حذّرت منظمة "الدفاع المدني السوري" (الخوذ البيضاء) جميع السكان والعاملين الإنسانيين في شمال غربي سورية، من الدخول إلى أي مكان تعرض للقصف قبل إبلاغ فرقها المختصة، وعدم الاقتراب من المجسمات الغريبة ومخلفات القصف، وذلك بعد أن خلّف تصعيد قوات النظام وروسيا خلال هجماتهما العسكرية واستخدامهما أسلحة عنقودية محرمة دولياً، ذخائر غير منفجرة تتحول لقنابل موقوتة قد تنفجر بأية لحظة.
وأضافت في بيان لها، الأربعاء، "خطر كبير يُهدّد المدنيين بسبب الذخائر غير المنفجرة بعد حملة قصف ممنهجة شنها نظام الأسد وروسيا، مستهدفة أكثر من 50 مدينة وبلدة في شمال غربي سورية خلال حملة التصعيد الأخيرة". موضحاً أن فرق إزالة الذخائر تعمل على مسح المناطق التي تعرضت للاستهداف رغم كل الصعوبات والعراقيل.
وقال أبو محمود، وهو مزارع من بلدة سرمين بريف إدلب الشرقي، في حديث لـ "العربي الجديد"، إنه "خلال التصعيد الأخير تعرضت أطراف البلدة لقصف بالقذائف العنقودية، من بينها أرضه الزراعية، وهو لا يعلم بالتحديد مكان تلك القذائف كونها تنتشر على مساحة جغرافية كبيرة، علما أن صاحب أرض مجاورة أخبره أنه عثر على قنبلة عنقودية أثناء عمله هناك".
ويتساءل أبو محمود: "كيف أستطيع العمل في أرضي وهي مصدر رزقي الوحيد؟ ربما سأنتظر الفرق المختصة من الدفاع المدني لمساعدتي، لكن أيضا لديّ مخاوف من عودة القصف بالمخلفات العنقودية، ويمضي الوقت المخصص لحرث وبذار الأرض".
من جهته أفاد علاء الشيخ، وهو نازح من ريف إدلب الجنوبي، لـ "العربي الجديد": "أقيم في بلدة ترمانين منذ نحو 3 سنوات، القصف الذي عشناه خلال الأيام الماضية ذاته عشناه في قريتنا قرب مدينة معرة النعمان، استخدم النظام فيه القنابل العنقودية، اضطررت لمغادرة البيت الذي أستأجره في ترمانين بسبب القصف ومخلفات الحرب، هناك قنابل في الشوارع وبين الأبنية لم تنفجر، وهي خطيرة وتسببت بقتل الكثير من الناس، في السابق كان خطرها يتركز في الأراضي الزراعية كوننا نعيش في قرية، أما في الوقت الحالي ضمن ترمانين هذه القنابل توجد في الشوارع وبين المنازل، كذلك هناك صواريخ لم تنفجر أطلقتها الراجمات".
وتابع الشيخ: "اليوم عدت إلى البلدة لكن أولادي عند أقرباء لي في مدينة الدانا، نرجو أن يعمل الدفاع المدني على إزالة هذه القنابل والمخلفات الخطيرة، حتى الوقت الحالي نعيش بحالة خوف من القصف الذي حدث، ورغم الحديث عن هدنة لا ثقة لدينا بالنظام وروسيا، نرجو أن تستقر المنطقة وأن يهدأ القصف، لم نعد نحتمل ما يحدث".
من جانبه، يقول محمد سامي المحمد، وهو مسؤول فرق "إزالة الذخائر غير المنفجرة" لدى "الخوذ البيضاء"، في حديث لـ "العربي الجديد"، إن "مخلفات الحرب انتشرت في المناطق التي طاولها القصف خلال الحملة الأخيرة لتشمل عموم المناطق والمدن والقرى في ريفي إدلب وحلب، ولكنها تركزت بشكل أكبر في المدن الرئيسية والكبرى مثل جسر الشغور، وبداما، وأريحا، وإدلب المدينة، وسرمين، وآفس، والنيرب، وقرى جبل الزاوية، وترمانين، ودارة عزة، حيث تعرضت هذه المدن للقصف بشكل مركز أكثر من غيرها أدى إلى نزوح معظم سكانها".
