أجبرت الكثبان الرملية، التي خلّفت أضراراً كبيرة وعطلت مجموعة من الخدمات الحيوية للسكان، مئات من الأسر التي تقطن بلدة كولوب بولاية بونتلاند، شمال شرقي الصومال، على النزوح إلى مناطق ومدن وقرى قريبة، وقصد بعضها مدينة جرعد الساحلية التي تضم ميناءً جديداً يغذي الشريان الاقتصادي للولاية، التي أعلنت نفسها مستقلة عن الصومال من جانب واحد منذ عام 1998، وتضم أكثر من 4 ملايين نسمة.
في الطريق إلى بلدة كولوب الساحلية، تنتشر، في ظاهرة لافتة، رقعة المساحات الخضراء بعكس ما تشهده المناطق الجنوبية والوسطى في الصومال من موجات جفاف حادة. وهي باتت مرتعاً للمواشي والحيوانات البرية، بينها غزلان وظباء، لكن تأثيرات التغيّر المناخي ضربت البلدة ومحيطها على نحو مختلف، حيث تزحف الكثبان الرملية تدريجياً بمعدل 20 متراً سنوياً نحو القرى والبلدات الساحلية. وقد أغلقت جميع الطرق المؤدية إلى بلدة كولوب، في ظل عدم إمكان وقف تمدد الرمال، ولم يبق فيها سوى أسر قليلة لا حول ولا قوة لها على مقاومة الكارثة.
يقول محمود محمد كارش، نائب مديرة بلدة كولوب الساحلية، لـ"العربي الجديد": "بعد ظاهرة الأمواج العاتية (تسونامي) التي ضربت سواحل الصومال عام 2004، تضررت البنية التحتية للبلدة. وقد توافدت في تلك الفترة فرق لهيئات محلية ودولية إلى البلدة، وأعادت تشييد المباني من خلال مساعدات أجنبية، ووزعتها على سكان البلدة. ولاحقاً، بدأت مع مرور السنوات الكثبان الرملية تزحف من الساحل إلى البلدة، وبدأ السكان يهجرونها إلى بلدات ومدن قريبة، وحدث شيء لم يكن في الحسبان. وندعو أن تزول هذه المشكلة التي تهدد منازلنا ومستقبل بلدتنا".
ويشير إلى أن "مسؤولين من الإدارة الفيدرالية لولاية بونتلاند تفقدوا البلدة للوقوف عن كثب على أحوالها الميدانية، علماً أنّها تأوي حالياً نحو 50 أسرة فقط من أصل 230 كانت تسكن فيها. والأسر الباقية في حال فقر شديد، ولا تستطيع توفير متطلبات النزوح للعيش في مدن أخرى بسبب ارتفاع تكاليف الحياة فيها". ويختم بالقول: "معظم منازل البلدة مهدمة بفعل الرياح والتراب، ولم تعد صالحة للعيش، كما بات بعضها تحت الأرض، ولا مبادرات حكومية حتى الآن لإنقاذ هذه البلدة من الزوال".
وتتفقد الأسر التي بقيت في بلدة كولوب صباح كل يوم المنازل التي هجرتها، ويحاول أفرادها مكافحة زحف التراب الذي لا يتوقف، لكنها جهودهم تظل يائسة في ظل العجز عن وقف زحف الرمال التي دمرت مستوصف البلدة والمساجد والمدارس.
وتكافح ماما آمنة، وهي بين عشرات من أفراد الأسر الفقيرة التي بقيت في بلدة كولوب، في سد المنافذ التي يتسرب التراب إلى داخل منزلها المحاط بأخرى مدمرة، وتقول لـ"العربي الجديد": "تحتاج البلدة إلى تدخل عاجل من السلطات الحكومية لوقف زحف الرمال المتحركة إليها، وإنقاذها من الزوال. وقد تأثرت الخدمات الأساسية للحياة في البلدة، وتوقفت بالكامل، ما دفع الأسر الميسورة إلى النزوح. ونحن نأمل زوال هذه المصيبة، فالرمال تزداد يوماً بعد يوم، وتهاجم البلدة من كل الاتجاهات، ونطالب بتطبيق سياسات حكومية لوقف الرمال عبر تطبيق مشاريع تشجير، واستخدام جرافات لإزالة الكثبان التي أغلقت جميع طرق البلدة.
في السياق، يقول مسؤولون في الحكومة المحلية بولاية بونتلاند إن "3 بلدات تقع على الساحل الشرقي للولاية شهدت زحفاً مستمراً للرمال، ما دفع سكانها للنزوح إلى مناطق أخرى في الولاية، لكن الكثبان الرملية تهدد أيضاً مناطق أخرى، خاصة مدينة جرعد الساحلية التي تشهد حالياً زحفاً نحو معالمها ومبانيها. ويشير هؤلاء إلى أن "الكثبان الرملية أغلقت كافة مرافق الحياة الأساسية في البلدات المنكوبة، والحكومة المحلية في بونتلاند تعمل لتنفيذ مشاريع وبرامج، وتجري حالياً عملية تقييم للوضع في البلدات المنكوبة بالكارثة الطبيعية، من خلال تنفيذ الوزارات المعنية زيارات ميدانية لمعاينة الأوضاع على الأرض ومحاولة تقييم وسائل التدخل المتاحة بحسب الإمكانات المتوفرة، مثل وزارة البيئة والتغير المناخي، ونحن نتطلع إلى تنفيذ مشاريع إنمائية حكومية بالتعاون مع المجتمع الدولي". ويوضح المسؤولون أن "مشكلة الكثبان الرملية تتجاوز قدرات وإمكانات الحكومة المحلية في بونتلاند، لذا نناشد المنظمات الدولية العاملة في مجال الإغاثة الإنسانية توفير إمكانات لإعادة توطين وتأهيل البلدات التي طمرها التراب".
وعموماً، تواجه مناطق كثيرة في الصومال أزمة جفاف حادة تهدد حياة نصف سكانها، بفعل التغيّرات المناخية التي تضرب منطقة القرن الأفريقي، وتهدد حياة 22 مليون شخص، بينما تتمدد موجات الكثبان الرملية في المناطق الشمالية الشرقية تحديداً، بخاصة في ولاية بونتلاند التي يبدو أنّ إدارتها المحلية عاجزة عن التدخل سريعاً لإنقاذ مدن ذات طبيعة خلابة من الضياع والزوال، بسبب الكثبان الرملية وموجات التصحّر.