تتكرر جرائم القتل غير العمد والإصابات الخطيرة بسبب المزاح بين الأصدقاء، أو داخل بعض الأسر العراقية، باستخدام الأسلحة الخفيفة مثل البنادق والمسدسات، ما يؤدي في النهاية إلى فواجع وتدخّل الأجهزة الأمنية والقضائية لملاحقة المتورطين، بالرغم من كون الجريمة غير مقصودة.
ووثّقت كاميرات المراقبة في حي الكرادة وسط العاصمة بغداد، الأسبوع الماضي، مزاحاً بين ثلاثة أصدقاء بالسلاح انتهى بكارثة لا توصف، حينما أقدم أحدهم على إفراغ رصاص مسدسه في صدر الآخر. وأظهر الفيديو المتداول أحدهم يجلس داخل سيارة ويمازح اثنين من أصدقائه يقفان خارجها، وسرعان ما تغير المزاح إلى حقيقة مفجعة، حين تلقى أحد الأصدقاء رصاصة في صدره، ما تسبب بوفاته بعد ساعات.
قبل ذلك، قُتل شاب في ناحية السلام، بمحافظة ديالى، خلال مزاح باستخدام السلاح، حيث أصيب برصاصة في عنقه، وقبلها قتل عامل بناء، بحجة المزاح، ببندقية صيد، في منطقة الدورة جنوبي العاصمة بغداد، مع العلم أن الشخص الذي قتله بغير قصد هو مختار الحي، ما أدى إلى اعتقاله ومحاسبته قانونياً.
متداول|
— AlSharqiya TV - قناة الشرقية (@alsharqiyatv) November 18, 2023
مزاح ثقيل بين صديقين في #بغداد ينتهي بجريمة قتل بالرصاص#الشرقية_نيوز pic.twitter.com/ELlCh0RyCo
وتسبب هذه الحوادث غضباً شعبياً من جرّاء السلاح المنتشر في أيدي العراقيين، الذي لم تتمكن الحكومات العراقية بعد عام 2003 من حصره، كما تطالب منظمات حقوقية وأخرى معنية بالمجتمع المدني بسحب هذا السلاح، وإنزال العقوبات على المتورطين بهذه الحوادث.
ويعدّ السلاح المنفلت في العراق واحدةً من أخطر مشكلات البلاد، لما له من تأثيرات كبيرة على الأمن المجتمعي. ومنذ عام 2005 وحتى اليوم، رفعت الحكومات العراقية شعار "حصر السلاح بيد الدولة"، فيما لا يبدو أن هناك خطوات فعالة لتنفيذه. ويرجّح مراقبون عدم تمكن الحكومة من تنفيذ وعودها.
ولا يوجد إحصاء رسمي بعدد قطع السلاح الموجودة داخل المجتمع العراقي، لكن التقديرات تتحدّث عن أرقام متفاوتة بالعادة بين 13 مليونا إلى 15 مليون قطعة سلاح متوسط وخفيف، أبرزها بنادق الكلاشنكوف، و"بي كي سي"، و"آر بي كي" الروسية، إلى جانب مدافع الهاون وقذائف الـ"آر بي جي" التي باتت تُستخدم أخيراً بكثرة في النزاعات القبلية جنوبي ووسط البلاد.
في السياق، قال النائب المستقل في البرلمان العراقي باسم خشان إن "مشاهد القتل والإصابات الخطيرة التي تطاول الشباب وهم يموتون من جراء المزاح، أو الاستخدام غير الصحيح للسلاح، مؤلمة، وهي من مسؤوليات الحكومة تجاه الشعب، لأن حمايته من هذه الممارسات ضمن واجباتها"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أن "جميع الحكومات التي أعقبت الاحتلال الأميركي فشلت في حصر السلاح".
