العنف الجنسي يطارد نساء السودان... ومطالبات بمحكمة دولية

01 اغسطس 2024
يضاعف النزوح واللجوء مخاطر العنف الجنسي (دان كيتوود/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **انتهاكات جسيمة وجرائم عنف جنسي:** منذ بدء الحرب في السودان في 15 إبريل/نيسان 2023، تعرض المدنيون، وخاصة النساء، لانتهاكات جسيمة وجرائم عنف جنسي من قبل قوات الدعم السريع، وفقًا لتقارير منظمات حقوقية.

- **مطالبات بالمحاسبة الدولية:** المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الأفريقي طالبت بمحاسبة جنائية لقادة الدعم السريع وتشكيل محكمة خاصة تحت سلطة الأمم المتحدة، مشبهة الوضع بمجازر رواندا والبوسنة.

- **تحديات تحقيق العدالة:** سليمى إسحق وحنان نوري أكدتا على ضرورة المحاسبة وضمان عدم تكرار الجرائم، مشيرتين إلى التحديات الكبيرة مثل ضعف المؤسسات القضائية والثقافة المجتمعية المتحيزة ضد النساء.

سبّبت الحرب المتواصلة منذ 15 إبريل/نيسان 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، انتهاكاتٍ جسيمةً بحق المدنيين من مختلف الولايات، كان من بينها جرائم عنف جنسي.

كشفت منظمات حقوقية محلية ودولية عن وقوع انتهاكات جسيمة بحق نساء السودان على أيدي طرفي الصراع العسكري المستمر في البلاد، وحذرت منظمات من بينها "هيومن رايتس ووتش"، من مخاطر تكرار تلك الجرائم، وخطورة استمرار الإفلات من العقاب.
وكشف تقرير أصدرته المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الأفريقي "صيحة" في 22 يوليو/ تموز، عن فظائع ارتكبتها قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة (وسط)، والتي سيطرت على أجزاء واسعة منها في ديسمبر/كانون الأول الماضي، من بينها جرائم اغتصاب، وتضمن التقرير شهادة لسيدة، قالت: "تعرضنا لهجوم على المنزل، شارك فيه نحو 10 مسلحين بزعم أنهم يبحثون عن جنود، وهددونا بالاغتصاب قائلين: سنستخدمكم كيفما نشاء، لماذا لم تغادروا سلفاً؟ وبعد المغرب سمعنا صوت صراخ من منزل الجيران، وحين ذهبنا وجدنا أنهم اغتصبوا الأم وبناتها الثلاث".
تضيف المرأة التي لم يذكر التقرير اسمها: "كان وضعهن سيئاً للغاية، ورفضن مغادرة المنطقة، فقد تعرضن للاغتصاب، ولا فائدة من المغادرة، بينما قررت أسرتي المغادرة فوراً، وخلال التنقل في الحي، سمعنا صراخ نساء وفتيات يتوسلن إلى الجنود أن لا يغتصبوهن، وسمعنا جنوداً يأمرون النساء بخلع ملابسهن".

ويؤكد تقرير "صيحة" أن "العنف الجنسي انتشر حتى على الطرق، حيث يجبر جنود الدعم السريع الركاب على ترك المركبات، ويأخذون النساء والفتيات لاغتصابهن، وقد توفيت إحداهن في 5 مارس/آذار الماضي، وكانت تبلغ 28 سنة، بعد تعرضها للتعذيب لمقاومتها محاولات الاغتصاب"، وطالب المبادرة بمحاسبة جنائية لقائد الدعم السريع في ولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل، وغيره من القادة المسؤولين بشكل مباشر عن هذه الانتهاكات المروعة وفق محكمة خاصة يتم تشكيلها تحت سلطة الأمم المتحدة.
وقالت المديرة الإقليمية لشبكة "صيحة"، هالة الكارب، لـ"العربي الجديد"، إنهم شبكة نسوية تعمل في مجال الحقوق والعدالة منذ أكثر من 20 عاماً، وقد شهدوا ووثقوا العديد من الفظاعات التي ارتكبتها المؤسسة العسكرية ونظام البشير في السودان، إضافة إلى تواطؤ النخب المدنية، خصوصاً في مناطق دارفور وكردفان، وأطراف العاصمة الخرطوم، معتبرة أن "الجنجويد والدعم السريع هما نتاج طبيعي لسياسة الإفلات من العقاب، واتفاقات تقاسم السلطة والثروة التي أغفلت ترتيبات العدالة، ما أوصلنا السودان إلى حمامات دماء واغتصابات وجرائم إرهابية. إذا كنا نتحدث عن سلام واستقرار، فلا بد من معاقبة القيادات المسؤولة، فالحديث عن ترتيبات سياسية من دون عدالة سينتج دورات جديدة من العنف والحروب". وأشارت الكارب إلى أن "ما يحدث في السودان مجازر جماعية لا تقل خطورة عن مجازر رواندا والبوسنة والهرسك، وينبغي تشكيل محكمة جنائية خاصة لمحاكمة الجناة، وهم شخصيات معروفة مسؤولة عن ما ارتكب من جرائم شنيعة بحق السودانيين ضمن استراتيجية الحرب".

