سورية تُزيح خمسة عقود من الرعب (4): النزع الأخير للوحش من جيوب الفقراء

حمص
شهيرة سلوم
شهيرة سلوم
صحافية لبنانية، مديرة موقع "العربي الجديد". حاصلة على إجازة في العلوم السياسية والإدارية وماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية، تعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 18 عامًا.
06 يناير 2025
سورية علوية: نحن مظلومون لأننا محسوبون على النظام المخلوع
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- البداية والصعود: بدأت عائلة الأسد من قرية القرداحة، حيث كان الجد سليمان الوحش معروفًا بشجاعته. تغير اسم العائلة إلى الأسد في 1927. اعتمد حافظ الأسد على التعليم للصعود الاجتماعي، وانضم إلى حزب البعث، مما مكنه من السيطرة على السلطة في سوريا.

- السلطة والتحولات: أسس حافظ جيشًا عقائديًا وأبعد خصومه، مغازلًا الطبقة الوسطى ورجال الأعمال. بعد حرب 1973، تعمق التداخل بين السلطة والتجارة، وبرزت نخبة طائفية. في الثمانينيات، نشب خلاف داخلي بين حافظ وشقيقه رفعت.

- الوراثة والانهيار: تولى بشار الأسد السلطة بعد وفاة والده، محاولًا تقديم نفسه كإصلاحي. مع الثورة السورية، لجأ النظام للقمع الوحشي، مما أدى إلى انهيار النظام وفرار العائلة الحاكمة، بينما بقيت البلاد تعاني من الفقر والانقسام.

يُحكى أنّ فتى فرناسًا من فلّاحي القرداحة، بطح مصارعًا تركيًا راح يتبختر في القرية راميًا بقبضته شبابها واحدًا تلو الآخر أرضًا، دون أن يقدر عليه أحد. كان هذا في أوائل القرن العشرين، والفتى الصعتريّ الأشوس، كان سُليمان الوحش. ولسُليمان، عليٌّ، لم يقلّ عن أبيه جسارةً، كان يلصق ورقة سيجارة على جذع شجرة، ويرميها برصاصة. ولعليّ من ناعسة، حافظٌ، المقدام الدؤوب، الذي استمسك بالعلم، وتفوّق على أقرانه. ولأنّ الوحش لا يليق بعائلة تُنجب الصناديد، قرّر أهل القرية أن يكنوها بالأسود، ومضوا جماعةً إلى سُليمان قائلين: "أنت لست وحشًا، أنت أسدٌ"، وبدّلوا اسم العائلة بعدها من الوحش إلى الأسد (عام 1927). هذه الفانتازيا هي التي أحبّ الرئيس الثامن عشر لسورية حافظ الأسد (1930) أن يصدّرها مختالًا، عبر الصحافي باتريك سيل، عن منشأه وعائلته.

صعودٌ على الفقراء

حين وُلد حافظ، كانت قريته القرداحة مؤلّفة من مئة بيت من طين أو صخر، وجميع أهلها فلّاحون، حال قرى الساحل السوري. نشأ الأسد في بيت فقير، وكانت الدراسة سبيله الأوّل للصعود، ويُقال إنّه كان أوّل من خرج إلى اللاذقية للدراسة من بين أبناء قريته، التي لم تكن تضمّ مدارس. أراد أن يصبح طبيبًا، لكن كان هذا من المُحال لضيق الحال. دخل الخدمة العسكرية تلميذًا ضابطًا في الكلية الحربية، حيث تعرّف إلى صديقه مصطفى طلاس ابن حمص، الذي سيرافقه في مختلف محطّات الصعود. تتلمذ الأسد فكريًا على يد الطبيب وهيب الغانم، تلميذ زكي الأرسوزي، المفكّر السوري ومؤسّس حزب البعث؛ وشقّ طريقه علمانيًا عروبيًا. قال فيه الغانم: "كان واحدًا من فدائيينا".

 لمّا وُلد صديقنا زكي، ابن القرداحة الفقير، كان حافظ يخوض معاركه في صفوف حزب البعث الذي انتمى إليه منذ بداياته، ثائرًا على الطبقية والفقر، جنديًا في حرب الفلّاحين على مالكي الأراضي، وكان يعمل سرًّا مع خمسة رفاق؛ جميعهم من الأقلّيات الفقيرة (أبرزهم صلاح جديد ومحمد عمران) لرفع مظالم الماضي وإعادة توزيع الثروة. دبّر الرفاق انقلابًا عسكريًا لم ينجح إلا في المرّة الثانية. ثمّ عادوا وانقلبوا بعضهم على بعض تباعًا، إلى أن انتصر حافظ في الجولة الأخيرة بالمكر والحذر والصبر.