وأوضح المحمد أنه "بسبب الطابع الممنهج للقصف في الحملة الأخيرة، فقد تركز على المناطق المدنية والأبنية السكنية والمرافق العامة التابعة للمدنيين والإدارات المدنية في شمال غربي سورية، وكان هذا الأمر واضحاً للعيان وظهر جلياً من خلال البلاغات التي تلقتها فرقنا العاملة في هذه المناطق".
وعن المدة التقديرية لإنهاء فريق الدفاع المدني إزالة هذه المخلفات، بين المسؤول لدى "الخوذ البيضاء"، أنه "مع القصف بشكل دائم والانتشار الكثيف للذخائر غير المنفجرة، يصبح موضوع تقدير مدة محددة لانتهاء العمليات الحالية والسابقة أمرا بالغ التعقيد، حيث تعود جميع أعمالنا إلى نقطة الصفر عند كل حملة يقوم بها النظام وحليفه الروسي".
وأكد المحمد أن "3 مدنيين (طفل ورجل وزوجته) تعرضوا للإصابة بجروح إثر انفجار قنبلة عنقودية من مخلفات قصف قوات النظام على الأحياء السكنية لبلدة ترمانين شمالي إدلب، يوم السبت الماضي، وننصح أهلنا المدنيين بالحذر وعدم الاقتراب من مخلفات القصف والأجسام الغريبة، وتنبيه الأطفال من مخاطرها، وضرورة الإبلاغ عنها دون لمسها".
وشدد مسؤول فرق إزالة مخلفات الحرب على أن "التوعية مهمة أساسية للحفاظ على الأرواح"، مضيفاً أن "زيادة الوعي بمخاطر الألغام ومخلفات الحرب أمر بالغ الأهمية، وتساهم حملات التوعية بتزويد السكان بالمعرفة والمهارات اللازمة لتجنبها، وتشمل تثقيف السكان حول كيفية التعرف على الألغام وغيرها من الذخائر غير المنفجرة، فضلاً عن توفير التدريب على كيفية البقاء بأمان في المناطق التي قد تكون ملوثة، ويساعد رفع مستوى الوعي بالمخاطر المرتبطة بالألغام والذخائر غير المنفجرة في تقليل مخاطر الإصابة والوفاة وتعزيز مجتمعات أكثر أماناً، وتأمين الحماية لها وخاصة الأطفال".
وأشار المحمد إلى أن "فرق الخوذ البيضاء المختصة نفذت منذ بداية العام حتى الآن أكثر من 3 آلاف جلسة توعية بمخلفات الحرب، واستفاد منها أكثر من 65 ألف مدني"، موضحاً أن "فرقنا استجابت منذ بداية العام وحتى يوم الثلاثاء الماضي لـ 10 انفجارات لمخلفات الحرب أدت إلى مقتل 4 مدنيين، بينهم 3 أطفال، وإصابة 16 آخرين، بينهم 12 طفلا وامرأة واحدة".
ولفت إلى أن "هناك جملة من الصعوبات، وخاصة أن إزالة مخلفات الحرب هي المهمة الأخطر في العالم، والخطأ الأول سيكون الأخير، وفقد الدفاع المدني السوري منذ بدء العمل بإزالة مخلفات الحرب أرواح 4 متطوعين وأصيب آخرون، وتبقى المعوقات الأمنية من أبرز المخاطر أيضاً، لوجود أعداد كبيرة من مخلفات الحرب والذخائر غير المنفجرة بمناطق قريبة من خطوط التماس مع قوات النظام وروسيا، وأحياناً يتم استهداف الفرق، وهو ما يشكل عائقاً كبيراً لعملها".
وأضاف أن "كثرة الذخائر غير المنفجرة من مخلفات القصف، وخاصة القنابل العنقودية والتي وثقنا استخدام روسيا والنظام لـ 11 نوعاً منها، تصعب المهمة بشكل كبير، إضافة إلى استمرار قصف قوات النظام وروسيا، والذي يؤدي إلى تلوث مناطق تم تأمينها"، مردفاً أن "فرق إزالة الذخائر غير المنفجرة في الدفاع المدني السوري أجرت خلال العام الماضي نحو 1300 عملية مسح غير تقني في أكثر من 413 منطقة ملوثة بالذخائر، وأزالت نحو 1000 ذخيرة متنوعة من بينها 442 قنبلة عنقودية.