يتهم طرفا الصراع في السودان بارتكاب جرائم اغتصاب (إبراهيم حامد/فرانس برس)
يرتكب طرفا الصراع في السودان جرائم جنسية (إبراهيم حامد/فرانس برس)

بدورها، قالت مديرة مركز الجندر للبحوث، نعمات كوكو، لـ"العربي الجديد"، إن "استخدام سلاح الاغتصاب تم لأول مرة في دارفور (غرب)، لأن المليشيات حاولت انتهاك حرمات المواطنين عبر استهداف الإناث، واستخدم في الحرب الحالية العنف القائم على النوع الاجتماعي، وهناك أيضاً استغلال جنسي للنساء في مناطق سيطرة الجيش والمليشيات العاملة معه مثل قوات نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار المتهمة بانتهاكات". وأضافت: "نطالب بمحاكم دولية لمحاسبة قادة الدعم السريع، ويجب أن تشمل المتفلتين بالجيش أيضاً، لأنها جرائم ضد الإنسانية، والمطالبة بمحاكم دولية نابعة من عدم الثقة في المحاكم الوطنية، وهناك تجربة في الجنائية الدولية عندما حكمت الرئيس السابق عمر البشير وآخرين، ولم يتم تسليمهم. لسنا موقعين على ميثاق المحكمة الأفريقية، والتي كان يمكن أن تكون ساحة للعدالة، ولدينا تاريخ طويل من الإفلات من العقاب، وطرفي الحرب أصلاً متورطان في جملة من الانتهاكات السابقة".
وترى مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة (حكومية) سليمى إسحق، أن "ضياع الحقوق قائم في كل الحقب في السودان، وحين يتم غض الطرف عنها تصبح المحاسبة عسيرة، وفي تقاريرنا المقدمة للأمم المتحدة نتحدث عن قضية المحاسبة باعتبارها أمراً ضرورياً، ويجب أن تطاول كل الجناة، وليس مليشيا الدعم السريع وحدها، رغم أنها صاحبة النسبة الأكبر من الانتهاكات بحق النساء". وتوضح سليمى لـ"العربي الجديد" أنه "قد لا يتم ضمان الوصول إلى جميع الجناة، لكن القادة يتحملون المسؤولية كونها جريمة حرب. ليست أول مرة تحدث فيها هذه الفظائع، لكنها الأسوأ وعددها كبير، ويظل التهديد قائماً ما دامت الحرب مستمرة، فالحرب نفسها انتهاك، ومسألة المحاسبة ضرورية لضمان عدم تكرار الجرائم".

وتقول عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد النسائي السوداني، حنان نوري، لـ"العربي الجديد"، إن "استمرار الجرائم بحق النساء يعكس وجود تحديات كبيرة تعيق تحقيق العدالة والمساءلة، وتتمثل في ضعف المؤسسات القضائية، وكونها غير فعالة أو غير مستقلة بشكل كامل، ما يجعل من الصعب تحقيق العدالة، كما أن الثقافة المجتمعية الرائجة، ووجود تحيزات ضد النساء تؤدي إلى تهميش قضايا العنف الجنسي، إلى جانب المصالح السياسية والعسكرية التي تحول دون محاسبة الجناة، خاصة في النزاعات، حين تكون السلطة نفسها متورطة في الانتهاكات". وتؤكد نوري إمكانية تحقيق المحاسبة، لكن ذلك يتطلب جهوداً مضاعفة، وإرادة سياسية حقيقية على المستويين المحلي والدولي، إضافة إلى تقوية الأنظمة القضائية، وبناء قدرات المؤسسات العدلية لضمان استقلاليتها وفعاليتها في ملاحقة الجناة، مع ضرورة الفصل بين السلطات.

المساهمون