يتوسّع بشكل لافت في الجزائر الاهتمام بممارسة رياضة المشي في الغابات والجبال والتي باتت تشهد مشاركة ملحوظة وانخراط كثيرين من مختلف الفئات العمرية والأوساط الاجتماعية في الجمعيات والنوادي الناشطة في المجال.
ووجدت الكثير من مراكز الشباب في الجزائر في الاهتمام المتزايد برياضة التجوال في الجبال، فرصة لضمها إلى لائحة الأنشطة التي تنظمها لمنتسبيها، خاصة مع مسعى حكومي لتنشيط السياحة الداخلية عبر برامج الترويج، ومنح الفرصة للمشاركين في هذه الرحلات لاستكشاف المناطق التاريخية والطبيعية، والتعريف بها.
في السياق، تكرر دار الشباب ببلدة أحمر العين في محافظة تيبازة، تنظيم رحلات للتجوال الشبابي إلى بعض المناطق التاريخية والأثرية ضمن النشاطات الترفيهية والسياحية الموجهة لشباب المنطقة، وكانت آخر تلك الرحلات إلى أعالي منطقة "شفة" بمحافظة البليدة، وهي منطقة تتميز بالوديان والجسور التاريخية، إضافة إلى انتشار أنواع من القرود فيها، وسمحت الرحلة للشباب باستكشاف المغارات والشلالات الموجودة في المنطقة، واستطلاع مسار السكة الحديدية الذي يعود إلى فترة الاستعمار الفرنسي، والذي كان يربط البليدة ببعض المحافظات الداخلية، ويمر عبر مسالك جبلية ومسالك معلقة وأنفاق تعبر عن إبداعات وتحديات هندسية.
وتتطلب رحلات المشي في الجبال بعض الترتيبات اللوجستية، فقبل بدء رحلة المشي ينبغي أن يرتدي المشاركون بدلات وأحذية خاصة تتناسب مع المسافة الطويلة التي يقطعونها، إضافة إلى توفر حقيبة ظهر مملوءة بقوارير المياه وأصناف من الأطعمة الخفيفة، كما يجب تخصيص حقيبة للإسعافات الأولية، تستعمل في حالة إصابة أحد المشاركين بجروح أو كدمات، كما يستعمل هؤلاء عصياً خاصة تساعدهم على الصعود في بعض الطرق الوعرة ضمن مسار الرحلات التي قد تمتد إلى مسافات تصل في بعض الأحيان إلى 20 كيلومترا.
ومع انتشار هذه الرياضة بعد تحسن الوضع الأمني في البلاد، عمدت محال بيع الملابس والتجهيزات الرياضية إلى توفير الملابس والأحذية والعصي والقبعات وغيرها من المستلزمات الخاصة برحلات الجبال، ما بات يشجع مزيدا من الأشخاص على المشاركة في هذه الرياضة التي تشمل فعالية مجتمعية وبيئية.
وكانت جبال وغابات الجزائر منذ التسعينيات حتى سنوات قليلة ماضية، مناطق مشوبة بالخطر بسبب وجود الجماعات الإرهابية، قبل أن تنجح السلطات الأمنية في القضاء عليها، ما سمح بعودة الجزائريين إلى ممارسة السياحة الجبلية، وبدء المصالحة مع الطبيعة.
تنظم "جمعية الحبايب العفرون" بولاية البليدة (80 كيلومترا جنوبي العاصمة الجزائر)، رحلات متكررة للتجوال في المناطق الجبلية، وتقوم الجمعية عادة بإعلان المواعيد والتفاصيل حول الوجهة المختارة، وتحديد نقطة الانطلاق عبر الحافلة أو الدراجات الهوائية، وتتم هذه الرحلات في جو من المرح والبهجة. وكانت آخر رحلة نظمتها الجمعية إلى منطقة "الشريعة" التي تعد من أبرز المناطق الخلابة في الجزائر، خاصة في فصل الشتاء، ووفرت الرحلة فرصة لتعريف المشاركين بالكنوز السياحية.
