استمع إلى الملخص
- **أزمات اقتصادية متفاقمة:** الحرب المستمرة منذ 7 أكتوبر والحصار المستمر منذ 18 عامًا أديا إلى أزمة اقتصادية حادة، مع قطع المساعدات المالية وشحّ المساعدات الإنسانية، مما أثر على القدرة الشرائية وصعوبة الحصول على السيولة النقدية.
- **ارتفاع أسعار الملابس المستعملة:** نتيجة للحرب والإغلاق التام للمعابر، ارتفعت أسعار الملابس المستعملة بشكل كبير، مما دفع الفلسطينيين للبحث في أكوام الملابس المستعملة لتلبية احتياجاتهم، وخلق سوق للملابس المستعملة كمصدر دخل.
يعاني الفلسطينيون من أهالي قطاع غزة منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، من نقص شديد في مختلف المتطلبات الأساسية، بفعل الاغلاق المتواصل للمعابر، ومنع دخول الماء، والغذاء والدواء، إلى جانب منع دخول الملابس، والأحذية، ومستلزمات النظافة الشخصية وغيرها من ضروريات الحياة، ما أجبر الفلسطينية إنعام صقر من مدينة غزة على الجلوس أمام كومة من ملابس البالة "المستعملة" لاختيار قطع تناسبها وتناسب أطفالها وزوجها، بعد فشلها في إيجاد القطع والمقاسات الموائمة لأسرتها بفعل النقص الحاد في الملابس والمستلزمات الشخصية نتيجة للحرب المستمرة منذ 7 أكتوبر.
الفلسطينيون في غزة يعانون من أزمات لا تنتهي
وتتجمع عدة أزمات أمام الفلسطينيين في قطاع غزة منذ عشرة أشهر، هي عمر العدوان المتواصل، الذي سبقه ثمانية عشر عاماً من الحصار والإغلاق المتواصل للمعابر، ما سبّب أزمة اقتصادية حادة، أثرت مباشرةً بالقدرة الشرائية للمواطنين، فيما تفاقمت الأزمة خلال الحرب، بفعل قطع المساعدات المالية، وشحّ المساعدات الإنسانية، إلى جانب عدم توافر السيولة النقدية لدفع رواتب الموظفين، أو صرف الحوالات المالية، باستثناء بعض المصارف والمندوبين الذين يقومون بالصرف بمقابل نسب مرتفعة تصل إلى 20% أو أكثر من قيمة المبالغ المصروفة.
ويواجه الفلسطينيون منذ الأيام الأولى للحرب إلى جانب صعوبة الأوضاع الاقتصادية، أزمة شديدة في الملابس بمختلف المراحل العمرية، جراء الاستهداف الإسرائيلي للمصانع، والمحال التجارية، والأسواق، في ظل الطلب المتزايد نتيجة خروجهم من منازلهم دون اصطحاب ما يكفيهم من ملابس، ما بات يضطرهم إلى التوجه إلى شراء الملابس المستعملة إن وجدت.
وتقول صقر لـ"العربي الجديد" إنها اضطرت إلى النزوح مع زوجها وأطفالها الثلاثة من منطقة التوام شماليّ مدينة غزة نحو مخيم الزوايدة للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزة، بفعل التهجير الإسرائيلي القسري للمواطنين إلى جنوب وادي غزة، فيما لم تتمكن من أخذ ما يكفي أسرتها من ملابس، على اعتبار أن النزوح لن يدوم سوى أيام، أو أسابيع قليلة على أبعد تقدير.
وتضيف صقر: "خرجنا بالملابس التي كنا نرتديها، واصطحبنا مجموعة غيارات صيفية بسيطة، ومع مرور الأيام، وتنقلنا من منطقة إلى أخرى، دخل علينا فصل الشتاء، ولم نجد ملابس شتوية، ما اضطرنا إلى شراء الملابس المستعملة، بفعل الشحّ الشديد في الملابس الجديدة، كذلك الارتفاع الخيالي في أسعارها، الذي وصل إلى ما يزيد على عشرة أضعاف".
وتلفت إلى الارتفاع كذلك في أسعار الملابس المستعملة خلال الحرب، الذي يفوق في بعض القطع أسعار الملابس الجديدة في الوقت الطبيعي بأضعاف، مشيرةً إلى انعدام الخيارات أمامها، حيث باتت بحاجة إلى غيارات لأسرتها، خصوصاً مع عودة فصل الصيف، وحاجتهم لملابس صيفية تتواءم مع الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، خصوصاً داخل الخيام التي تتحول إلى لهيب خلال ساعات النهار.
ويصل سعر بيجامة الأطفال الجديدة والمكونة من شورت وبلوزة مصنوعين من قماش غير جيد إلى 50 شيكلاً (نحو 14 دولاراً)، فيما كانت تباع بسعر يراوح من 5 إلى عشرة شيكلات، كذلك الفساتين، والبناطيل والقمصان التي تضاعفت أسعارها، وقد ارتفعت أسعار الملابس المستعملة وفقاً لنظرية العرض والطلب، والتي عززها الشح الشديد في البضائع نتيجة إغلاق المعابر، وزيادة إقبال المواطنين الراغبين في ستر أبدانهم وأبدان أطفالهم، خصوصاً مع تعاقب ثلاثة فصول عليهم وهم في حالة نزوح متواصل.
