السعادة التركية... ولايات تحلّق بالحياة في زمن الحروب

19 ديسمبر 2023
تجمع أفيون قره حصار تعاقب الحضارات وجمال الطبيعة (بيرك أوزكان/الأناضول)
+ الخط -

ليس المال وجمال الطبيعة وفراهة العمران مصادر السعادة، فالرفاهية والعيش الرغيد لا يصنعان السعادة. ولطالما اتفق الأقدمون على أن الرضا والقناعة هما جناحا السعادة اللذان يحلقان بصاحبهما، بصرف النظر عن الماديات أو الظروف، التي تأتي، مهما عظمت، بعد العامل الذاتي وقرار الحصول على السعادة. ويتفق كثير من الفلاسفة على أن السعادة تأتي بقرار ينطلق من الرضا الدائم وعدم مراقبة الآخرين والانشغال بهم وبما يملكون.
لكن السؤال المطروح هنا هل تشمل هذه الأفكار المدن أو هناك عوامل أخرى لا بدّ أن تتوفر كي تغدو المدينة سعيدة، ويتمتع سكانها برضا وتوازن في زمن الحروب التي لا تهدأ وغلاء الأسعار الذي زاد الجوع، والمخاطر الطبيعية التي تؤرق سكان الأرض؟
تتحدث الباحثة في جامعة محمد الفاتح بإسطنبول، عائشة نور، عن معايير السعادة التي تعتمدها تركيا، وتقول لـ"العربي الجديد": "يرتكز مؤشر السعادة على استطلاع لآراء عينات أشخاص من كل ولاية توجه أسئلة إليهم عن المسائل المعيشية، مثل الدخل والقدرة على العيش برفاهية، وقضايا شخصية مثل متوسط العمر ومدى ممارسة الحرية، وأمور أخرى تتعلق بالدولة مثل الدعم الاجتماعي والرعاية والخدمات، كما أن تراجع الفساد وشعور المواطنين بالعدالة وتطبيق القانون مؤشرات مهمة بالنسبة إلى ترتيب السعادة".
تضيف: "جمال الطبيعة وتوفر السلع وخدمات التكنولوجيا أمور مهمة لكنها لا تكفي لتحقيق السعادة، وإلا لحلّت إسطنبول في المرتبة الأولى، لكن مواجهتها الازدحام وهدر الوقت على الطرقات بالمدن الكبرى تسرق السعادة من سكانها".
وتشير نور إلى أن "ولاية سينوب (شمال) تتصدر السعادة في تركيا منذ عقد من الزمن، بسبب قلة عدد السكان، وانخفاض تكاليف المعيشة والهدوء وجمال الطبيعة الذي ينعكس على نفسية السكان. كما يحرص القائمون على الولاية على تحقيق السعادة، وتوفير خدمات نقل سهلة ومنخفضة التكلفة، وتنظيم أنشطة وحفلات ومهرجانات تستمر على مدار العام".
واللافت أن ترتيب الولايات الأكثر سعادة لهذا العام لم يتضمن بعض الولايات الأكثر جمالاً واستقطاباً للسياح، مثل أنطاليا وإزمير وإسطنبول. وحلّت في المركز الأول ولاية سينوب التي تقع أقصى شمال تركيا من جهة البحر الأسود ويقطنها نحو 200 ألف نسمة على مساحة 5862 كيلومتراً مربعاً، ولا يزيد معدل الكثافة السكانية فيها عن 34.6 شخصاً لكل كيلومتر مربع.

وسط مدينة بايبورت (أوزان كوشي/ الأناضول)
وسط مدينة بايبورت (أوزان كوشي/ الأناضول)

وتتميز سينوب بطبيعة خاصة تجمع بين الجبل والبحر والمعالم التاريخية. وتأتي البحيرة البيضاء كأجمل الأماكن في سينوب إلى جانب شلالات "آر فالك" الفريدة بمياهها وانحدارها، وتتضمن مواقع تاريخية رومانية وبيزنطية وعثمانية مثل قلعة سينوب والأسوار القديمة المحيطة بالمدينة القديمة. وتزخر سينوب أيضاً بمواقع شهيرة لعشاق التاريخ والباحثين عن الروحانيات، مثل كنيسة بالاطالار وجامع علاء الدين كيكوباط.
وكان المركز الثاني من نصيب ولاية أفيون قره حصار التي تعرف في تركيا بمواقع العلاج بالمياه المعدنية والطيب، وتقع في منطقة إيجه بمساحة 14.532 كيلومتراً مربعاً، ويسكنها نحو 820 ألف شخص، ما يجعلها قليلة الازدحام إذ لا يزيد معدل الكثافة السكانية فيها عن 55 نسمة في الكيلومتر المربع.
وتجمع أفيون قره حصار تعاقب الحضارات وجمال الطبيعة وأسرار الأرض. وهي تعرّف بالحمامات ومواقع العلاج بالمياه المعدنية لكنها، بالمفهوم التركي، ولاية حضرية تعتمد على الصناعة والتجارة.
ومن أهم معالم الولاية قلعة قره حصار أفيون "القلعة السوداء"، وخان المولوية، وبحيرة قره كويو افيون. وتبقى حمامات أفيون الأبرز في الولاية، وتقع إلى جانب الحديقة الكبرى "أنيت بارك افيون"، في حين لا تفتقر الولاية إلى المواقع التاريخية والروحية، إذ تتضمن جامع أولو أفيو السلجوقي والمتحف الأثري الذي يؤرخ ما تعاقب على الولاية منذ العصر الروماني.

أما بايبورت (شمال شرقي) بمنطقة البحر الأسود التي حلّت في المركز الثالث فيسكنها نحو 50 ألف شخص، وهي مدينة وليست ولاية بمساحة 2705 كيلومترات مربعة، ما يجعلها أقل المواقع ازدحاماً وكثافة في تركيا، علماً أنها تحتل مراكز متقدمة أيضاً في التصنيف الزراعي والسياحي. ويزيد مرور نهر تشورة، الأسرع والأعمق في العالم، ميزات مدينة بايبورت التي تحوّلت إلى نقطة جذب مهمة لعشاق الرياضات المائية، وبينها التجذيف.
وفي مدينة بايبورت السعيدة مغارة الثلج الشهيرة وقلعة بنتها سلالة "باغرات" الأرمينية خلال الفترة بين 885 و1044 ميلادياً. ومن أسرار المدينة قبر الجد "كوركوت" على حدود ولاية بايبورت، حيث ينظم مهرجان فني ثقافي دولي سنوياً في يوليو/ تموز.
وفي باقي ترتيب الولايات السعيدة حلّت كريك قلعة في المركز الرابع، وبعدها كوتاهيا وتشانقيري ودوزجة وأوشاك وسيرت وشرناق.

المساهمون