ويعتبر كثيرون المشي لمسافات طويلة في مسارات جبلية رياضة مفيدة للجسم، فهي تقي من أمراض الخمول والكسل كالسكري وزيادة الكوليسترول وارتفاع ضغط الدم والسمنة، ويحاول ممارسو هذه الرياضة رفع التحدي بالوصول إلى أعلى أو أبعد المناطق، أو قطع مسافات طويلة، ما يحتاج إلى تحضير بدني، ويعد وسيلة لممارسة الرياضة المفيدة.
كان أستاذ التعليم الثانوي، شريف بوزناشة، يمارس رياضة الكاراتيه لمدة عشر سنوات، وبعد تعرضه لإصابة في الكتف توقف عن ممارستها، ويقول لـ"العربي الجديد": "كان لزاماً علي أن أجد رياضة بديلة تناسب وضعي بعد الإصابة، بحيث تساعدني في الحفاظ على لياقتي من دون أن تفاقم إصابتي، فقررت التوجه إلى رياضة المشي، وبدأت المشاركة في رحلات المشي في الجبال، وشجعت زملائي على المشاركة، ثم أسسنا مجموعة تقوم على إعداد البرنامج، وتحديد الوجهة، وانضم إلى مجموعتنا صديقي عادل الذي كان يعاني من السمنة لسنوات، وكانت هذه الرياضة الحل الذي تسبب في تخفيف وزنه، وتجنيبه الأمراض".
وفي هذه الرحلات لا يغيب عن أذهان المشاركين الاهتمام بالطبيعة والبيئة، إذ تتحول بعض رحلات المشي في الجبال إلى فرصة للقيام بعمليات تنظيف لبعض المواقع، وجمع النفايات، وسقي أو غرس الأشجار، والتعرف إلى التنوع البيولوجي للمنطقة، إضافة إلى نشر الثقافة البيئية في نفوس المشاركين، كما يتم خلالها تصوير العديد من مقاطع الفيديو والصور الفوتوغرافية التي تكشف العمق الطبيعي، أو توثق المواقع البيئية والبحيرات والأودية التي لا تحظى بالاهتمام الكافي في عمق الجبال، أو تعرضت للإهمال خلال فترة الأزمة الأمنية.
من بين تلك المواقع التي سلطت الرحلات الضوء عليها بحيرة "أم الحناش" التي تقع في قلب الجبال بين ولايتي ميلة وجيجل شرقي الجزائر، وبحيرة "الضاية" في ولاية المدية (120 كيلومترا جنوبي العاصمة الجزائر)، وبحيرة "المداد" بولاية تيسمسيلت غربي البلاد.
ولم تعد رياضة المشي في الجبال تقتصر على فئات معينة مهتمة بالطبيعة، أو محصورة بأنشطة منتظمة لهيئات وجمعيات متخصصة، بل أصبحت تستهوي كثيرا من الفئات، من بينهم جامعيون وأطباء ومهندسون، حتى مسؤولون في الدولة، وقد وجد هؤلاء في المشي فرصة سانحة للتخلص من التوتر الذي يعيشونه في الوسط المهني، وتجاوز التحديات التي تواجههم يومياً في أعمالهم، كما سمحت لهم رحلات المشي في الطبيعة باكتشاف مناطق طبيعية جديدة، وكذا اكتشاف جوانب لم يكونوا يدركونها في شخصياتهم.
ويمنح المشي لمسافات طويلة شعوراً بالراحة عبر تفريغ الطاقة السلبية، وهو يتيح تجديد الطاقة الجسدية والنفسية اللازمة لمواصلة المهام المعتادة، كالدراسة أو العمل، كما أنه يلعب دوراً مهماً في تحسين وصول الأوكسجين إلى الدماغ، وتنشيط عمل القلب.