مع صعوده وزيرًا للدفاع، أسّس الأسد جيشًا عقائديًا، وأبعد على مراحل جميع خصومه، ليحكم قبضته بالكامل على الجيش بمساعدة صديقه طلاس. أمّا موعد انقلابه الأخير، فجاء غداة مؤتمر القيادة القطرية لحزب البعث، الذي تخلّلته نقاشات حادة مع الأسد، واتهامات له بقبول تسويات استسلامية مع إسرائيل. اعتقل بعدها جميع خصومه، وبينهم صلاح جديد، الذي سجنه في سجن المزّة، إلى أن مات عام 1993.

أخبار
التحديثات الحية

بعد القبض على السلطة، تخلّى الأسد عن ماضيه السياسي، وعن حرب الطبقات، وراح يغازل الطبقة الوسطى من سكّان المدن ورجال الأعمال والتجار. استفاد هؤلاء بدورهم من قربهم من السلطة. وبينما كانت الدائرة الضيّقة المحيطة به تضمّ غير العلويين أيضًا، فإنّه ركّز أمن النظام في قبضة أقليّته العلويّة.

وبعد حرب 1973، صار التداخل على أشدّه بين التجاري والحكومي. وعُقدت شراكات بين رجال الأعمال وكبار المسؤولين، وأُنشئت شبكات من العلاقات الزبائنية. ووُلدت طبقة من الأثرياء الجدد، وصعدت نخبة طائفية. وكان رفعت الأسد من أكثر المستفيدين من هذا الثراء. وبينما كان حافظ منشغلًا بتركيز سلطاته وتضييق دائرته، كانت الثروة تتركّز أكثر بين أيادٍ قليلة. حين مرض في ثمانينيات القرن الماضي، عمل الأسد على إبعاد خصومه من العائلة الضيّقة، فدبّ الخلاف مع شقيقه رفعت، ونشبت حرب الأخوين، وصرخ جملته الشهيرة "تريد أن تقلب النظام، أنا النظام!".

في ذلك الوقت، كان زكي، الذي ذكرناه آنفًا، يفرّ من فقر القرداحة مع أفراد أسرته إلى دمشق، بحثًا عن عمل، فيما بقي بعض أعمامه وأبناؤهم في القرية. يعمل زكي اليوم عاملًا فنيًا في وزارة الاتصالات السورية براتب 280 ألف سوري (حوالى 22 دولارًا). وبعد العصر، عمل سائقًا على سيارة أجرة في دمشق، حيث التقيناه في بداية الأسبوع الثالث لسقوط نظام عائلة الأسد، وكانت المرّة الأولى التي يغادر فيها منزله منذ دخول مقاتلي المعارضة إلى دمشق. يلتفت يمينًا ويسارًا خائفًا غير مطمئن. هل هو متفائل؟ يردّ بأنّ الشعب السوري تعب من الحرب، الأهم أن تهدأ الأمور. لم يكن زكي من القلّة التي استفادت من النظام السابق، ويقول إنّ أحوال الأهالي في القرداحة ليست أفضل من غيرهم. يعمل أحد أبناء عمومته بستانيًا في قصر لأحد أفراد أسرة الأسد، لكن لا يجيبنا عن أيّ فرد منهم يقصد. لا يرتاح في حديثه عن نظام الأسد، ويُظهر خشية على عائلته عند سؤاله عنها، فيقول إنّه وحيدٌ حاليًا في الشام، ثمّ يتطرّق عرضًا إلى بطالة الشباب، ويحزن على حال ابنته التي تخرّجت من قسم الهندسة.

كانت القرداحة أوّل جهة تخطو نحوها فصائل المعارضة بعد أربع وعشرين ساعة من دخولها إلى دمشق، حيث التقى وفدٌ منها، رجال الدين في المدينة، وعادت ببيان دعم من الوجهاء العلويين. وشكّل ذلك أوّل اجتياز لها في اختبار السلم الأهلي بعد خلع النظام.

وعن جرائم النظام، وتحديدًا ممّا شاهدناه عن أحوال السجون، يصمت زكي قليلًا، ثمّ يقول: "سمعت عن سجون أسوأ، تُرتكب فيها جرائم فظيعة"، مسميًا بشكل عشوائي بلدانًا عربية. تحضر هذه المقارنة في ذهنه، للتخفيف عن نفسه أوّلًا. يعود للصمت، ثمّ يردّد: "الرئيس (يقصد بشار الأسد) ورجاله دمّرونا".