أما الفلسطيني أحمد عبد القادر، وهو من سكان مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين، والذي نزح عدة مرات، وصولاً إلى مدرسة إيواء غربي مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، فيقول لـ "العربي الجديد" إنه لم يتمكن من إيجاد ملابس خاصة له ولأطفاله في السوق، ما دفعه إلى البحث في أكوام الملابس المستعملة، خصوصاً مع الارتفاع الكبير في البضائع الشحيحة وذات الجودة الرديئة.
ويوضح عبد القادر، الذي خسر مهنته في إصلاح الأجهزة الكهربائية بفعل قصف وتهجير سكان مربعهم السكني، أنه فوجئ بتضاعف أسعار الملابس المعروضة في بداية الحرب، إلا أن تلك الأسعار المرتفعة كانت تتضاعف مع مرور الأيام، إلى أن وصلت إلى أكثر من عشرة أضعاف، ويقول: "باتت الملابس المستخدمة مقصدنا في ظل الشحّ الشديد، وعدم قدرتنا على شراء الملابس الجديدة والمصنوعة من أقمشة رديئة".
ويشبه عبد القادر البحث عن الملابس والمقاسات المطلوبة داخل الأكوام والتي تُفرَش على الأرصفة، ومفترقات الطرق، وداخل الأسواق، وتعليقها على الجدران ومداخل المحال التجارية أو أمامها، بأنه كالبحث عن إبرة في كومة من القش.
ويضيف: "قد نجد القماش المطلوب بأحجام كبيرة أو صغيرة، وقد نجد الأحجام المطلوبة ولكن مهترئة أو ممزقة (..) نستغرق وقتاً طويلاً في البحث، وقد لا نجد طلبنا، فنضطر إلى شراء بدائل قريبة للأحجام المناسبة. إنها ليست حياة، بل جحيم".
على الجانب الآخر، وجد الشاب الفلسطيني شادي طومان نفسه بلا عمل في ظل حرب الإبادة، ما اضطره إلى العمل في شراء الملابس المستخدمة وبيعها، وتصفيفها بشكل منمق أمام بوابة محل تجاري مغلق، بعد فقدانه عمله الأساسي بفعل التأثيرات الكارثية للعدوان الإسرائيلي.
ويهدف طومان إلى ايجاد مصدر دخل يعينه على قضاء حوائج أسرته، إلى جانب المساهمة بتعميم الفائدة، سواء بالشراء ممن يحتاج إلى بيع الملابس من أجل توفير قوت أطفاله، أو ممن يرغب بشراء الملابس المستعملة لستر أسرته، في ظل شحّ الملابس الجديدة وغلاء ثمنها.
ويقول طومان لـ"العربي الجديد" إنه على الرغم من الارتفاع في أسعار ملابس البالة، فإنه لا يُقارن بالارتفاع في أسعار الملابس الجديدة، التي تُصنَع بأقمشة غير جيدة ولا تتناسب مع الأجواء الصيفية أو حتى الشتوية، مبيناً أن زيادة الأسعار طبيعية مقارنة بحالة الغلاء الجنوني في كل شيء.
أما بخصوص الإقبال على شراء تلك الملابس، فيلفت سلامة إلى أنه كبير بفعل الحاجة المتواصلة للملابس، وعدم دخول البضائع جراء إغلاق المعابر، ومع ذلك فإن مهنته غير مجدية مادياً، بسبب غلاء أسعار الملابس من المصدر، كذلك نتيجة عدم القدرة على تصريف مئات القطع غير المتناسبة مع حالة النزوح، والأجواء العامة التي يمرّ فيها المواطنون خلال الحرب.
ويرجِع غلاء أسعار تلك الملابس، التي كانت تباع بأسعار زهيدة قبل الحرب، إلى عدة أسباب، وفي مقدمتها الإغلاق التام للمعابر، وعدم السماح بدخول كميات إضافية، إلى جانب الخسائر الطائلة التي تعرّض لها التجار منذ بدء العدوان، والارتفاع الكبير في أسعار النقل والمواصلات، فضلاً عن تذبذب أسعارها، حيث بات الشراء من المواطنين هو المصدر الأساسي لتوفيرها.
وخلفت حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة نحو 38 ألف شهيد، وعشرة آلاف مفقود تحت الركام، وقرابة 90 ألف جريح، إلى جانب التسبب بخلق مجموعة من الأزمات الاقتصادية، والاجتماعية والأمنية التي يعاني منها النازحون الفلسطينيون الذين يعيشون تفاصيل حرب الإبادة الجماعية، تزامناً مع عدم قدرتهم على السفر بفعل الإغلاق التام للمعابر، ومنع دخول مختلف المتطلبات الأساسية.