حالت دون وقوع كارثة في المنطقة، خصوصاً أنّ فرق الإطفاء السورية كانت غائبة عن المشهد بشكل شبه كامل".
من جهته، يؤكد مدير الدفاع الوطني في "الخوذ البيضاء" رائد الصالح، لـ"العربي الجديد"، أنّه انطلاقاً من الالتزام الوطني بالوقوف إلى جانب السوريين على كامل الأراضي، وفي ظل الاحتياجات الإنسانية المتزايدة، أطلق برنامج عمل يهدف للوصول إلى المدنيين ومساعدتهم، وكانت بداية برنامج العمل بالاستجابة الطارئة. ويقول الصالح: "تشمل استجابتنا فتح الطرقات المغلقة بسبب القصف أو الاشتباكات، وإزالة مخلفات الحرب، وانتشال جثامين الضحايا والتوثيق، ودفنها بطريقة لائقة كريمة، وتقديم خدمات الإسعاف والإطفاء، إضافة إلى الخدمات العامة الضرورية من إزالة لآثار القصف وفتح الطرقات وتجهيز وغسل المرافق الحيوية".
يضيف الصالح: "تنظر المؤسسة إلى عودة السوريين المهجرين قسراً إلى مدنهم وبلداتهم باعتبارها واحدة من أهم الأولويات، وتبذل في سبيل ذلك جهودها للمساعدة على هذه العودة عبر فتح الطرقات المغلقة وإزالة الدمار باعتبار ذلك استجابة عاجلة. كما تعمل على وضع استراتيجية للعمل في المرحلة المقبلة لتكون قادرة على دعم المجتمعات وتمكينها واستعادة سبل عيشها، ووضع خطط لتأهيل البنية التحتية المدمرة، ما يساهم بعودة المهجرين والنازحين وإنهاء معاناتهم".
أقبية صيدنايا
في سجن صيدنايا، كانت "الخوذ البيضاء" موجودة أيضاً، حيث استعانت بمختلف التقنيات الحديثة للكشف عن أي معتقلات سرية، لتؤكد لاحقاً أنّها لم تجد دليلاً يؤكد هذه الإشاعات. ويقول مدير الدفاع المدني السوري رائد الصالح إنهم يسعون وبشتى الطرق للضغط على بشار الأسد من أجل كشف أي معتقلات سرية غير معروفة في سورية.
وفي السجن الذي يعتبر الأكثر وحشية في البلاد، عملت فرق الدفاع المدني على المساعدة في الكشف عن سجون وأقبية سرية، الأمر الذي لاقى استحساناً من الأهالي الذين ينتظرون أي بصيص أمل لإخراج أبنائهم من السجن.
ويؤكد خالد العمر، وهو أحد المنتظرين هناك، أنهم ومنذ اللحظات الأولى لسقوط بشار الأسد توجهوا إلى السجن ليطلقوا سراح المعتقلين، لكنهم وجدوا صعوبة بالغة في معرفة خبايا هذا السجن، إلى أن جاءت فرق "الخوذ البيضاء" وسخّرت كل معداتها وتقنييها وخبرائها في العمل، ويقول: "كنا في حالة ضياع وتمسكنا بالكثير من الأمل، وخصوصاً مع انتشار إشاعات عن وجود أقبية سرية تحوي آلاف المعتقلين. وبعد وصول الخوذ البيضاء، أكدت عدم وجود هذه الأقبية. ورغم أن هذا الخبر حل علينا كالصاعقة، إلا أنه من ناحية أخرى أوصلنا إلى الحقيقة".
تغطية كل المحافظات
السمعة الحسنة التي تتمتع بها المنظمة دفعت الكثير من السوريين إلى تداول إشاعات تفيد برغبة المنظمة في توظيف 50 ألف شاب وشابة في صفوفها، الأمر الذي نفاه رائد الصالح في تصريحات لـ"العربي الجديد"، مؤكداً أنّ نشر هذه الشائعة يشعر المنظمة بمدى ثقة الناس بها. يضيف: "بسبب هذه المنشورات، تصلنا يومياً آلاف الرسائل والاستفسارات حول العمل معنا وآلية التطوع في الدفاع المدني السوري".
يضيف الصالح: "في المؤسسة، لدينا نظام توظيف وأي شاغر يتم نشره على الموقع الرسمي للمؤسسة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي التابعة للمؤسسة وبشكل يومي. في هذا الإطار، نحذر من المنشورات التي قد يكون هدفها سرقة بيانات مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصاً أنها من جهات مجهولة أو الهدف منها جذب المتابعين والجمهور. نتمنى من جميع أهلنا السوريين متابعة صفحات الدفاع المدني السوري لأخذ جميع المعلومات عنها".
يؤكد الصالح أنّ عملهم لن ينحصر في مدن إدلب وحلب وحماة ودمشق، فهم يتحضرون حالياً للانتشار في كافة المحافظات السورية، ويقول: "حالياً، يغطي عملنا محافظات حلب وإدلب وحمص وحماة ودمشق، وستكون هناك فرق في القريب العاجل في كل من اللاذقية وطرطوس ودرعا والسويداء والقنيطرة، ولن ندخر جهداً في الوصول إلى كل الجغرافيا السورية والمدن والقرى والبلدات السورية".
لأجل سورية
يبين الصالح أنهم سيتعاونون مع كافة المنظمات الموجودة في سورية، كالهلال الأحمر أو الصليب الأحمر وغيرهما من المنظمات العاملة في الشأن الإنساني، ويقول: "هناك خطة للتعاون مع كافة المنظمات السورية وما من تضارب بين القطاعات التي نعمل فيها، بل تكامل وتعاون"، ويؤكد قائلاً: "نسعى لتعزيز دورنا مع كافة المنظمات السورية في كافة المناطق. نحن في مرحلة جديدة تتطلب جهوداً من جميع السوريين لمساعدة السكان ودعم وتعزيز استقرار المجتمعات التي تضررت من حرب نظام الأسد البائد وروسيا والمليشيات الإيرانية".
منظمة الدفاع المدني التي تأسست في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، انبثقت بدايةً من التنسيقيات المدنية التي ظهرت بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، وذلك بعد تخلي منظمات الإغاثة عن مهامها في إسعاف الجرحى، وأنقذت أكثر من 128 ألف شخص.
وتتلقى "الخوذ البيضاء" التمويل من مجموعة متنوعة من الحكومات والمنظمات غير الحكومية، لصيانة المعدات وتوفير الإمدادات الطبية وتدريب المتطوعين.