منذ الصباح الباكر اليوم الأحد، وعائلة الشهيد سائد الكوني (23 عاماً) من مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية منهمكة في حفر قبر لابنها بجانب قبر رفيقه الشهيد محمد العزيزي، لكنها لم تدفن جثمانه للآن، بل فقط أجزاء من أشلائه، عثر عليها بعد انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي، بعد استشهاده فجر اليوم، واحتجاز جثمانه.
وكان الكوني ضمن خلية مكوّنة من أربعة مقاومين مسلحين، وقعوا في كمين نصبته قوات الاحتلال الإسرائيلي لهم، على قمة جبل جرزيم جنوبي نابلس، فجر اليوم الأحد، حيث كان الكوني يتقدّمهم على دراجة نارية، لاستطلاع الطريق، قبل أن يباغته الجنود بإطلاق الرصاص الحي عليه، وانفجار خزان وقود مليء بالبنزين، واندلاع النيران فيها، ما تسبب باحتراق جثته وفق شهود عيان، ورغم ذلك، فقد احتجزها الاحتلال، فيما تمكّن الثلاثة الآخرون من الانسحاب بعد إصابتهم بشظايا عقب اشتباكهم مع جنود الاحتلال من مسافة قصيرة.
يقول خال الشهيد، أيمن الشخشير لـ"العربي الجديد": "لقد وجدنا مكان استشهاد سائد يده محترقة، وجزءاً بسيطاً من قدمه، وعملت العائلة على حفر قبر للشهيد في المقبرة الغربية بنابلس، إلى جانب قبر الشهيد محمد العزيزي الملقب بأبي صالح، الذي ارتقى قبل نحو شهرين في عملية عسكرية واسعة للاحتلال الإسرائيلي في البلدة القديمة في نابلس، برفقة الشهيد عبد الرحمن صبح".
ووفق خال الشهيد، "لقد كانت هذه وصية سائد، أن يدفن إلى جانب العزيزي، كما أبلغنا رفاقه، وبالفعل نفذنا وصيته، على أمل أن يقوم الاحتلال الإسرائيلي بتسليم جثمانه لدفنه في القبر ذاته".
"كان محباً للمقاومين، يتابع أخبارهم لحظة بلحظة، وإذا ما ارتقى أحدهم شهيداً يعلق صورته في غرفة نومه، لكننا لم نعتقد يوماً أنه سيصبح واحداً منهم، ونعلق صورته إلى جانب صورهم"، يقول الشخشير عن ابن أخته الشهيد الكوني.
وفي وقت تقاطرت فيه النسوة إلى بيت العائلة لمواساتهم، كان الخال يعدد في حديثه مع "العربي الجديد" صفات الشهيد الكوني المولود عام 1999، ويقول: "كان هادئاً ومرحاً، لكنه كان أيضاً عنيداً وكتوماً جداً، وهذا ما تبين لنا عندما علمنا بعد استشهاده أنه كان أحد عناصر مجموعة (عرين الأسود) الفاعلين، دون أن يشعر أحد من العائلة بذلك".
أما والدة الشهيد ميساء الشخشير "أم سعدي"، فقد ظهرت متماسكة رغم أنّ الدموع غلبتها وهي تتحدث عن الدقائق التي علمت فيها باستشهاد ولدها، وتقول لـ"العربي الجديد": "بعد صلاة الفجر بدأت الاتصالات تتوالى على هاتف زوجي وابني الكبير وهو أمر غير معتاد، وكنت أسمع اسم سائد، وعلمت من سياق الحديث أنه مصاب برصاص الاحتلال، ومن ثم راحت منصات التواصل الاجتماعي في نابلس ومجموعات (تيليغرام) تنشر صورته على أنه استشهد، وهو ما أكده لي ابني، فلم أجد إلا الاحتساب والصبر".
وتتابع الوالدة "نياله على الشهادة، هذه مرتبة عظيمة لا يصل لها إلا الصادقون، وهو كان صادقاً في مبتغاه، وفرحتي أكبر أنه استشهد وهو يقاوم الاحتلال الإسرائيلي".
أما الأب المكلوم، فيوضح لـ"العربي الجديد" أنّ ابنه الشهيد يعمل معه في مجال البلاط، بعد أن ترك مقاعد الدراسة، ولم يسبق أن اعتقل لدى الاحتلال الإسرائيلي أو كان "مطلوباً" له، كما لم يعتقل لدى السلطة الفلسطينية، و"رغم صغر سنه، إلا أن علاقته بالجميع طيبة، ولم نسمع عنه إلا الثناء من كل من حولنا".
ويؤكد الوالد أنّ احتجاز الاحتلال لجثمان ولده "إمعان منه في غيّه وتطرفه، ألا يكفيهم الطريقة البشعة التي قتلوه بها واحتراقه، وترك بعض أشلائه على الأرض؟ من حقنا استلام بقية الجثمان ودفنه في قبره حتى ترتاح روحه".
وتلاحق قوات الاحتلال الإسرائيلي مجموعات "عَرين الاُسود" منذ نحو عام، وقد اغتالت عدداً من أبرز قادتها خلال الأشهر القليلة الماضية، في حين تمكنت تلك العناصر مع قلة الإمكانيات من إلحاق خسائر مباشرة في صفوف جنود الاحتلال والمستوطنين.
ويخوض أفراد المجموعات التي تؤكد أنها لا تنتمي لأي فصيل سياسي فلسطيني، اشتباكات ضارية مع قوات الاحتلال خلال توغلها في مدينة نابلس، كما أنها تستهدف المستوطنات القريبة من مدينة نابلس ومركبات المستوطنين التي تمر من الطرق الخارجية.
ويوم الإثنين الماضي، اعتقلت الأجهزة الأمنية الفلسطينية اثنين من عناصر "عرين الأسود"، وهما المطلوب الأول للاحتلال الإسرائيلي مصعب اشتية ورفيقه عميد طبيلة، خلال تواجدهما في مركبة داخل أحد أحياء مدينة نابلس ونقلا فوراً إلى سجن تابع للسلطة الفلسطينية في مدينة أريحا شرقي الضفة الغربية.
وأدى ذلك الاعتقال إلى موجة عنيفة من الاحتجاجات الشعبية والاشتباكات المسلحة، إذ تبادل مسلحون وأفراد من الأجهزة الأمنية الفلسطينية إطلاق النار، ما أدى إلى مقتل مواطن وإصابة العشرات بعضهم بجراح خطيرة، قبل أن تعلن لجنة التنسيق الفصائلي عن التوصل لاتفاق لإنهاء تلك الاحتجاجات ومعالجة ملف اشتية بطريقة "مرضية".