استمع إلى الملخص
- عائلة آدم، المعروفة بنضالها ضد الاحتلال، فقدت الوالد صلاح الدين في 2002 خلال اشتباك مع قوات إسرائيلية، وتربى آدم وأشقاؤه على حب الوطن والتضحية من أجله، مع تعرضهم للاعتقال والملاحقة.
- مخيم بلاطة يعد مركزًا للمقاومة ضد الاحتلال، حيث تنشط كتائب مختلفة من المقاومين الفلسطينيين مثل كتائب شهداء الأقصى وكتائب القسام وسرايا القدس، مستمرة في نضالها ضد الاحتلال.
كان الفلسطيني آدم فراج يستعد لحفل زفاف شقيقته حين عمد الاحتلال الإسرائيلي إلى قتله على سطح قاعة الأفراح وترك ينزف حتى الموت، ليتحجز الاحتلال جثمانه.
لم يترك الاحتلال الإسرائيلي الشاب الفلسطيني آدم صلاح الدين منصور فراج (23 عاماً) حتى في يوم زفاف شقيقته، فاغتاله في قاعة أفراح قريبة من مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين شرق نابلس شمال الضفة الغربية. عند الساعة الخامسة عصراً، دخل آدم القاعة مستبقاً وصول موكب العروس أي شقيقته الكبرى، وطلب من موظفة في المكان وضع سلال الشوكولاتة وباقة الأزهار قرب المنصة التي ستجلس عليها العروس، وعلق على كل سلة ورقة تعبر عن تهانيه الحارة لمن ربته وهو صغير.
تقول الموظفة التي طلبت عدم ذكر اسمها لـ "العربي الجديد": "وصل الشهيد باكراً، وقال إنه يريد تجهيز مفاجأة لشقيقته، وبالفعل ساعدته في طلبه. بقينا نعمل على ترتيب الهدايا لبعض الوقت، ووصل عدد من النساء إلى القاعة بانتظار وصول موكب العروس، وفجأة سمعت صوت إطلاق رصاص، وعلى الفور سألني آدم عن الدرج الذي يقود إلى سطح القاعة".
تضيف: "حدثت ضجة كبيرة، وبدأت النساء يصرخن. وخلال دقائق، اقتحم جنود الاحتلال القاعة وصعدوا فوراً إلى السطح ليلحقوا بآدم". تعجز الموظفة عن مواصلة الحديث بعدما غلبتها الدموع، ثم تضيف: "هؤلاء القتلة حولوا الفرح إلى ترح، والعرس إلى مأتم".
ووثقت الكاميرات مشاهد مؤلمة لسحل قوات الاحتلال للشهيد آدم، الذي كان قد أصيب بالرصاص وترك ينزف فترة من الزمن على سطح المبنى، ثم عمد جنود الاحتلال إلى احتجاز جثمانه ورفضوا تسليمه إلى سيارات الإسعاف الفلسطينية، ولا تزال تواصل احتجاز الجثمان حتى الآن.
ويؤكد شهود عيان لـ "العربي الجديد" أن جيش الاحتلال تعامل بشراسة غير مسبوقة، وكان يطلق النار على كل من يتحرك، فيما نصب قناصته على أسطح البنايات المطلة على الموقع، واستعان بطائرة مسيرة حلقت على مستوى منخفض لرصد كل التحركات.
بالإضافة إلى الشهيد فراج، استشهد الشابان معتز خالد نابلسي (28 عاماً) وأحمد عمر الخضري (30 عاماً) فيما أصيب تسعة آخرون، ثلاثة منهم جراحهم خطرة. وكأن المشهد الذي كان بطله الأب الشهيد صلاح الدين منصور فرّاج يعاد من جديد بعد 22 عاماً، لكن البطل هذه المرة هو نجله الشهيد آدم.
يوم 19 فبراير/ شباط 2002، تمكن المقاوم فرّاج من اكتشاف قوة خاصة إسرائيلية تسللت إلى مخيم بلاطة، ليشتبك معها من مسافة قصيرة حتى استشهد ليحمي المقاومين وضحى بروحه من أجل نجاتهم. لم يكن حينها مولوده الجديد آدم قد بلغ شهره الثالث، وله شقيق وشقيقتان، لتتولى والدته تربية أربعة أبناء في ظروف قاسية مادياً وفي محيط المخيم الذي كان ولا يزال في بؤرة استهدافات جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي يرى فيه حاضنة للمقاومين المنتمين إلى كافة ألوان الطيف الفلسطيني.
