قبل 40 عاماً، وصل إنزر كل إلى باكستان لاجئاً من أفغانستان. حينها كان شاباً صغيراً، أمّا اليوم فقد أصبح جداً لطفلين، لكنّه ما زال يعيش في منزل لا كهرباء فيه ولا مياه صالحة للشرب، في ضواحي مدينة راولبندي القريبة من العاصمة إسلام أباد. يخبر "العربي الجديد": "جئت إلى باكستان مع والدَي وأفراد أسرتي عبر طرق جبلية وعرة هرباً من القتال الدائر بعد الغزو السوفييتي لبلادنا. لم أكن أظنّ، ولا أيّ من أقاربي، أنّنا سنبقى لفترة طويلة في باكستان مثلما حدث. فنحن تركنا منازلنا مليئة بالخيرات وأراضينا الزراعية التي كانت تكفينا في وطننا، وها نحن نعيش بعد أربعة عقود في ظروف سيئة في بلد اللجوء".
عندما وصلت العائلة إلى باكستان، سكنت بداية في مدينة وانا في شمال وزيرستان القبلية الباكستانية المحاذية للحدود الأفغانية، قبل أن تنتقل أسرته إلى مدينة بيشاور بحثاً عن العمل، وبالتالي عن لقمة العيش. وبدأ والده زرين خان يعمل في مصانع الطوب وفي أعمال مختلفة من أجل إعالة أولاده الصغار، حتى توفي هناك. ويتحدث إنزر عن حلم والده "بالعودة إلى أفغانستان حتى آخر أيام حياته. كان يحبّ البلاد ويعشقها، وكان يأمل أن يعمل في حقوله مرّة أخرى. لكنّ الحرب القائمة هناك لم تسمح بتحقق حلمه". يضيف أنّه "بعد وفاته، وبحسب وصيّته، نقلنا جثمانه إلى القرية ودفناه هناك".
وتتحدّر أسرة إنزر من قبيلة سليمان خيل العريقة في إقليم بغلان، وفي الشمال الأفغاني على عموماً، فهي تملك أراضي زراعية واسعة هناك. ويحكي إنزر: "والدي كان يعمل في حقولنا قبل الغزو السوفييتي، من الصباح حتى المساء. وكنّا نستقبل في مسكن الضيوف وافدين من مناطق بعيدة كانوا يقصدون منطقتنا لأغراض مختلفة".
ما زالت عائلة إنزر تملك أراضيها في الوطن، لكنّها لا تستفيد من أيّ محاصيل، ولا يستطيع أفرادها العودة كذلك. وعلى الرغم من إصرار إنزر في أكثر من مرّة على العودة بعد أن أثقلت كاهله المشكلات واللجوء، فإنّ أبناءه وأفراد أسرته يرفضون ذلك. يُذكر أنّ لإنزر أربعة أبناء، هم: غلام محمد، وميرزا محمد، وولي محمد، وأسفنديار. اثنان منهم يعملان في سوق الخُضَر والفواكه مع والدَيهما، لكنّ المشكلة الرئيسية أنّ أكبرهما، غلام محمد، انتقل للسكن وحده بعدما تزوّج وصار له ابن، بالتالي لم يعد يساهم في مصاريف البيت التي تُلقى على كاهل إنزر وابنه الثاني ميرزا محمد. صحيح أنّ الأخير تزوّج كذلك وله ابن، إلا أنّه ما زال يعيش مع والده.
من جهته، يقول ميرزا محمد لـ"العربي الجديد": "لطالما حلمت وأنا صغير بأن أتعلّم أوّلاً وأن أسكن في منزل لائق مثل غيري. لكنّ هذين الحلمين لم يتحققا. وقد حصلت فقط على بعض دروس في المسجد، فيما لم أسكن حتّى الآن في منزل مريح مؤمّنة فيه متطلبات العيش".