تغيّر المساحات الضيّقة لمنازل المساكن العمودية (المباني التي تتألف من طوابق) في تونس عادات عيد الأضحى، باعتبارها تخلق صعوبات لوجستية تمنع الأسر من الاحتفال بالعيد بطريقة تقليدية. ويسعى البعض إلى تجاوز العقبات من خلال تطويع المساحات المتاحة في المباني العمودية، بهدف الحفاظ على العادات.
عموماً، تقتني الأسر التونسية الأضاحي قبل أيام من موعد العيد، وتوضع في حدائق أو مساحات مخصصة كفناء لمنازل تتوفر في فيلات و"الديار العربي" (المساكن التقليدية)، حيث تجهّز النساء الأكلات، ويعددن ولائم الشواء.
وبالنسبة إلى الأسر التي تسكن في مساكن حديثة، فباتت لا تشتري الأضاحي قبل أيام من العيد، بل قبل يوم واحد فقط، كما تفتقد المساحات المخصصة للذبح وإقامة ولائم الشواء، الأضاحي، ما يجعلها تكتفي بطهي أطباق لا تتطلّب جهداً كبيراً، ومطابخ صغيرة.
يقول سامي المنصوري، الذي يقيم في شقة لا تتجاوز مساحتها 95 متراً مربعاً، لـ"العربي الجديد": "أودعت الأضاحي في شرفة الشقة ليلة العيد، وستختصر زوجتي عادات الأضحى بسبب ضيق مساحة البيت، فنحن نواجه صعوبات لوجستية كثيرة، ومنها عدم توفر مكان لذبح الأضاحي". يضيف: "معظم سكان المجمع الذي أمكث فيه يذبحون الأضاحي في المسلخ البلدي، ما يقلّص أجواء العيد التقليدية التي كنا نعيشها".
ويؤكد أن طبيعة السكن في الشقق والإقامات المشتركة أصبحت تحدد نمط حياة التونسيين، وتحرمهم من الاستمتاع بالعادات المتوارثة، مبدياً تخوفه من تلاشي موروث الثقافات المتنوع في أعياد التونسيين بسبب طبيعة المساكن الحديثة.
من جهته، يقول باديس القمودي، الذي يشرف على مجمع للمساكن العمودية لـ"العربي الجديد": "نسعى إلى تجاوز العقبات اللوجستية التي يفرضها السكن الجماعي خلال الأعياد والمناسبات الكبيرة. وقد اتفق السكان على تخصيص ركن في المساحة الخضراء المحيطة بالمباني لذبح الأضاحي، ثم تنظيفه وإعادة الاعتناء به. وهكذا يختلف عيد سكان الإقامات المشتركة كثيراً عن عيد من يملكون مساكن منفردة، بعدما تحوّلت هذه الأماكن إلى أماكن لمجرّد المبيت فيها لا تحفظ للعائلات أدنى الحقوق في الحفاظ على الخصوصيات التي تميّز مناسبات التونسيين وأعيادهم".
ويتميز عيد الأضحى في تونس بطقوس ومظاهر احتفالية ومعتقدات شعبية بدءاً من اقتناء خروف العيد، إلى ذبحه وتقطيعه. ومن العادات المعروفة أيضاً اجتماع شمل الأسر، حيث يفضل أفرادها قضاء هذه المناسبة الدينية بين الأقارب، وإقامة ولائم طعام تتكوّن في الأساس من المشاوي وطبق الكسكسي بالعصبان الذي يتكوّن من أحشاء الخروف، ويتطلب إعداده توفر مساحة شاسعة لتنظيف أحشاء الخروف وتقطيع الخضار.
وعموماً، يولي التونسيون أهمية كبيرة لعيد الأضحى، ويحرصون على الاستعداد له بشكل جيد. وكما الحال في غالبية الدول الإسلامية، تمثل هذه المناسبة الدينية فرصة لإحياء تقاليد لم تزلها السنوات، وظلت حاضرة من خلال الأجيال التي تتناقلها، وتشكل ذاكرة المجتمع التونسي الذي تركت فيه الثقافات المتنوعة موروثاً دسماً.
في المقابل، يسعى بعض مطوّري العقارات المتخصصين في إنشاء المجمعات السكنية الكبيرة، إلى تلبية أدق مطالب السكن الجماعي، وبينها الحاجة إلى إيجاد مساحات لذبح الأضاحي خلال عيد الأضحى. ويقول أحدهم ويدعى كريم بن داود لـ"العربي الجديد": "انتشار السكن العمودي في تونس على امتداد العقدين الماضيين كشف خصوصيات يتمسك بها التونسيون، ولا يلبيها السكن العمودي، وبينها توفير مساحات خاصة لإحياء شعائر عيد الأضحى وحتى المناسبات العائلية".
يتابع: "مطورو العقارات انتبهوا إلى هذه التفاصيل بعد أكثر من عقدين، وأصبحوا أكثر توجهاً لتلبية احتياجاتها، ومنها توفير قاعة للرياضة ومصلى، ومكان لذبح الأضاحي، ما يساهم في تحسين العلاقات الاجتماعية بين سكان المباني".
ويرى أن إحياء شعائر الأضحى في المساحات المشتركة داخل الإقامات السكنية يقلّص الإحساس بالعزلة لدى الأسر التي لا تستطيع قضاء الأعياد مع عائلاتها. ويشير إلى أن جائحة كورونا والحجر الصحي كشفا متطلبات جديدة للسكن الجماعي، ومنها الحاجة إلى مساحات خضراء وحدائق، وتكثيف الأجزاء المشتركة في العمارات. لكنه يؤكد أيضاً أن السكن في المباني العمودية متعددة الطوابق يحتاج إلى اهتمام أكبر بالجوانب المرتبطة باستخدام المساحات المشتركة، رغم وجود أطر قانونية تضبط هذه الجوانب تتضمنها مجلة الحقوق العينية، لكنها واجهت صعوبات في التطبيق منذ عام 2005.