تحكي الروايات الآتية عن بشار وسلوكه، أنّه واظب على زيارة والده في ساعات الفجر وهو على فراش الموت. وكان يجري الفحوصات الروتينية له بنفسه. وكان في أثناء ذلك، يمرّر له أوراقًا للتوقيع، بينها ترتيبات لنقل السلطة. وذات صباح، دخل عليه فوجده ميتًا. خرج من الغرفة وأقفل الباب بالمفتاح، وقال لوالدته، إنّ والده طلب عدم إزعاجه لأنّه يريد الراحة. هرع بشار إلى مكتبه، وأغلق الباب، وكان أوّل اتصال يجريه بصديق العائلة، مصطفى طلاس. حرّك بعدها الأخير ثلاث وحدات عسكرية، نحو نقاط مركزية في العاصمة، فيما شارك شقيق بشار، ماهر في مركزة قوّاته بموقع استراتيجي. عاد بعدها بشار لأمّه وأخبرها أنّ والده مات.

لم يكن بشار الخيار الأوّل ولا الثاني لوالده في توريث الحكم. كان باسل أوّلًا، لكنّ باسل مات. ثمّ كانت بشرى ثانية، مدلّلة والدها التي رأى فيها ذكاءً وبراغماتية.

بعد تسلّم السلطة، أظهر بشار جانبًا لم يكن معروفًا من شخصيته. اختفى ذلك الخجول المنعزل، لكن بقيت شخصية "زير النساء". حاول إظهار قوّة فوضوية خصوصًا حين كانت تحضر المقارنة بأبيه وأخيه باسل. أبدى انفتاحًا في بداية حكمه، مقدّمًا نفسه شابًا إصلاحيًا، وسمح ببعض الحريات (ما عُرف بربيع دمشق). لكن لم يدم هذا أكثر من عام، عاد ولبس سلطوية أشدّ قسوة من أبيه، أضافت إلى الاستبداد عناصر شخصية تقلّبية منفصمة عن الواقع، كما ظهر في طريقة تعامله مع تظاهرات الثورة السورية.

فقراء الساحل وقودًا للحرب

في عام مقتل باسل بحادث سير (1994)، هبطت زردة إلى دمشق من بلدة طير جبّة في مصياف، المدينة المختلطة في محافظة حماة؛ لتعمل طبّاخة في مستشفى أطفال. هو العام نفسه الذي توفي فيه والدها في أحد مستشفيات العاصمة، ولم تكن تملك حينها أجرة نقله لدفنه في البلدة. عملت درزة في المستشفى ثلاثين عامًا، ثم تقاعدت آملةً الحصول على تعويض، وتأسيس مشروع صغير "أفتح دكّانة؛ أو أربّي عنزة" في بلدتها. لكن راتب التقاعد (280 ألف ليرة سورية يعادل 22 دولارًا)، لم يكفها لإعالة أفراد أسرتها، فاضطرت إلى العمل نادلة في مقهى، وهناك التقيناها.

بكثير من التأثّر، تصرّ زردة على أن نرافقها إلى مصياف، لنرى الفقر الذي تعيشه مع أهالي بلدتها بأمّ العين. تقول إنّهم يفتقرون إلى الكهرباء والمياه والخدمات الأساسية "كنّا مخنوقين؛ لم نقدر على الحديث عن ذلك. كنّا نخاف القول بأنّنا جائعون، لو فعلناها لذبحونا، أو سجنونا. اليوم لم أعد خائفة، أنا فقيرة، عشت فقيرة، وسأموت فقيرة". تلتفت إلى رفيقها العامل في المقهى، وتقول: "هذا أخي (من طائفة غير طائفتها العلويّة)، نحن لا نعرف الطائفية". تؤكّد أنّ أحوال أهالي بلدتها لا تقلّ سوءًا عن أوضاعها؛ أغلبهم فقراء، أمّا عن القلّة التي تملك الثروات، فـ"هؤلاء كنّا نراهم فقط على التلفزيونات".

تمثّل زردة الشريحة الكبرى في مدينة مصياف وضواحيها؛ فقراء معدمون استغلّهم النظام وقودًا في حربه ضدّ شعبه. تنشط في المدينة والقرى المحيطة بها جمعية "البستان" التابعة لرامي مخلوف، التي جنّدت في السنوات الماضية فقراء الساحل العلويين لزجّهم في الحرب. وهناك أيضًا نشاط للمليشيات التابعة لإيران. زعمت إسرائيل أنّها نفّذت إنزالًا جوّيًا "نوعيًا" شارك فيه مئة جندي إسرائيلي في المدينة خلال سبتمبر/أيلول الماضي، لتفكيك معمل صواريخ للنظام تموّله إيران. وقبل يومين، نشرت مقطعًا مصوّرًا ادّعت أنّه لعملية مصياف.

