فجع عدد من الأسر في اليمن بوفاة أطفالهم المرضى خلال الأسبوعين الماضيين، قبل أن تعترف السلطات في العاصمة صنعاء، الخميس الماضي، بوفاة عشرة أطفال مصابين بسرطان الدم "لوكيميا" بعد تلقيهم جرعات من دواء ملوث جرى تهريبه إلى البلاد.
كانت الطفلة فاتن (6 سنوات) قد بدأت بالتعافي التدريجي من مرض سرطان الدم بعد نحو عامين من العلاج في مركز أورام الدم بمستشفى حكومي في صنعاء، يقدم خدمات طبية مدعومة من منظمات إغاثية محلية، وفي موعدها الأسبوعي لإجراء الفحوص، جرى حقنها بالدواء، لتبدأ صحتها في التدهور بشكل متسارع.
يقول مصدر مقرب من أسرة فاتن لـ"العربي الجديد"، إن "الطفلة بدأت تعاني من وجع شديد بالرأس وحمى عقب أخذها جرعة الدواء بساعات، ثم تدهورت حالتها بشكل متواصل، حتى توفيت بعد أسبوع. الأطباء لا يقولون لماذا تدهورت حالتها، رغم أنها قبل الحقنة الأخيرة كانت قد تخطت مرحلة جرعات الكيماوي، وبدأ شعرها بالنمو، وكانت أسرتها تعتقد أنها استجابت للعلاج، وبدأت العودة إلى حياتها الطبيعية".
بدأ الإبلاغ عن حالات الوفاة المريبة للأطفال في صنعاء قبل ثلاثة أسابيع، ونشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي قصة الطفل إسماعيل الخولاني (12 سنة) الذي توفي بعد 24 ساعة من أخذه حقنة الدواء في 28 سبتمبر/ أيلول الماضي.
بعد خمس سنوات من العلاج المتواصل، كان الخولاني عائداً إلى منزله في محافظة إب (وسط) التي تبعد 170 كم عن صنعاء، لكنه شعر بصداع شديد، وبدأ نوبة من القيء، ولم يستطع أن ينزل من السيارة، فحمله والده على ظهره، وكانت تلك الساعات الأخيرة للطفل، وفق ما نقل مقربون من أسرته.
تتضارب المعلومات حول الأعداد الحقيقية للضحايا، وقالت وزارة الصحة التي تديرها جماعة الحوثي، في بيان، الخميس الماضي، إن "10 أطفال توفوا من بين 19 طفلاً من المصابين بسرطان الدم، وتتراوح أعمارهم بين 3 إلى 15 سنة، بسبب مضاعفات تلقيهم دواء جرى تهريبه إلى صيدلية خاصة".
في المقابل، قالت ثلاثة مصادر طبية لـ"العربي الجديد"، إن "الوفيات بلغت 20 طفلاً، وما زال نحو 30 آخرين يعانون من مضاعفات الدواء، وبعضهم بالعناية المركزة في حالة خطرة، ويتوقع ارتفاع عدد الوفيات خلال الأيام القادمة"، ورجحت المصادر التي طلبت عدم ذكر أسمائها، أن "جميع الأطفال المصابين بسرطان الدم الذين توفوا، والذين ما زالوا يعانون، تناولوا دواءً مصنوعاً في الهند، واسمه ميثوتريكسيت (Methotrexate)، ولم يكن متوفراً لدى المستشفى الحكومي منذ فترة، واضطر أهالي الأطفال إلى شرائه من صيدليات خاصة".
وتضيف المصادر أن "الدواء يستخدم بشكل دائم لعلاج هؤلاء المرضى، ويصرف من المستشفى الحكومي ومركز الأورام المتخصص بشكل مجاني، وتقوم على توفيره مؤسسات إغاثية تهتم بمرضى السرطان ومنظمات دولية، لكن مؤخراً نفدت الكمية المتوفرة، واضطر الأهالي إلى شرائه من الصيدليات".
من جهته، يقول المواطن محمد الصايدي، إن ابنته ترقد في العناية المركزة منذ أسبوعين مع عدد آخر من الأطفال منذ أخذها جرعة الدواء، ويضيف لـ"العربي الجديد" من المستشفى حيث يرافق ابنته: "أحياناً تسوء حالتها، وأشعر أنها تموت ببطء. كانت شبه متعافية من المرض بعد سنتين من العلاج. أبلغنا الأطباء أن بعض الأطفال أصيبوا بالشلل من جراء جرعة الدواء التي أصابت النخاع الشوكي، وتسببت لآخرين بسكته دماغية، فالحقنة تعطى في النخاع الشوكي، وتُسحب خلال ذلك عينة لإجراء الفحص".
