الداخلية البريطانية لـ"العربي الجديد": جمّدنا طلبات لجوء السوريين مؤقتاً ولن نرحّل أحداً
استمع إلى الملخص
- انتقادات وازدواجية المعايير: انتقد النائب عدنان حسين وعبد العزيز الماشي القرار، مشيرين إلى تأثيره السلبي على السوريين واعتماد العائلات على الدعم المالي من الخارج، مع دعوة الحكومة البريطانية لمغادرة مواطنيها سوريا لعدم الأمان.
- احتفالات وتظاهرات: احتفل السوريون في بريطانيا بسقوط النظام، بينما منعت الشرطة تظاهرة أمام السفارة الإسرائيلية، مطالبين بوقف الأعمال العدائية والالتزام بالقانون الدولي.
أثارت قرارات دول أوروبية، من بينها المملكة المتحدة، القاضية بتجميد طلبات لجوء السوريين بعد سقوط النظام مباشرة، تساؤلات بشأن خلفيّة الأمر وسرعة إقرار ذلك، علماً أنّ تلك الدول كانت قد استقبلت في العقد الأخير مئات آلاف السوريين الذين حصلوا على حقّ اللجوء وسط الحرب التي اندلعت في أعقاب الثورة السورية، والتي أدّت إلى أكبر أزمة لجوء في تاريخ سورية والمشرق العربي.
وفي المملكة المتحدة، جُمّدت آلاف الطلبات التي تقدّم بها مواطنون سوريون، بحسب ما أفادت وزيرة أمن الحدود واللجوء البريطانية أنجيلا إيغل في مقابلة أخيرة مع قناة "سكاي نيوز" الإخبارية. وأضافت الوزيرة البريطانية أنّ سقوط نظام الأسد خلّف غموضاً يجعل من الصعب تقييم طلبات لجوء السوريين بطريقة عادلة في الوقت الراهن، فيما أشارت إلى أنّ بلادها لن تفرض الترحيل القسري على أيّ كان. ويأتي هذا خلافاً لما شرعت فيه الحكومة النمساوية على سبيل المثال، إذ أطلقت برنامجاً للإعادة المنظّمة إلى سورية تقدّم من خلاله مبلغاً مالياً قيمته ألف يورو (نحو 1040 دولاراً أميركياً) لكلّ شخص يقرّر العودة الطوعية، علماً أنّ الدنمارك عرضت تقديم 27 ألف يورو (نحو 28 ألف دولار) لكلّ سوري يوافق على "عودة طوعية" إلى بلاده.
وفي حين لم يصدر أيّ بيان رسمي عن الحكومة البريطانية يوضح القرار المذكور وخلفيّته، إنّما اقتصر الأمر على الإشارة إليه في سياق تصريحات مسؤولين وتقارير إعلامية، توجّه "العربي الجديد" إلى وزارة الداخلية البريطانية للحصول على إيضاحات. وقالت المتحدّثة باسم وزارة الداخلية البريطانية دومينيكا بياسيكا: "لقد جمّدت وزارة الداخلية مؤقتاً القرارات المتعلقة بطلبات اللجوء السورية، ونحن نقيّم الوضع الحالي"، وأشارت إلى أنّ الوزارة "تُبقي إرشادات الدولة المتعلقة بطلبات اللجوء قيد المراجعة المستمرّة حتى نتمكّن من الاستجابة للقضايا الناشئة".
وعن خلفيّة إصدار قرار تجميد طلبات لجوء السوريين في المملكة المتحدة، أوضحت المتحدثة باسم الداخلية البريطانية، في حديثها إلى "العربي الجديد"، أنّ "القرار المؤقت (...) يتماشى مع الإجراءات التي اتّخذتها دول أوروبية أخرى، بما في ذلك جميع أعضاء مجموعة كاليه (تضمّ المملكة المتحدة وبلجيكا وفرنسا وألمانيا وهولندا) الذين التقتهم وزيرة الداخلية (البريطانية إيفيت كوبر) يوم الثلاثاء الماضي". وأضافت بيلسيكا أنّ "وزيرة أمن الحدود واللجوء سلّطت الضوء على أهمية ضمان وجود حكومة فعّالة"، مشدّدةً على أنّه "من دون ذلك، من المستحيل التحديد إذا كانت العودة إلى سورية آمنة أم لا". وأكملت: "سوف نستمرّ في تسجيل طلبات لجوء جديدة من مواطنين سوريين وفقاً للسياسة المنشورة"، مشدّدةً على أنّه "لن يُصار إلى ترحيل أيّ شخص إلى بلده الأصلي أو إلى أيّ دولة أخرى قد يواجه فيها الاضطهاد أو الأذى الجسيم".