عُدّت مصياف كما غيرها من المدن والبلدات الفقيرة رافدًا رئيسًا لشبيحة النظام السابق؛ العصابات التي أنشأها أزلامه للقتل والترهيب والتجييش الطائفي. قبل أكثر من أسبوع، خرجت منها مسيرات غاضبة، إثر ما أُشيع عن حرق مقام علويّ (الخصيبي). وكانت جزءًا من مشهد المسيرات المتزامنة التي خرجت من مختلف مناطق الساحل وحمص وحماة، ورفعت شعارات طائفية، وانتشرت على مواقع التواصل.

النزع الأخير

لم نستطع أن نرافق زردة إلى بلدتها، لكن بعد مرور أيّام، كنّا في حمص، وتحديدًا عند مشارف شارع الحضارة؛ الذي كانت قد خرجت نحوه قبل ليلة مسيرة مؤيّدة للنظام، تخلّلتها اشتباكات أهلية وهتافات طائفية مضادة. كانت المنطقة تشهد استنفارًا واسعًا لمقاتلي "ردع العدوان"، الذين تمركزوا بالعشرات مع أسلحة متوسّطة عند الشارع الدائري للفصل بين منطقتين مختلطتين. وأعطوا مهلة ساعات لجنود وأفراد عصابات من النظام السابق، تحصّنوا بين أهالي الحيّ المقابل، لتسليم أنفسهم وأسلحتهم.

يقول شاب مُصاب في الاشتباكات التي وقعت، إنّ المسيرة اتجهت من شارع الحضارة نحو الشارع الدائري وسط المدينة، وأطلقت هتافات طائفية، ثمّ رمت سيارات مقاتلي المعارضة بالحجارة. عندها، هاجم الأهالي من الشارع المقابل (وهو بينهم) المسيرة التي تراجعت إلى الداخل، مشيرًا إلى أنّه ضرب أحد المشاركين فيها، ثم يشدّد على أنّ مقاتلي "هيئة تحرير الشام"، تدخلوا لفضّ الاشتباكات بإطلاق النار في الهواء. قبل أن يستعيد من ذاكرته تلقائيًا جرائم تعرّض لها أهل حيّه على يد عصابات للنظام كانت تتمترس في الحيّ المقابل "كنّا نختبئ منهم في خزّانات المياه".

يصف شاب آخر من الأهالي، المنطقة المحاصرة بأنّها معقل للنظام المخلوع، وشكّلت خلال الفترة الماضية حصنًا منيعًا للعصابات التابعة له. حديث الأهالي عند هذه النقطة، وحالة الاستنفار الأمني، وما وصل إلينا من مقاطع مصوّرة في تلك الساعة، عن اشتباكات مماثلة وهتافات طائفية مضادة، تدلّ على توتر أهلي قد يتطوّر إلى ما هو أخطر، ويظهر في المناطق المختلطة مثل حمص، أكثر منه في مناطق اعتبرت حاضنة للنظام المخلوع، مثل اللاذقية، التي لم نستطع الانتقال إليها بسبب التوتر الأمني، لكن علمنا من سكّان في المحافظة، بعودة حالة الهدوء، متحدثين عن تموضع لقوّات من الهيئة أمام منازل مطلوبين، وإعطائهم مهلة لتسليم أنفسهم وأسلحتهم.

وفق ما أُعلن وما سُرّب، تُرصد أربع جهات فرار أساسية لرجال النظام المخلوع: روسيا التي اتّجهت إليها الأسرة الضيّقة لبشار الأسد، عبر مطار حميميم. والعراق، الذي فرّ إليه جنود وضباط بالآلاف. ولبنان والإمارات اللذان فرّت إليهما شخصيات من الصفّ الثاني. أمّا البقيّة ممّن شاركوا في مقتلة السوريين، فقد "تحصّنوا وسط الأهالي داخل مناطق كانت تعدّ معاقل للنظام، وهم يشتغلون على التحريض وبثّ الفتنة"، هذا ما يقوله شاهد عيان رصد الاشتباكات والتوتر الطائفي عند دوّار حمص.