لكن فراج وآدم رضعا حب الوطن من والدتهما، وهما يستندان إلى تاريخ مشرف لوالدهما الشهيد ولأعمامهما. كما أن غالبيتهم تعرضوا للاعتقال في سجون الاحتلال خلال الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى والثانية، وما كاد يبلغ الابن الكبير العشرين من عمره حتى اعتقله الاحتلال الإسرائيلي.
وعلى دربه سار الشهيد آدم، وتعرض للملاحقة والاعتقال في 13 سبتمبر/ أيلول 2022، حيث أمضى نحو ستة أشهر. ويقول الصحافي أمين أبو وردة وهو من مخيم بلاطة لـ "العربي الجديد": "العائلة مشهود لها بالوطنية والمقاومة، فالوالد الشهيد صلاح كان زميلي في الدراسة منذ الصف الأول ابتدائي وحتى الثانوية العامة، وامتاز بعلاقته الطيبة مع من حوله. وعندما اندلعت الانتفاضة الأولى، لم يتأخر عن الانخراط فيها يوماً واحداً، وخصوصاً أن شرارة تلك الانتفاضة انطلقت من مخيم بلاطة بعد يوم واحد من دهس أحد المستوطنين لأربعة فلسطينيين بمخيم جباليا في قطاع غزة في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 1987، وقد أمضى سنوات طويلة في سجون الاحتلال".
يتابع أبو وردة: "لديه شقيق خضع لتحقيق عسكري مطول ولم يعلن عن اسمه حتى، وقد أخضعه ضباط المخابرات الإسرائيليون لجولات من التعذيب، حتى أصيب إثر ذلك بأمراض تلازمه حتى اليوم في عموده الفقري". ويقول: "ليس غريباً أن يسير آدم على هذا الدرب، هو الذي نشأ في بيئة تعشق المقاومة، وكان يرى المقاومين يحملون أسلحتهم ولا يغادرون أزقة المخيم ويشتبكون مع قوات الاحتلال ويصدونه ويلحقون به خسائر فادحة". ومنذ ظهور كتيبة بلاطة قبل نحو عامين، اغتالت قوات الاحتلال معظم قادتها وبوسائل مختلفة، واتبعت في بادئ الأمر أسلوب الاقتحامات المباشرة بدخول الآليات العسكرية لأزقة المخيم ومداهمة البيوت وتنفيذ عمليات قتل واعتقال، لكن سرعان ما اتبع الاحتلال أسلوباً جديداً، تمثل باستخدام الطائرات سواء الحربية من طراز أف 16 أو المُسيرة لقصف أماكن تحصن المقاومين أو مركباتهم. وفي وقت قتل عدد كبير منهم، نجا آخرون بأعجوبة.
وفي مخيم بلاطة كثافةٌ سكانية عالية تصل وفق بعض الإحصائيات إلى نحو ثلاثين ألف لاجئ، ويعيشون في مساحة لا تزيد عن بضعة كيلومترات فقط، لكن هذا الاكتظاظ شكل عامل احتضان أمني حرم القوات المقتحمة حرية المناورة لأنه يتكون من بيوت متجاورة وشوارع ضيقة تسمح بإمكانية التنقل من بيت إلى بيت من دون الحاجة إلى الخروج إلى الشوارع الرئيسية.
ومخيم بلاطة أيضاً بيئة جيدة للعمل العسكري ضد الاحتلال، بالنظر إلى خروجه عن تبعية السلطة الفلسطينية، فالعلاقة بين عناصر حركة فتح هناك والأجهزة الأمنية علاقة شائكة وصلت إلى ذروتها في فبراير/ شباط 2018، قبل أن تنفجر في 2020.
وتضم كتيبة بلاطة، أسوة بالكثير من الكتائب الناشطة في الضفة الغربية، عناصر ينتمون إلى فصائل المقاومة المختلفة، ومنهم كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح، رغم أنه كان قد أعلن منذ سنوات عن حل الجناح العسكري لفتح، لكن العناصر الشابة ترفض الحلول السياسية للسلطة الفلسطينية، وتسعى جاهدة لإعادة الأمجاد للحركة. وهناك عناصر فاعلة في الكتيبة من كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، التي نعت الشهيد آدم فرّاج ووصفته بأنه أحد أفرادها.
وتجد هذه العناصر في المخيمات ساحة آمنة للعمل وقد تجعلهم بعيدين عن عيون الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي تلاحقهم. كما تضم عناصر تابعين لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، التي يعتقد أنها المؤسس الفعلي للمجموعات العسكرية في الضفة الغربية.