وأضاف خشان أن "السلاح لا يزال منتشراً في المجتمع العراقي، وهناك ملايين القطع في منازل العراقيين، من أجل الحماية الشخصية أو أنه يعد ضمن مقتنيات المنزل في كثيرٍ من الأحيان، وهذه الثقافة زادت مع تردي الوضع الأمني، لكن تزداد الحاجة إلى حصر هذا السلاح بيد الدولة"، مؤكداً أن "سحب السلاح من المجتمع سيقلل من نسب القتل غير المقصود والجرائم المنظمة وغيرها من المشاكل الأمنية".
من جهته، أشار الناشط المدني أيوب حسن إلى أن "السلاح يمثل أكبر التحديات الأمنية والمؤثرة على الحياة الاجتماعية بسبب حالات القتل المقصودة أو غير المقصودة، وهو في متناول يد المليشيات وعصابات الجريمة المنظمة، ولم تتمكن الحكومات العراقية من معالجة هذا الملف، لأن التقدم فيه يعني الوقوف بوجه بعض الأحزاب التي تستخدم السلاح من أجل تمرير وجهات نظر سياسية وإرادات وممارسات اقتصادية أيضاً".
وأكمل حسين، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "ثقافات دخيلة غزت المجتمعات المدنية العراقية، من بينها اقتناء الأسلحة والاحتفاظ بها في المنازل، وبعض العائلات العراقية تملك أكثر من قطعة سلاح"، مؤكداً أن "حالات عنف أسري وقتل داخل العائلات تحصل بسبب وجود الأسلحة في البيوت، بالتالي، فإن وجودها يتسبب بمشاكل كثيرة، ولا بد من وجود إرادة سياسية لإنهاء ظاهرة السلاح المنفلت".
أما الخبير بالشأن الأمني أحمد الشريفي، فقد بيَّن أن "العراق يعد واحداً من البلدان التي تنتشر فيها الأسلحة على مرأى ومسمع السلطات الأمنية العراقية، حيث توجد محال لبيع الأسلحة وأحياناً أكشاك، وهي موجودة في مناطق ببغداد وغيرها من المدن"، مستكملاً حديثه في اتصالٍ مع "العربي الجديد" بأن "الحصول على قطعة سلاح في العراق ليس أمراً صعباً، بالرغم من أن حملات التفتيش مستمرة في البلاد، إلا أن ما يُضبط أقل بكثير مما هو موجود في متناول المواطنين".
ولفت إلى "وجود صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تمارس عمليات بيع وشراء الأسلحة علناً، وهذه الممارسات تنعكس في حالات قتل موجعة، ضمنها ما بات يتحول إلى مشكلة اجتماعية بسبب المزاح بالأسلحة الذي ينتهي بمقتل أحد الأشخاص بالخطأ"، مؤكداً أن "الحكومة الحالية كانت قد وعدت بحصر السلاح خلال مدة أقصاها سنة، لكن في الحقيقة لم يحدث أي شيء على أرض الواقع".
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، ألقت السلطات الأمنية العراقية القبض على مجموعة تدير عمليات بيع واتجار بالأسلحة عبر حسابات على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وهي مجموعة من بين عشرات المجموعات التي تمتهن عمليات بيع الأسلحة المتوسطة والخفيفة عبر حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتجني أرباحاً كبيرة من خلال تلك التجارة، التي تسببت برفع ظاهرة انتشار السلاح في بغداد.
وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني قد استهل عمله الحكومي بإطلاق الكثير من الوعود، متعهداً بإنجازها خلال مدة أقصاها عام واحد. ومن أبرز ما تضمنه منهاج السوداني الحكومي، إنهاء ظاهرة السلاح المتفلّت خارج نطاق المؤسسات الرسمية والشرعية للدولة، وهو التحدي الذي أثيرت شكوك سياسية في قدرته على الوفاء به. وأخيراً شكلت وزارة الداخلية العراقية لجنة وطنية دائمة لتنظيم الأسلحة وحصرها بيد الدولة، فيما وجهت قيادات الشرطة في المحافظات بتنفيذ التوجيه.