أعلنت السلطة القضائية في العراق، عن خطوات جديدة لحسم ملف "تشابه الأسماء" في المحاكم العراقية، الذي يتسبب باعتقال أشخاص لمجرد تشابه أسمائهم مع آخرين مطلوبين للقضاء، مؤكدة إصدار توجيهات بإلغاء جميع أوامر القبض التي لا تتوفر فيها البيانات الكاملة للمتهم، فيما بررت الملف بأنه كان نتيجة أسباب عدة منها "غير تنظيمية" وأن أغلب مذكرات الاعتقال كانت تصدر بدلالة المخبر السري.
ويعدّ ملف تشابه الأسماء، من الملفات الشائكة في العراق، فالقوات العراقية و"الحشد الشعبي" تعتمد في عمليات الاعتقال على الاسم الثلاثي للعراقيين، وإلى أن يثبت السجين أنه ليس الشخص المطلوب، يقضي فترات قد تصل لأكثر من عام داخل السجن، بسبب الإهمال والتعقيد القضائي، وتراكم الملفات، فضلا عن أجندات سياسية تحكمت سابقا بالملف.
وإثر انتقادات تعرضت لها الحكومات العراقية والقضاء بشأن الملف، أكد القاضي الأول في محكمة الكرخ الأولى، علي حسين جفات، أنّ "مشكلة تشابه الأسماء بدأت بعد زيادة العمليات الإرهابية التي أفرزت زيادة في القضايا التحقيقية لمواجهة تلك الهجمة بعد عام 2003، وأن هذه الظروف فرضت إصدار مذكرات قبض بحق العديد من المتهمين في تلك الهجمات، ومنها أسماء ثنائية وثلاثية وفي بعض الأحيان كنى وألقاب".
وبيّن في حديث لصحيفة "القضاء"، الرسمية الصادرة مساء أمس الخميس، أن "أغلب تلك المذكرات كانت تصدر بدلالة إما مخبر سري أو مشتك لتنفيذ مضمون المذكرات المذكورة، ما أدى إلى ظهور أسماء شائعة مكررة سببت مشكلات لأصحابها".
وأوضح أنه "بعد استقرار عمل المحاكم تم التوجه إلى التنفيذ بإصدار مذكرات أمر القبض وفق البيانات الكاملة لاسم المتهم التي تتضمن الاسم الكامل واسم الأم لتفادي حالة تشابه الأسماء، وعدم استغلالها من قبل ضعاف النفوس مع العلم أن المحاكم كانت عند إصدار أمر القبض لا تقرر تعميم هذه المذكرات وإنما تكتفي بإصدارها إلى الجهة التحقيقية التي تتولى التحقيق".
وأشار إلى أن "الخلل الأساسي كان في إجراءات وزارة الداخلية، وتحديداً عام 2014 بعد الهجمات الإرهابية على المحافظات الثلاث (اجتياح داعش)، إذ قامت وبتصرف شخصي وبدون العودة إلى مجلس القضاء الأعلى بتعميم جميع مذكرات القبض الصادرة سواء وفق قانون مكافحة الإرهاب أو الجرائم العادية، وتوزيع الأسماء على الحواجز الأمنية ونقاط التفتيش، ورغم مطالبة مجلس القضاء الأعلى طيلة الفترة الماضية بالتقيد بالإجراءات القانونية وعدم تعميم أي أمر قبض إلا بقرار قاضٍ، لم تكن هناك استجابة في سحب تلك المذكرات، وتم تشكيل لجنة في وزارة الداخلية لهذا الغرض".
وعزا "ظاهرة تشابه الأسماء إلى عدة أسباب، منها أن معظم أسماء العراقيين متكررة، وكذلك أماكن كثيرة تحمل لقبا واحدا ينتشر بين معظم أهالي المنطقة"، لافتا إلى أن "مجلس القضاء الأعلى قد أصدر تعميمات على ضوئها قررت المحاكم إلغاء جميع أوامر القبض التي لا تتوفر فيها البيانات الكاملة المنصوص في القانون".
وتشهد مناطق شمال وغربي العراق، والعاصمة بغداد حوادث اعتقال متكررة بناءً على معلومات متشابهة بين أبرياء ومطلوبين للقضاء، وتسببت هذه الظاهرة بتغييب مئات العراقيين، وأفرج عن بعضهم بعد أشهر من الاعتقال بأضرار بالغة في أجسادهم وآخرون لا يزالون مجهولي المصير، فيما يعيش آخرون، ينفذون من عمليات التدقيق الأمني، حالة من الخوف المستمر خشية اعتقالهم.
وعلى الرغم من حديث السلطة القضائية ووعودها بحسم الملف، إلا أن سياسيين شككوا في إمكانية ذلك، مؤكدين غياب الجدية بهذا التوجه من قبل الحكومة والقضاء.
وقال الناشط الحقوقي أحمد حقي، إنّ "الملف استغل سياسياً، وتم زجّ الآلاف داخل السجون عن طريق تشابه الأسماء والمخبر السري، ما أوجد مآسي حقيقية داخل السجون".
وأكد لـ"العربي الجديد"، أن "جهوداً فردية في البرلمان عن دورته السابقة، حاولت تحريك الملف، لكنها منعت أساسا من دخول السجون ومتابعة الملفات وتدقيق الأسماء". وبيّن أن "القضاء سبق وأن وعد بحسم الملف، لكنه لم ينفذ، والآلاف ما زالوا داخل السجون بتهمة تشابه الأسماء والكثير منهم صدرت بحقهم أحكام قضائية تصل إلى المؤبد".
يشار إلى أنّ السنوات السابقة شهدت صدور مذكرات اعتقال كثيرة في العراق، بتهم الإرهاب، بينما يؤكد مراقبون أنّ أغلب تلك المذكرات لم تبن على أسس مهنية وقانونية، بل تم استغلال الملف لأغراض سياسية، لاسيما إبان حكومة المالكي والتي استمرت لدورتين برلمانيتين (2006 – 2014)، كما أن حملات الاعتقال التي نفذت في تلك الفترة كانت الغالبية منها عشوائية، وكل من يزج داخل السجون عن طريق تشابه الأسماء لا تتم متابعة ملفه قضائيا.