تجميد طلبات لجوء السوريين وازدواجية معايير "الأمان"
وقد انتقد النائب البريطاني المستقل عدنان حسين قرار تجميد طلبات لجوء السوريين في المملكة المتحدة، ودعا المجتمع الدولي إلى مساعدة هؤلاء بشتّى الطرق. من جهته، وصف مؤسس "حملة التضامن مع سورية" وعضو "المجلس السوري البريطاني" عبد العزيز الماشي، في حديث إلى "العربي الجديد"، قرار الحكومة البريطانية بأنّه "مخزٍ"، محذّراً من "تأثيره السلبي على السوريين". وشرح: "لهذا القرار أبعاد عدّة، أوّلها في الجانب الاقتصادي. فإنّ عجلة الاقتصاد في سورية متوقّفة بصورة شبه كاملة منذ سنوات، والعائلات في داخل البلاد تعتمد على أبنائها في الخارج لمساعدتها مادياً. على سبيل المثال، تعتمد عائلتي في سورية عليّ كلياً في الشقّ الاقتصادي، فيما أنا أرغب في العودة إلى بلادي، لكنّ في الأمر أنانية. فإذا عدت الآن، سوف تجوع عائلتي. وهذا أمر ينطبق على معظم السوريين، ليس فقط في المملكة المتحدة، إنّما في دول أوروبية أخرى".
وتطرّق الماشي إلى دعوة الحكومة البريطانية مواطنيها إلى مغادرة سورية، على اعتبار أنّها "غير آمنة"، مشيراً إلى "ازدواجية المعايير". وتساءل: "إذا كانت سورية غير آمنة للمواطنين البريطانيين، فكيف تكون آمنة للاجئين السوريين؟". أمّا في الجانب السياسي، فقال الماشي لـ"العربي الجديد" إنّ المملكة المتحدة تتعامل مع "هيئة تحرير الشام" بصفتها "منظمة إرهابية"، بالتالي "لماذا تطلب من الناس العودة؟ هذا نفاق". وشدّد على "وجوب التعامل مع اللاجئين بطريقة إنسانية، وأن يكون قرار العودة إلى سورية "طوعاً وليس قسراً". وبيّن الماشي أنّ "المجلس السوري البريطاني" تواصل مع جهات عديدة في الحكومة البريطانية للتعبير عن هذا الموقف ولعرض المخاوف من مستقبل التعامل مع السوريين في المملكة المتحدة، ولفت إلى اجتماع في وزارة الخارجية البريطانية في هذا الشأن.
تجدر الإشارة إلى أنّ تقارير إعلامية بريطانية أفادت بأنّ والدَي أسماء الأسد، زوجة رئيس النظام السوري السابق بشار الأسد، غادرا منزلهما الواقع في غرب لندن وتركا المملكة المتحدة، في ظلّ المستجدّات التي شهدتها سورية وسيطرة الفصائل المعارضة على العاصمة دمشق في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الجاري. من جهته، أعلن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، في تصريحات، أنّ أسماء الأسد التي تحمل الجنسية البريطانية غير مرحّب بها في المملكة المتحدة.
احتفالات سورية متواصلة في مدن بريطانية
وكان السوريون في المملكة المتحدة قد خرجوا، في الأيام الأخيرة، في أكثر من مدينة للاحتفال والتعبير عن فرحتهم بسقوط النظام الاستبدادي الذي حكم بلادهم على مدى خمسة عقود، وآخر هذه الاحتفالات في مدن شيفيلد وليدز وبرايتون. وفي خلال فعالية احتفالية بمدينة برايتون، قال رئيس الجالية السورية في مقاطعة ساسكس (جنوب) أحمد يبرودي لـ"العربي الجديد" إنّ "أعداد السوريين كبيرة في المملكة المتحدة، وكثيرون اندمجوا في المجتمع واستطاعوا إثبات جدارتهم من خلال تحصيلهم العلمي أو ممارسة مهنهم"، مشيراً كذلك إلى "عدد من رجال الأعمال الناجحين". أضاف يبرودي أنّ "الفرحة عارمة لدى الجميع. السوريون يشعرون بأنّهم تحرّروا من القيود التي كبّلتهم، ولهم حريّة التوجّه إلى بلادهم"، مشيراً إلى أنّ "ثمّة أشخاصاً يفكّرون في الذهاب إلى سورية. ونتمنّى أن تعدل الحكومة البريطانية عن قرار تجميد طلبات لجوء السوريين هنا، وعن أيّ قرار قد يؤثّر سلباً على وضعهم القانوني هنا".