وخلال سنوات الحرب ازدهرت سوق تهريب الأدوية في اليمن، وغرقت البلاد بالكثير من الأصناف التي لا تخضع لأي رقابة، ويموت كثير من اليمنيين سنوياً بسبب الأدوية المهربة الفاسدة.
واعتبرت جماعة أنصار الله (الحوثيين) أن وفاة الأطفال أحد تداعيات الحصار، وحرب التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، وقال وزير الصحة التابع لها، طه المتوكل، إن دول التحالف تتحمل المسؤولية عن تداعيات الحصار على القطاع الصحي، وإن "هناك أدوية لعلاج سرطان الدم وغيره من الأمراض لا تدخل إلى البلاد".
من جانبه، قال رئيس الهيئة العليا للأدوية التابعة للحوثيين، محمد الغيلي، إن "مضاعفات أمراض الأطفال هي نتيجة لدواء جرى تهريبه من خارج البلاد، ووصل إلى إحدى الصيدليات في العاصمة صنعاء، وجرى شراؤه من قبل أهالي المرضى، ما تسبب بوفاة عدد من الحالات".
وأضاف الغيلي، خلال زيارته مركز الأورام الذي وقعت به وفيات الأطفال: "خلال التحقق من الحادث، تبين وجود دواء ملوث، وحُللت العينات، وتُتبع الدواء، وسُحب ما يوجد منه في الصيدليات، ونعمل حالياً على التوصل إلى مصدر الدواء، والتحقق من الشركة المصنعة".
وانتقد أطباء تمسك جماعة الحوثي بالحصار والحرب مبررات لتغطية عجزهم عن القيام بحماية المرضى، باعتبارهم سلطة أمر واقع، وقال مصدر طبي: "صحيح أن الحرب منعت دخول الكثير من الأدوية، لكن العلاجات المتعلقة بالحياة لم تتوقف، وأبرزها أدوية الأمراض المزمنة والسرطان"، وأوضح المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن "تبرير الفشل بالحرب لم يعد مقبولاً بعد كل هذه السنوات، فهناك مسؤولية مباشرة في الرقابة على الصيدليات والأدوية داخل البلاد".
ودعت ثلاث منظمات حقوقية محلية، أمس الأول الجمعة، إلى فتح تحقيق دولي عاجل في وفاة الأطفال، وقال بيان مشترك صادر عن منظمة سام للحقوق والحريات والمركز الأميركي للعدالة ومنظمة جسور، إنه "ينبغي على المجتمع الدولي، لا سيما منظمة الصحة العالمية ويونيسف، فتح تحقيق دولي في أسباب وفاة وتدهور أحوال عشرات الأطفال داخل أحد المشافي الخاضعة لسلطة جماعة الحوثي، بعد إعطائهم أدوية فاسدة".
بعد ارتفاع أعداد الضحايا إلى 20 طفلا
— منظمة سام (@SAM4rights_Ar) October 14, 2022
منظمات حقوقية تدعو لفتح تحقيق دولي عاجل في وفاة وإصابة عشرات الأطفال المصابين بمرض السرطان داخل مستشفى يخضع لسلطة جماعة #الحوثي بعد إعطائهم أدوية منتهية الصلاحية.
بيان: https://t.co/KorMKGR7Kd pic.twitter.com/6i6aqhv65L
إلى ذلك، حملت الحكومة اليمنية الشرعية، جماعة الحوثي مسؤولية وفاة الأطفال مرضى سرطان الدم، وقال وزير الإعلام في الحكومة الشرعية، معمر الأرياني، إن "التقارير تؤكد أن مليشيا الحوثي قامت بتوزيع جرعة من الأدوية منتهية الصلاحية، كانت قد حصلت عليها كمساعدة مجانية من منظمة الصحة العالمية وجهات مانحة أخرى، وباعت جزءاً منها، وخزنت كميات أخرى لفترات طويلة، قبل أن تقوم بالتلاعب في تاريخ الصلاحية، وتوزيعها على المستشفيات في صنعاء".
2-تؤكد التقارير أن مليشيا الحوثي قامت بتوزيع جرعة من الأدوية منتهية الصلاحية، كانت قد حصلت عليها كمساعدة مجانية من منظمة الصحة العالمية وجهات مانحة أخرى، وباعت جزء منها، وخزنت كميات أخرى لفترات طويلة، قبل أن تقوم بالتلاعب بتاريخ الانتهاء، وتوزيعها على المستشفيات
— معمر الإرياني (@ERYANIM) October 14, 2022