حشرجة إيرانية

يترافق النزع الأخير لنظام عائلة الأسد، في جيوب الفقراء مع حشرجة إيرانية، تأتي عبر لغة خشبية مكرورة تتوعّد بـ"ولادة مقاومة جديدة" (ضدّ من؟)، وتعكس انسحابًا أخيرًا للنفوذ الإيراني من سورية، بعد علاقة استمرّت أكثر من 45 عامًا مع حقبة الأسدين. يعود أوّل تواصل بين نظام حافظ الأسد وإيران الخمينية، إلى سبعينيات القرن الماضي، وحينها لعب رجل الدين اللبناني إيراني الأصل، موسى الصدر، دورًا في التقريب بين صديقه حافظ والخميني. وبعد انتصار الثورة الإيرانية، هنّأ الأسد الخميني بإهدائه قرآناً مزخرفاً بحروف من ذهب. وفي الحرب الإيرانية العراقية، وقفت سورية - الأسد إلى جانب إيران غير العربية مستفزةً أقرانها العرب، ثمّ تطوّرت العلاقة مع إيران إلى تحالف استراتيجي. ومع هذا عرف حافظ الأسد كيف يعزف على إيقاع العلاقات العربية والإيرانية.

وكان وراء تقارب الأسد مع إيران عقب انتصار ثورتها الإسلامية، كرهه للشاه المتحالف مع إسرائيل، وأيضًا صراعه الطويل مع الإخوان المسلمين، الذي حسمه عبر مذبحة حماة المنتفضة في فبراير/ شباط من عام 1982.

تقارير عربية
التحديثات الحية

أمّا سيرة حقبة بشار مع طهران، فقد قفزت إلى مستوى آخر، صار معه البلد قاعدة استراتيجية لإيران ومليشياتها. في بداية عهده، أبدى الأسد الصغير انفتاحًا على الدول، وبادلته بدورها أوّل الحبّ، خصوصًا مع النفس الإصلاحي الذي دخل به. وفتحت اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، الباب أمامه للانخراط بقوّة ضدّ الحرب العالمية على الإرهاب، ففتح سجونه للاستخبارات الأميركية لتنفيذ برنامجها سيئ السمعة حول نقل المتهمين بالإرهاب لدول تسمح أنظمتها بأساليب تحقيق وظروف اعتقال قاسية. وكان كرهه للإخوان المسلمين دافعًا لهذه الشراكة. ثمّ جاء غزو العراق، فجدّد حلفه مع إيران محوّلًا سورية إلى مصدّر للمقاتلين، عبر تسهيل انتقال الشباب السوري وغير السوري للقتال إلى جانب التنظيمات المتطرّفة في العراق، ومن بين هؤلاء، كان القائد الحالي للإدارة السورية أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني). اغتيال رفيق الحريري (2005) عزل بشار دوليًا وعربيًا، فيما راحت إيران تغرس شوكتها أكثر في سورية. في بدايات الثورة السورية، هرع الحرس الثوري الإيراني لإنقاذ حليفه، ولمّا عجز، استدعى روسيا (2015)، مقابل قواعد عسكرية، لتسقط بعدها تباعًا جميع حصون السيادة السورية، وتُستباح البلاد من مرتزقة وجيوش واستخبارات أجنبية، وتعربد إسرائيل في سمائها بوضح النهار. لعب الأسد على جميع الحبال، إلى أن لفظه الحليف قبل العدوّ، وفرّ عاريًا في ليلة دمشقية باردة، وأخذ معه قاعدة النفوذ الإيراني المتقدّمة في بلادنا.

تصوير: عامر السيد علي

ذات صلة

الصورة
قد يستغرق كشف مصير المفقودين في سورية سنوات، 23 ديسمبر 2024 (كريس ماكغرات/ Getty)

مجتمع

تتداخل المعاناة الإنسانية مع الفراغ القانوني في قضية المفقودين في سورية، ما يجعلها تتطلب تضافر الجهود لتحقيق العدالة، وإقرار قوانين لكشف الحقائق.
الصورة
فرع فلسطين / سورية / ديسمبر 2024 (العربي الجديد)

سياسة

عند أبواب سجون الأسد ومقرّاته الأمنية، كانت الإنسانية تُذبح. لا شيء أو كلام يختصر المشهد. القمع والظلم يتكشفان بأبشع الصور من جدران الزنازين الواسعة والانفرادية
الصورة

منوعات

لم يكن لأحد في سورية أن يظن أنّ بإمكانه تحويل آل الأسد، والطبقة الحاكمة في البلاد، إلى أضحوكة يتناقلها الكبار والصغار. لكن هذا ما حدث يوم الثامن من ديسمبر
الصورة
المعتقلون والمختفون قسرياً في سورية / صور في ساحة المرجة وسط دمشق 26/12/2024 (سمير الدومي/فرانس برس)

مجتمع

حدد رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني عدد المعتقلين والمختفين قسراً في سورية بعد إفراغ السجون بـ112 ألفاً و414، وشدد على ضرورة كشف مصيرهم.