وتحدّث رئيس الجالية السورية في مقاطعة ساسكس عن الظروف في سورية التي ما زالت "غير مهيّأة"، لافتاً إلى حاجة إلى إنشاء أرضية للعودة. وشرح أنّ ذلك يشمل "البنى التحتية وفرص العمل. ونأمل أن تأخذ الحكومة البريطانية هذه الأمور بعين الاعتبار وتمنح السوريين فرصة هنا"، مبيّناً أنّ "ثمّة من ينتظر الحصول على إقامته أو يرغب في تحصيل شهادة جامعية. ونعتقد أنّ الحكومة سوف تأخذ هذه الأمور بعين الاعتبار". وأكمل يبرودي: "عندما خرجنا في الثورة السورية فعلنا ذلك من أجل الحصول على المواطنة الكاملة، أيّ المساواة والعدالة ومن دون طائفية"، وتمنّى أن "تكون سورية في المستقبل في مصاف الأمم المتميّزة والمتقدّمة في العالم، ولدينا إمكانيات كبيرة".
منع تظاهرة للسوريين أمام سفارة الاحتلال الإسرائيلي
في سياق ذي صلة، منعت الشرطة البريطانية، يوم السبت الماضي، تظاهرة دعت إليها حملة "التضامن مع سورية" أمام السفارة الإسرائيلية في لندن، تنديداً باحتلال الجيش الإسرائيلي أراضي سورية جديدة واستهدافه المتواصل مواقع ومقدّرات عسكرية للجيش السوري. وقد أفاد مؤسّس الحملة عبد العزيز الشامي "العربي الجديد" بأنّ الشرطة أبلغت المنظّمين بتفعيل القسم 14 في حال تظاهر المشاركون قبالة السفارة، وهو القسم الذي يتيح للشرطة تنفيذ اعتقالات. أضاف: "شكّلنا فريقاً قانونياً بعد إلغاء تظاهرتنا أمام سفارة الاحتلال، ونعمل على تنظيم أخرى يوم السبت في 28 ديسمبر الجاري"، لافتاً: "نحن في حملة التضامن مع سورية نظّمنا منذ 11 عاماً أنشطة وتظاهرات عديدة، وهذه المرّة الأولى التي نُمنَع فيها من تنظيم نشاط، علماً أنّه لم يكن لدينا في السابق أيّ مشكلة مع الشرطة وكلّ أنشطتنا سلمية". وشدّد: "سوف نتظاهر أمام سفارة من يحتلّ أرضنا وينتهك سيادة سورية الحرّة قريباً".
وقد طالب "المجلس السوري البريطاني"، في بيان له، المملكة المتحدة، بوصفها جهة فاعلة عالمية رئيسية، بـ"وقف فوري للأعمال العدائية الإسرائيلية والالتزام بالقانون الدولي"، ودعا إلى "الحفاظ على حماية المدنيين والسيادة الإقليمية وسلامتها، وإدانة أيّ أعمال تنتهك القانون الدولي أو تؤدّي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية أو تهدّد الاستقرار الإقليمي". ووصف هذه المرحلة بأنّها "حرجة تتطلّب اتّخاذ إجراءات حاسمة لمعالجة الانتهاكات، ولاستقرار المنطقة، ولدعم الشعب السوري في سعيه إلى تحقيق العدالة والحرية والكرامة".
يُذكر أنّ المملكة المتحدة استقبلت أكثر من عشرين ألف لاجئ سوري على مدى خمسة أعوام، بالاتفاق مع الأمم المتحدة، في حين أنّ الآلاف كانوا يصلون إليها في قوارب هجرة غير نظامية عبر بحر المانش، انطلاقاً من فرنسا، أو عبر منافذ برية وجوية. وكان رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر قد أعلن، قبل أسبوع، تخصيص مبلغ 11 مليون جنيه إسترليني (نحو 13.7 مليون دولار أميركي) مساعدات إنسانية لسورية بعد سقوط النظام، ثمّ رفعها لاحقاً إلى 50 مليون جنيه (نحو 62.5 مليون دولار).