لا تأكيد علمياً على استخدام "العين الزرقاء" في الحماية من الحسد، لكنّ تجارب عدة تؤكد أنّها ليست خرافة. وفي تركيا تُهديها الجدات للمواليد لردّ الحسد والطاقة الشريرة وجلب الحظ.
يؤكد الشاب التركي العشريني إيمري باشران الذي يدرس فنون الطبخ، أن "العين الزرقاء" التي تُعرف أيضاً بـ"الخرزة الزرقاء" حمته مرات من الحسد، ويؤيد بالتالي حملها أو وضعها في العنق "من أجل كسر نظرات الحاسدين، وامتصاص الطاقة والأشعة السلبية التي تعترض حياة الإنسان، وحماية الأرزاق والصحة والممتلكات". يقول لـ"العربي الجديد": "لا أعتقد أنّها خرافة، بل وسيلة مجرّبة في إبعاد الحسد وأثره الذي ذكره القرآن الكريم في آية "ومن شر حاسد إذا حسد"، كما ورد في إنجيل مرقس في آية "لأنّه من الداخل، من قلوب الناس، تخرج الأفكار الشريرة: زنى، فسق، قتل"، ولذلك، تنتشر الخرزة الزرقاء في ثقافة أسرتي التي تقيم في حي درامان بمنطقة الفاتح بمدينة إسطنبول، فهي معلّقة على باب المنزل من الخارج، وتوجد بأشكال وطرق مختلفة أيضاً في أرجاء المنزل".
فعلياً، تعكس قصص "العين الزرقاء" اقتناع الأتراك بتأثيرها، لكنهم ينظرون إلى وجودها أيضاً بأنها غير مضرّة أو مزعجة، ويحرصون بالتالي على نشر نماذج مقتنياتها في وسائل النقل والمنازل والمكاتب والشركات.
السؤال الأول الذي يطرح نفسه، من أين جاءت تميمة "العين الزرقاء" وانتشرت في أسواق تركيا ومنازلها وحتى داخل السيارات، في ظاهرة لافتة جداً اقتحمت ثقافة البلاد وأثرّت فيها بشكل بالغ، حتى بات حملها ووضعها من عادات الشباب، ولم تلقَ يوماً تمرداً من أي جيل جديد، بخلاف انقلابهم مثلاً على بعض الأزياء التقليدية.
تقول أستاذة التاريخ سيهان كارمان لـ"العربي الجديد" إن "تميمة العين الزرقاء موجودة ومنتشرة منذ حضارة المصريين والصينيين والإغريق، ورأيناها ضمن نقوشهم وآثارهم. والعين عموماً بين أكثر أعضاء الجسد انتشاراً في القصص عبر التاريخ، لأنّها مرآة للذات، ويعتقد بأنها تجلب البركة وتبعد الطاقة السلبية، وهو أمر لا يتنافى مع العلوم الحديثة، ومنها الباراسيكيولوجيا".
إلهامات اللون الأزرق
ويعتقد في تركيا بأن التميمة الزرقاء الزجاجية أفضل من البلاستيكية التي تنكسر بعد صدّها حسد العين، وكذلك بأن فعاليتها تقل في إبعاد الحسد والشر إذا اشتراها صاحبها بنفسه، إذ من الأفضل تكليف إنسان طيب ومحب ويتحلى بنوايا خيّرة بشرائها، أو الحصول عليها هدية من أشخاص متقدمين في السن وجدّات أو أجداد يتمنون لأحفادهم الخير والرزق الوفير.
والتبرير السائد لعودة انتشار التمائم، أو حتى لغلبة اللون الأزرق على الإكسسوارات، أو وشم الشباب، أنّ النجاح والتميّز وسعة الرزق تخلق الحسد والغيرة لدى الأعداء، ولا بدّ بالتالي من كسر نظرتهم الشريرة الحاسدة، عبر زرقة العين التي تطرد الحسد والمصنوعة عادة من الزجاج.
أصحاب العيون الزرقاء
كما يزداد الاعتقاد في تركيا بأنّ أصحاب العيون الزرقاء، هم الأكثر نشراً لنظرات الحسد، ويمكن أن يلحقوا الضرر بالممتلكات وصحة البشر. ويستشهدون بأسر كاملة تعيش جنوبي البحر الأسود من ذوي العيون الزرقاء، ولديهم قدرات كبيرة على "الإصابة بالعين" والتأثير على من يرمونه بشعاع عيونهم.
ويرى أتراك تحدثت إليهم "العربي الجديد" عن أثر العين على إلحاق الضرر بآخرين، أن "عيون بعض البشر تصدر أشعة غير مرئية قد تتلف ممتلكات وتسقط أواني معلقة أو حتى تقتل البشر والأطفال خصوصاً"، علماً أن هذه المعتقدات لا تتنافى مع ما وراء علم النفس (باراسيكيولوجيا) الذي تجري تنميته، ويتقن عبر التدريب والتأهيل.
ويقول رجل الدين محمد خلف لـ"العربي الجديد": "يتسلح مستخدمو التمائم غالباً بالكتب السماوية، وما تتضمنه عن الحسد وطرق درئه. وأنا لا أقول إن هذا محرّم في الإسلام، لكن لا صحة لكل ما يقال عن حماية التمائم للبشر أو الممتلكات من الشر والأذى". ولا ينكر خلف وجود حديث نبوي يورد أنّ "العين حق. ولو كان شيء سابقَ القدر سبقته العين..."، لكنّه يستدرك بأنّ "التمائم تستخدم للوقاية والعلاج، وهو ما يحصل من خلال طرق شرعية نافعة، مثل الرقى والأدعية الشرعية التي تخضع لمقولة من ابتلي بالعين فداووه في كتاب الله".
ويرى الباحث محمد أرسلان أنّ التمائم "طقوس اجتماعية منتشرة عبر الحضارات وفي مناطق جغرافية عديدة حول العالم، أما تفسير انتشارها في تركيا تحديداً فيُحتم إبعاد المعتقد الديني عن الموضوع، فالاعتقاد بتأثير التمائم يتفاوت في تركيا، وهي ظهرت مجدداً كصناعة في السنوات الأخيرة، ويمكن النظر إليها على أنها ذات قيمة أو موروث ثقافي، علماً أن خرزة العين الزرقاء أُدرجت عام 2014 ضمن قائمة اليونسكو لمجموعة القيم الثقافية والتراثية غير المادية، إلى جانب ثقافات القهوة التركية وتقاليدها، والراوي الشعبي والمولويّة، وعروض كركوز، والمصارعة الزيتية التركية، فخرزة العين الزرقاء ذات قيمة تراثية وثقافية لدى الأتراك".